تأجيل الانتخابات "إنجاز" أنقذ عباس من خسارة بدت حتمية

ينظر الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتأجيل الانتخابات على أنه إنجاز في حد ذاته، فقد حال دون مصير خسارة كان يمكن أن تكون مدوّية، ولكن مراقبين يرون أن تبعات ما أقدم عليه الرئيس أبومازن ستكون جد سلبية على القضية الفلسطينية داخليا ودوليا.
رام الله- نجح الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الفكاك من انتخابات كان يمكن أن تطيح به وبالتيار الذي يسيطر على حركة فتح الأم بإعلان تأجيل الاستحقاقات إلى أجل غير مسمى، لكن الأمر لا يخلو من تداعيات، حيث أن القرار لا يهدد فقط بتكريس حالة الانقسام على الساحة الفلسطينية، بل يضرب مصداقية عباس في مقتل أمام المجتمع الدولي ولاسيما الشركاء الأوروبيين.
وأعلن الرئيس الفلسطيني في وقت متأخر من ليل الخميس تأجيل الانتخابات الفلسطينية إلى حين ضمان سماح السلطات الإسرائيلية بإجرائها في القدس. وقال عباس في ختام اجتماع القيادة الفلسطينية في مقر الرئاسة بمدينة رام الله في الضفة الغربية إن القرار “يأتي بعد فشل كافة الجهود الدولية بإقناع إسرائيل بمشاركة القدس في الانتخابات”. وأوضح أن بلاده لن تجري الانتخابات دون مدينة القدس المحتلة.
وكان قرار عباس متوقعا لاسيما بعد الانقسامات التي عصفت بفتح والتي أسفرت عن ثلاث قوائم للمشاركة في الانتخابات التشريعية، من بينها قائمة “حرية” التي تشكلت على قاعدة تحالف بين القيادي المفصول عن فتح ناصر القدوة والقيادي الأسير في السجون الإسرائيلية مروان البرغوثي، وكشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أنها ستتصدر نتائج الاستحقاق.
وهناك قناعة في الداخل الفلسطيني كما أيضا لدى المجتمع الدولي بأن تأجيل الانتخابات والتي هي في واقع الأمر إلغاء لها بتعلة تحفظ إسرائيل على إجرائها في القدس الشرقية ليست سوى ذريعة مكشوفة للتملص من الاستحقاقات، وأن الإصرار على ربط تحديد موعد جديد لها بتغيير تل أبيب لموقفها سيعني أن الفلسطينيين سينتظرون طويلا وربما لسنوات تجديد شرعياتهم السياسية.
ويرى مراقبون أن عباس ينظر إلى فرض التأجيل على أنه إنجاز ليس فقط لأنه أنقذه من مصير خسارة مدوية، بل أيضا لأنه سيبقي على الانتخابات ورقة يساوم بها في كل مرة.
وأثار القرار غضب الفصائل الفلسطينية واستياء الاتحاد الأوروبي الذي سارع إلى إصدار بيان أعرب من خلاله عن خيبة أمل شديدة لتأجيل الانتخابات، مطالبا بضرورة تحديد موعد جديد دون تأخير.
وقال البيان إن قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية البرلمانية والرئاسية الأولى منذ عام 2006 والتي كانت مقررة في مايو ويوليو مخيب للآمال بشدة. وأضاف “نشجع بقوة جميع الأطراف الفلسطينية على استئناف الجهود للبناء على المحادثات الناجحة بين الفصائل خلال الأشهر الأخيرة. يجب تحديد موعد جديد للانتخابات دون تأخير”.
والاتحاد الأوروبي من أشد المتحمسين لإجراء الانتخابات بغاية تجديد الشرعيات الفلسطينية تمهيدا لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد عمل الاتحاد جاهدا على تذليل الصعوبات أمامها لكن حسابات عباس والحلقة الضيقة المحيطة به حالت دون ذلك.
وترى أوساط سياسية أن الموقف الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي يشي بغضب قد يؤثر على طبيعة العلاقة بين الاتحاد والسلطة الفلسطينية، ولا تستبعد هذه الأوساط أن يرفع الأوروبيون يدهم عن دعم الأخيرة، الأمر الذي سينعكس سلبا على القضية الفلسطينية ككل.
وتظاهر المئات من الفلسطينيين في غزة الجمعة للتنديد بإعلان الرئيس محمود عباس تأجيل الانتخابات، وجرت التظاهرات بدعوة من حماس في مناطق متفرقة من القطاع.
واتهم القيادي في حماس مشير المصري خلال تظاهرة في شمال غزة، الرئيس عباس بالانقلاب على الانتخابات قبل إجرائها، متهما إياه باتخاذ القدس ذريعة للتهرب. واعتبر المصري أن “قرار تأجيل الانتخابات هو إجرامي لأن أصحابه اتخذوه هروبا من مصير الهزيمة”.
يأتي ذلك فيما أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية عن إيقاف العملية الانتخابية ابتداء من صباح الجمعة تنفيذاً لقرار القيادة.
وحذرت الأمم المتحدة الجمعة من “تفاقم الوضع” في الأراضي الفلسطينية عقب قرار التأجيل وقال منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند “نتفهم تماما خيبة أمل الفلسطينيين”، معتبرا أن تحديد موعد جديد وفي الوقت المناسب للانتخابات سيكون خطوة مهمة لطمأنة الشعب الفلسطيني بأن أصواتهم ستُسمع.
وقال المحلل بقطاع غزة طلال عوكل إن التأجيل سبب خيبة أمل كبيرة لدى الفلسطينيين الذين كان يأمل معظمهم بأن يكون الوقت حان لإحداث التغيير. ويتولى عباس السلطة منذ 2005 ويحكم بمرسوم منذ أكثر من عقد.
وتوقع المحلل السياسي عبدالمجيد سويلم أن يزيد القرار من حدة الانقسام الفلسطيني، وقال “الشعب الفلسطيني ذاهب في القريب نحو مزيد من الانقسام بعد قرار تأجيل الانتخابات، إلا إذا توفرت إرادة سياسية مختلفة”.
واعتبر الكاتب شرحبيل الغريب أن “القرار سيزيد المشهد الفلسطيني الداخلي تعقيداً، وسيدخل الشعب الفلسطيني في شرخ سياسي جديد وربما سيدخل الشعب الفلسطيني في نفق مظلم بعد أن كان يُعتقد أن هذه الانتخابات ستشكل له بارقة أمل كبيرة، من أجل إصلاح النظام السياسي ومعالجة إفرازات الانقسام”.
الأمم المتحدة تعرب عن تفهمها لخيبة أمل الفلسطينيين، وتحذر من تفاقم الوضع داخل الأراضي الفلسطينية
وأبدى الرئيس عباس نهاية العام الماضي تحمسا لإجراء الانتخابات في مسعى للتسويق لنفسه لدى الإدارة الأميركية برئاسة جو بايدن بأنه شخص ديمقراطي يؤمن بالتغيير السلمي ويسعى للسلام مع إسرائيل، وقد أعلن في يناير الماضي عن إجراء الانتخابات التشريعية في مايو المقبل على أن تعقبها الانتخابات الرئاسية ثم المجلس الوطني.
هذا التحمس سرعان ما بدأ يذوي مع إظهار إدارة بايدن أن حل القضية الفلسطينية ليس ضمن أولوياتها، رغم تشديدها على التمسك بخيار حل الدولتين.
وازداد الموقف تعقيدا بالنسبة إلى عباس مع تفجر خلافات في داخل فتح، وبروز نوازع لقيادات في الحركة ترغب بتغيير جوهري، فكان قرار القيادي ناصر القدوة تشكيل قائمة مستقلة عن فتح ما نتج عنه فصله من الحركة، وشكل قرار القيادي الأسير مروان البرغوثي بالتحاق تياره بقائمة القدوة، على أن يدعمه الأخير في الرئاسية النقطة التي حسمت قرار عباس بضرورة التأجيل الذي يشكل بالنسبة إليه أهون الشرين.