بينالي البندقية للعمارة: كيف سنعيش معا؟

الناس في حاجة للعيش داخل مساحات مشتركة أكثر رحابة.
الاثنين 2021/05/24
من أجل عمارة للعيش في سلام

فن العمارة لا يتشكل بعيدا عن الحالة النفسية والاجتماعية للشعوب، واليوم يجمع الوباء العالم للعيش في فضاءات رحبة بعيدا عن الانقسامات السياسية والتفاوتات الاقتصادية المتزايدة. فالبشرية تحتاج اليوم إلى التواصل في ما بينها ومع الكائنات الأخرى، والعمارة قادرة على الجمع بين البناء بمعناه الضيق وترجمة العناصر المجتمعية والإنسانية والتاريخية والبيئية.

البندقية (إيطاليا) - يتناول بينالي البندقية للعمارة في دورته السابعة عشرة التي انطلقت السبت مسألة التصميم في حقبة ما بعد جائحة كورونا في عالم مشرذم بحاجة إلى مساحات مشتركة، وهي مهمة أوكلها المفوض هاشم سركيس إلى مبتكرين شباب.

ويعتقد المعماري اللبناني سركيس أن العالم يشهد بزوغ مجتمعات ناشئة تصبو إلى الإنصاف والاندماج، وتطمح إلى العيش في هويات معمارية جديدة، لذلك يرى أن هناك حاجة إلى المزيد من المشاريع المعمارية ذات الصبغة الاجتماعية الأكثر شمولا والتي تقوي اللحمة الحضرية والإقليمية والعالمية.

وقال المهندس المعماري العربي “نحتاج إلى عقد مكاني جديد، وذلك في سياق اتساع الانقسامات السياسية والتفاوتات الاقتصادية المتزايدة، ندعو المهندسين المعماريين إلى تفعيل المساحات التي يمكننا العيش فيها معا بسخاء”.

واختار سركيس لمعرض بينالي البندقية الذي يعد أشهر المعارض الدولية للعمارة عنوان “كيف سنعيش معا؟”.

ودعا المعماريين إلى تخيل مساحات يمكن أن تعيش فيها البشرية سوية وبسلام ويتواصلون فيها مع بعضهم البعض ومع الكائنات الأخرى، مؤكدا أن نجاح المعمار يرتبط بقدرته على الجمع بين البناء بمعناه الضيق وقدرته على فهم وترجمة العناصر المجتمعية والإنسانية والتاريخية والبيئية.

هاشم سركيس: العالم يشهد بزوغ مجتمعات ناشئة تصبو إلى الإنصاف والاندماج، وتطمح إلى العيش في هويات معمارية جديدة

ويقول المهندس المعماري اللبناني “المسألة الأصعب تكمن في كيفية تسوية المشكلات التي قادتنا إلى الجائحة، كيف يمكننا إيجاد حل للتغير المناخي والفقر والخلافات السياسية الهائلة بين اليمين واليسار؟”.

وسركيس هو من بين الشخصيات العربية ذات الشهرة العالمية، بإسهاماته اللافتة في مجال التصميم المعماري، وهو على قناعة بأن مدينة المستقبل ستكون وليدة التوافق، وأنه سيتحتم تقاسم مساحات جماعية للحد من الاستهلاك، وابتكار أشكال جديدة من التضامن.

ويوضح سركيس الذي يرأس كلية الهندسة المعمارية والتخطيط في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا “إم.آي.تي” المرموق أنه “تم تصميم كل صالة في المعرض على أنها حوار بين أساليب مختلفة في تحديد مفهوم الفن المعماري. يدخل الزائر إلى القاعات، يرى الحوار ويبدأ في صوغ موقف. وهذا الحوار هو الذي سيمكننا من العودة إلى التحادث”.

وجمع سركيس من حوله في البندقية 112 مهندسا معماريا ومكتب هندسة، 96 في المئة منهم يشاركون للمرة الأولى في البينالي، وتتراوح أعمار نصفهم بين 35 و55 عاما.

وهذا الخيار يشرّع الأبواب لجيل جديد متعدد اللغات آت من جميع أنحاء العالم، يعيد النظر في النماذج القائمة والمتعارف عليها ويتقن أحدث الوسائل التكنولوجية. فهل يعني ذلك طي صفحة النجوم في هذا المعرض؟

ويؤكد سركيس “حين طرحت السؤال، نظرت من حولي بحثا عن الحلول الأكثر ابتكارا وإبداعا. وعلى ضوء هذا المعيار اخترت المشاركين. المسألة لا تتعلق بالنجوم”.

وعلى غرار أحد أسلافه التشيلي أليخاندرو أرافينا، يعتبر سركيس أن المراوحة الواسعة من المشكلات ما بين التمييز العرقي والتفاوت الاجتماعي والفقر وغمر المناطق الساحلية المنخفضة تستدعي وسائل مبتكرة وأساليب غير مسبوقة.

ويتابع مفوض البينالي أن هذه المقاربات ينبغي أن تولّد “مساحات للتجمع، حيث يرى الناس العابرون حياة الآخرين اليومية… هذه بداية الحوار. وهنا يمكن للفن المعماري أن يساعد في تغيير المجتمع، حتى ولو أنه عاجز عن تحقيق أي شيء وحده”.

ويرى أن الحوار لا بدّ منه لتخطي الوحشية والعنف المتفشيين في العالم، يقول “الفن المعماري لطالما كان هدفا للنزاعات. ندمر العمارة، لكن إعادة الإعمار هي في نهاية المطاف المؤشر الأول لتسوية النزاعات”.

ويضيف “إذا حاولنا ابتكار وسائل واستحداث مساحات للالتقاء، حيث يرى الناس بعضهم البعض وهم يعبرون ويلتقون أشخاصا لا يرونهم عادة، مساحات تظهر فيها الفوارق الاقتصادية والفوارق الإثنية، فهذه تكون بداية الحوار وهنا يمكن للفن المعماري أن يساعد”.

فن العمارة يجمع كل الناس تحت مظلة حب الحياة
فن العمارة يجمع كل الناس تحت مظلة حب الحياة

ويستمر المعرض حتى 21 نوفمبر. وبعدما ألغي العام الماضي، يخضع هذه السنة لقواعد تباعد اجتماعي صارمة، حتى لو أن مقاهي ومطاعم إيطاليا أعادت فتح شرفاتها مؤخرا وبدأ البلد يستعيد سياحه تدريجيا.

ويضم المعرض 63 جناحا دوليا، و112 مشاركا مختارا، قادمون من 46 دولة، وتشارك لأول مرة غرينادا وأوزبكستان وجمهورية أذربيجان.

أما الدول العربية التي تشارك بمنصات مستقلة، فهي المملكة العربية السعودية، ومصر  والإمارات، ولبنان في مشاركتها الثانية.

ويشارك العراق لأول مرة بمشروع الفنان رشاد سليم وعنوانه “إعادة تخيل سفينة الطوفان برؤية جديدة: الجناح الاستكشافي”.

ويبرز أصول التراث المعماري العراقي، ليحتفي بأساليب العمارة الشعبية وتصميم القوارب والمراكب التي تجوب نهري دجلة والفرات، وكذلك بأسس الإبداع ومبادئه التي انبثقت منها أساليب العمارة المبكرة. علما أنّ هذا العام يصادف الذكرى المئوية لتأسيس دولة العراق الحديثة.

ويتماشى المشروع الذي جرى تنفيذه بتكليف من وزارة الثقافة والسياحة  العراقية، مع شعار بينالي العمارة لهذا العام “كيف نعيش معا؟”، وذلك بتطبيق مبدأ التجمع، ومحور المشروع هو نمط هندسي موجود في كل مكان، ويذكرنا هذا النمط، كما يقول رشاد سليم، بتلك الرقية المعروفة في العراق باسم الـ”سبع عيون”، والتي لا تزال تستخدم  للأطفال .

وتعتبر أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا هي المناطق الأكثر تمثيلا في هذا المعرض، وينسقه أول معماري عربي لأكبر فعالية معمارية في العالم، في مسعاه لخلقتكافؤ في الحضور بين الجنسين، لمرحلة ما  بعد الوباء.

20