بينالي شرم الشيخ يرسم على إيقاع الحياة المصرية

تواصلت فعاليات بينالي شرم الشيخ الدولي في دورته الثالثة مؤكدة على فكرته الرئيسة التي تستهدف خلق حوار فني وثقافي تفاعلي ومباشر بين فناني أوروبا ومصر، وبين كليهما ومواطني وسياح مدينة شرم الشيخ من المصريين والعرب والأجانب.
شرم الشيخ (مصر) – خرج بينالي شرم الشيخ الدولي في دورته الثالثة بفنانيه الخمسين بين مصريين وأجانب إلى الأماكن الأكثر إقبالا من جانب السياح ليتوسط في أمسية فنية متميزة قلب السوق القديمة للمدينة، وأخرى في خليج نعمة، تسبقهم الحوامل والمسطحات البيضاء واللوحات التي لم تكتمل، فيما يحمل كل منهم ألوانه وأدواته لينطلقوا في العمل بعد أن كسروا حاجز الخوف من ملامسة المسطح الأبيض وبدؤوا يدخلون بعمق في تجليات المخيلة وما يحيط بهم من احتفاء خاص من أصحاب المحال التجارية والسياح العرب والأجانب.
ويعبر كل فنان عن أسلوبه ورؤيته وتشكيله لعالمه الفني انطلاقا من تجارب راسخة، فأغلبهم معروفون ومشهورون على أجندة الفن التشكيلي في بلادهم ولهم حضور خاص على المستوى الدولي أيضا، الأمر الذي خلق حالة من التنوع والمنافسة الشفيفة بينهم، حتى أنهم في لحظات كثيرة يستشيرون بعضهم البعض ليمرروا بعض الملاحظات في شغلهم تتعلق بكيفية التوافق والانسجام بين عناصر اللوحة، وبدت هذه المسألة كشفرة حوارية تتخلق بشكل تلقائي في داخل اللوحة في إطار جماعي.
وقد انعكست جولات الفنانين في المدينة على بعضهم، حيث شكلت عمارة المسجد القائم في ميدان السوق القديمة استلهاما لعدد من اللوحات من بينها لوحتان لفنانين إيطاليين، أحدهما أنطونيو أتيري الذي أصر على أن يوثق لوحته باللغة العربية “مسجد جنوب سيناء”، وأيضا كتب اسمه باللغتين الإيطالية والعربية، والآخر لروبيرتو نتسي وهو لا يزال يعمل عليها، كما كان للمحال التجارية وما تعرضه من تماثيل فرعونية أثرها أيضا، لكن الغلبة كانت لتجليات الطبيعة والبيئة في المدينة: البحر والصحراء والنخيل والسماء الصافية.
معظم الفنانين يتمّون اللمسات الأخيرة على لوحاتهم على ضوء اصطناعي خاص بالمكان سواء في السوق القديمة أو خليج نعمة في أجواء لا تخلو من رنين الحياة في الشارع المصري
بدأ الفنان الزياني جيوزيبي عملا جديدا حمل الكثير من بهجة الطبيعة، حيث الهواء فراشات وزهور، بينما تتوسط اللوحة مزهرية مشكلة محور إيقاع لكل عناصر اللوحة من أسفل إلى أعلى، وفي تعليقه على هذا قال “ليست المسألة أن تملأ الإناء، لكن أن تدرك طبيعة العلاقة بينها وبين ما تحتويه، فكل هذه الورود والفراشات تنطلق منها، بينما واقعيا لا تعلق بها فكل يتناثر على الحافة”.
وواصل الفنان محمد الطحان لوحته التي تحتضن حمامتي سلام وغصن بين ذراعي امرأة، وكذلك الفنان أسويرو فاللي الذي يسعى للوحة تتلاقح فيها الطبيعة الإيطالية بالطبيعة المصرية.
أما فيتوريا أرينا التي اتخذت مكانا قصيا قرب البحر، فقد شكلت عالم البحر الأثير بشطه الممتد، عامدة إلى حالة الصمت كلغة فنية، حيث استعانت بنوعية من الرمل من شاطئ البحر لتثري بها الخامة وتحقق نوعا من الذبذبة البصرية التي تترك أثرها على عيني المتلقي.
واستحضر الفنان كارلو سكومبارين الأهرامات التي تحمل حالة من الاستمرارية والتدفق الوجودي لحضارة عصية على الفناء، حيث وضع الأهرامات في منتصف اللوحة وفي الخلية الأصفر الداكن المشرب بمسحة نيلية وكأن الأهرامات مراكب في رحلة لا تنتهي، وعمدت الفنانة سانتينا ريكوبيرو إلى تضاريس وجغرافيا المكان من جبل وبحر لتخلق حالة تأملية وروحية شفافة.
وتعليقا على هذا المشهد أكد الشاعر والناقد المصري جمال القصاص رئيس لجنة تحكيم البينالي أن هذه المشاهد التفصيلية مثيرة للتأمل والدهشة الفنية، فمعظم الفنانين يتمّون اللمسات الأخيرة على لوحاتهم أو البدء فيها على ضوء اصطناعي خاص بالمكان سواء في السوق القديمة أو خليج نعمة في أجواء لا تخلو من رنين الحياة في الشارع المصري وزخم انفعالاته.
وهذا يعني ضمنيا أن هناك وعيا داخل معظم هؤلاء الفنانين حتى ولو بشكل غير ملموس لاختيار أو لوضع لوحاتهم في حالة اختبار ما بين هذا النور الاصطناعي للمكان بكل جمالياته وبين النور الخاص المنبثق من داخل اللوحات.