"بين القصور" دراما تعزز الارتباط بالحي الشعبي المغربي الأصيل

من المقرر أن يحجز المسلسل المغربي “بين القصور” موقعا له ضمن ماراثون دراما رمضان المقبل، مقدما حكايات من الأحياء الشعبية المغربية التي تعزز ارتباط المشاهد بجذوره وتفكك أهم المشكلات التي تغير التركيبة الاجتماعية والسلوكية لسكان تلك المناطق. وفي مواكبة لكواليس تصوير المسلسل كان لصحيفة “العرب” حوار مع مخرج العمل هشام الجباري والممثلة هدى ريحاني التي تشارك ضمن طاقم الممثلين.
الرباط – تشكل المسلسلات المغربية الرمضانية جزءا هاما من التجارب الفنية التي تعكس هوية المغرب وثقافته الأصيلة. إذ تعد السهرات الرمضانية فترة استثنائية لعرض عدة أعمال درامية تستهدف جمهورا واسعا، ويتميز بعضها بأهمية كبيرة في إبراز الجوانب الفريدة والغنية من الثقافة المغربية، وذلك من خلال التركيز على القيم والعادات والتقاليد التي تميز المجتمع المغربي.
وتسعى بعض المسلسلات المغربية في رمضان إلى استعراض الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء إلى التراث والتقاليد الأصيلة، من خلال تصوير الحياة اليومية بشكل يقربنا من الواقع، ما يعكس تنوع الثقافة والتاريخ العريق للمملكة بمواضيع متنوعة تتناول القضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تشكل جزءا من حياة الناس.
ويعزز الربط بين المسلسلات الرمضانية والأحياء الشعبية العريقة فهما أعمق للبيئة الاجتماعية ويسلط الضوء على العادات والتقاليد النبيلة التي يحتفظ بها سكان هذه الأحياء، وتبرز قيمهم الأخلاقية والاجتماعية، ما يعكس تفاعل المشاهدين مع واقعهم ويسهم في تقوية الروابط الثقافية بين الفنانين والجمهور.
وفي هذا السياق كان لصحيفة “العرب” حوار مع المخرج المغربي هشام الجباري خلال كواليس تصوير مسلسله الجديد الذي سيعرض في رمضان القادم تحت عنوان “بين القصور” حول أصالة الأحياء الشعبية العريقة والارتباط المكاني لأبناء الحي به.
يتناول المسلسل قصة حي عريق في مدينة الدار البيضاء يسمى “بين القصور”، حيث خرجت منه شخصيات وازنة جدا في مجالات متعددة، على غرار الحي المحمدي الذي كان شاهدا على ميلاد نخبة من مشاهير المغرب قبل أن يتحول بعد توالي السنين إلى مرتع للمنحرفين والخارجين عن القانون.
هذا العمل الدرامي كتبت السيناريو الخاص به السيناريست بشرى مالك، وتشارك فيه نخبة من النجوم المغربيين، منهم محمد خييي والسعدية لديب وعزيز حطاب وهدى الريحاني وسعد موفق وفرح الفاسي، وآخرون.
تحدث المخرج هشام الجباري حول كيفية بناء رؤيته الإبداعية الخاصة في مسلسل “بين القصور” قائلا “كما هو الحال دائما عندما أعمل حول فكرة ما، اجتمعت مع كاتبة السيناريو بشرى مالك والمنتجة فاطمة بنكيران عن شركة سبيكطوب، ثم تم توجيه العمل في المرحلة الأولى نحو تحديد المفهوم، تلتها صياغة القصة، وبعد ذلك انتقلنا إلى الرؤية الفنية للعمل، وكان تركيزنا منصبا على كيفية تشكيل الأحداث وتصوير الشخصيات، ولكن النقطة الأساسية هي كيفية سرد وحكاية القصة، فدائما يتعين طرح السؤال حول كيفية تحويل الحدث المكتوب على الورق إلى شخصيات مصورة”.
ويوضح المخرج “أحاول دائما مشاركة رؤيتي مع فريق العمل للتوصل إلى الرؤية النهائية التي تميز أسلوبي الفني في الإخراج، فكل عمل فني له طابعه الخاص، مثلا دور محمد خييي في مسلسل ‘سلمات أبوالبنات’ لا يشبه شخصية الغندور في ‘بين القصور’، إذ يعتبر كل عمل من أعمالي مميزا وفريدا ويتمتع بإخراج خاص به، كما يظهر ذلك في تميز أداء الممثلة السعدية لديب والممثل عزيز حطاب”.
ويقول الجباري عن الرسالة التي يأمل في إيصالها إلى الجمهور عبر هذا العمل الرمضاني “القصة مصممة لتكون ممتعة وتحمل حكاية تثير اهتمام الجمهور من خلال تقديم شخصيات مؤثرة وتشويق مثير، فعلى الرغم من أن كل عمل له رسالته الخاصة، إلا أنني لا أقوم بطرحه بشكل مباشر، ولكن تتجلى رسالتي هنا في التفاصيل وردود فعل الشخصيات، والحفاظ على الحي الشعبي الأصيل وأهمية تضافر جهود أفراد المجتمع لحمايته كمحور أساسي في القصة”.
ويضيف المخرج لـ”العرب” أنه تم تسليط الضوء على أن الحي بناه سكانه وأن الحماية الفعالة تأتي من خلال تضافر جهود أفراده، وهذا يعكس إيمان الجباري بأن حماية الأسرة وحدها ليست كافية، ولكن يجب حماية الحي برمته لمنعه من الانزلاق نحو الفساد.
ويعد جمهوره بأن “العمل سيكون مليئا بالمفاجآت، ليس فقط على مستوى السيناريو، ولكن أيضا من ناحية أداء الممثلين فالكاستينغ (اختيار الممثلين) قوي جدا والشخصيات، مثل شخصية الغندور التي يؤديها محمد خيي وشخصية الكبيرة التي تؤديها السعدية لديب، تشكل مفاجأة حقيقية. هؤلاء في حد ذاتهم يمثلون نقاط تحول مميزة تعزز الأحداث، وثمة شيء آخر جديد وجميل وهو عالم الأزقة وعصابات الحي، الذي أعالجه لأول مرة في أعمالي، إذ يقدم صراعات داخل فضاء قريب منا جميعا نعيش ونتربى ونكبر فيه”.
وينوه هشام الجباري بفريق العمل الفني والتقني موضحا “كل عمل يفرض عليك اختيارات معينة، فمن البداية كانت الفكرة والاتفاق مع شركة الإنتاج سبيكطوب، ثم بعدها جاء سيناريو ‘بين القصور’ لبشرى مالك، ورأينا أننا سنعيد اختيار نفس الممثلين مثل محمد خيي والسعدية لديب، اللذين حققا نجاحا كبيرا في ‘سلمات أبوالبنات’ لمدة خمسة مواسم متتالية. وقررنا أيضا العمل مع الممثلة هدى الريحاني التي تعتبر قيمة فنية كبيرة على جميع المستويات، وعزيز حطاب أيضا الذي يعتبر ممثلا قديرا للغاية، لذلك قررنا إنشاء عمل يهم الشباب الذين نراهم يعيشون في الأحياء والأزقة من خلال مجموعة من الطاقات الشابة التي سيتعرف عليها الجمهور قريبا”.
ويكشف المخرج المغربي أساليب فنية محددة قام باستخدامها في هذا المسلسل، مشيرا إلى أن ” العمل يحمل بصمة المخرج أولا وأخيرا، إذ تبدأ رؤيته من مرحلة الكتابة، أي من التعاون مع السيناريست، حيث يكون التأثير واضحا في اختيار الكاستينغ وطريقة أداء الممثلين والمونتاج، وغير ذلك. ويتميز هذا العمل بالكثير من التشويق والأكشن والدراما، التي تمت معالجتها بطريقة مختلفة، ورغم ذلك حافظت على المزج الجميل بين الدراما والكوميديا، لأنني أشعر بالراحة في هذا الجمع، وسيكتشف الجمهور تشويقا رائعا في نهاية كل حلقة، بالإضافة إلى لمسات كوميدية، وسيتعرف أيضا على ماضي الشخصيات من خلال خط زمني مثير”.
وعبر الجباري في حديثه مع “العرب” عن أمله في “أن يخلق هذا المسلسل جمهورا خاصا به، يحب أحداث وشخصيات ‘بين القصور’ بنفس الشغف الذي أحب به ‘سلمات أبوالبنات’، فإذا انتهى المسلسل ووجدت الناس في الشارع ينطقون بأسماء الشخصيات مثل الغندور والكبيرة وسكينة وكطورز وحمادة، فإن ذلك يعتبر نجاحا بالنسبة إلي. وعلاوة على ذلك نأمل أن تصل رسالة المسلسل التي تبرز أهمية الحي المغربي كجزء أساسي من الأسرة المغربية، وضرورة الاستفادة من أخطاء الماضي وعدم تكرارها، فنحن نطمح إلى خلق مغرب جديد حيث يمنح الشباب الحرية للإبداع ويعطي الثقة للقيادة نحو مستقبل مشرق. فالمهم بالنسبة إلي هو الانتباه إلى التفاصيل الدقيقة في المسلسل، لأنها تمثلنا وتشكل جزءا من طفولتنا وذكرياتنا وتعزز الارتباط بالمكان الذي هو الحي الشعبي الأصيل”.
وتشارك الممثلة المغربية هدى ريحاني في المسلسل، وهدى ريحاني هي ممثلة مغربية، رأت النور في مدينة الدار البيضاء، حيث تلقت تعليمها في المعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي. انطلقت في مسيرتها الفنية بعد تخرجها، حيث كانت بدايتها في السينما من خلال مشاركتها في فيلم “فيها الملح والسكر”، الذي أخرجه حكيم نوري، وكان ذلك في العام التالي لتخرجها.
إلى جانب مسيرتها الفنية تولت الريحاني مهام إدارية، فقد شغلت منصب مديرة المركز الثقافي لمدينة زمامرة. وعندما قررت السفر إلى مونتريال اجتازت دورات تدريبية في جامعة مونتريال حيث حصلت على شهادة في إدارة الأعمال.
ظلت مشاركاتها مستمرة في ميداني المسرح والتمثيل، حيث شاركت في أكثر من خمسين عملا، يتنوع بين المسرح والأفلام والمسلسلات والسيتكومات، وبفضل اندماجها الفني والإداري أصبحت أحد الوجوه البارزة في عالم الفن في المغرب، وقد استمرت في بناء مسيرتها الفنية بتألق.
وتوضح ريحاني لـ”العرب” ملامح الشخصية التي تجسدها قائلة “دور سكينة في مسلسل ‘بين القصور’ أعجبني كثيرا لأنه جميل ومختلف عن أدواري السابقة، يتميز بمزيج من القوة والليونة، وأكثر ما جذبني في الشخصية هو هذا الخليط المتناقض، حيث تمر الشخصية بأزمات في ماضيها، ورغم ذلك تظل صامدة كامرأة حرة وشجاعة في مواجهة المشاكل، وهذا هو القاسم المشترك بيني كهدى الريحاني وبين شخصية سكينة”.
وتشير الممثلة إلى الأحداث الرئيسية التي تكشف أثناء عودة “سكينة” إلى مسقط رأسها في الدار البيضاء قائلة “تقرر سكينة العودة إلى مسقط رأسها في الدار البيضاء برفقة أطفالها بعد وفاة زوجها الذي كانت تعيش معه في مدينة طنجة، حيث تتعرض لمجموعة من الأحداث المهمة خلال هذه العودة إلى حي بين القصور”.
وتؤثر الروابط الاجتماعية والعلاقات المشتركة بين الجيران على تطور أحداث المسلسل، إذ توضح هدى ريحاني في هذا السياق “يظهر المسلسل العلاقات الفريدة التي تجمع بين الجيران، حيث يتخطون مجرد كونهم جيرانا ليصبحوا عائلة، ويمتلكون معرفة شاملة بأمور بعضهم البعض وتتداخل حياتهم بعدة طرق، ويتشاركون ذكريات ومشاريع. وهذه الروابط تلعب دورا حاسما في تشكيل تفاصيل وتطورات الحبكة، ويظهر بوضوح تأثيرها عندما يتبادلون الأحداث ويتشاركون في تجارب الحياة، بما في ذلك الارتباطات العاطفية”.
وتعكس هذه العملية الفنية قيمة الجوار التي تتلاشى تدريجيا، خاصة في المدن الكبيرة كالدار البيضاء. كما يبرز العمل أهمية الروابط الإنسانية في تشكيل مجتمع يتسم بالتضامن والتكاتف، ويظهر كيف أن مشكلة فرد ما تصبح قضية للمجتمع بأسره، حيث تنعكس مشاكل الأفراد على مستوى الحي بأكمله، مثل حدث مأساوي في عائلة ما يتحول إلى حدث يؤثر على مجتمع الحي بأكمله، حيث يصبح جنازة أو فرحا يشمل الجميع، وفق ما توضحه الممثلة المغربية.
وتعبر ريحاني عن أهمية الهوية والانتماء في سياق السرد الدرامي بالنسبة إلى شخصيتها قائلة “يقربني المسلسل إلى تجارب طفولتي، ويعيد لي ذكريات جميلة، وأهمية الانتماء ووفاء الإنسان لمسقط رأسه الذي يحمل ذكرياتنا وهويتنا، فلا يمكن للإنسان أن يتخلى عن ذكرياته وماضيه وهويته، حتى وإن كان يشغل مناصب عالية”.
ويساهم الجو المتجانس في موقع التصوير والتفاهم بين الطاقم الفني والمخرج في تعزيز جودة الأداء والإنتاج، حيث تعبر هدى ريحاني عن هذا بقولها “أنا أكون سعيدة جدا أثناء تجسيد دوري وأشعر بالمتعة خلال تصوير اللقطات، كما أن لقاء أصدقائي والعمل في جو متجانس بقيادة المخرج هشام الجباري يلعبان دورا هاما في تعزيز جودة الأداء والإنتاج، فالمخرج يفرض طريقة فريدة في العمل ويبدي اهتماما خاصا بأدق التفاصيل، كما يسعى بجدية إلى توفير فضاء احترافي وأسري، وهو ما يخلق بيئة خالية من التوتر، وهذا الجو المتجانس يعزز التفاهم بين الطاقم الفني ويسهم في تحقيق تناغم فعال ينعكس إيجابا على نتائج العمل النهائي”.