بيت العجائب

القافلة كانت بمثابة مدينة متجولة فيها المطاعم والطبابة وكل شيء مسخر لخدمة الرحالة ليغير بعدها عصر القوافل العمانية تاريخ شرق أفريقيا.
الاثنين 2025/01/20
صداقة ليفنجستون والمرجبي وثقت سيرة الرجلين

عندما وجد الأفارقة الأشداء رجال زعيم القوافل العماني حمد المرجبي أو “تيبو تيب” في أدغال الغابات الكثيفة المبشر والمستكشف الإنجليزي ديفيد ليفنجستون على مشارف الموت بسبب المرض، نقلوه إلى المرجبي، الذي عالجه حتى أضحى نديمه في الحوار، ليكتشف أن هذا المبشر مسكون بالبحث عن منابع نهر النيل وليكشف له أنه قادم من إنجلترا إلى شرق أفريقيا ليدون سيرة المكان. فلفت انتباه المرجبي الذي كتب سيرته لاحقا كأسطورة عمانية وأكثر الشخصيات إثارة للجدل عندما قاد عام 1858 أكبر القوافل التجارية من زنجبار إلى شرق أفريقيا.

من سيرة المرجبي يبدأ هذا الفيلم “بيت العجائب” وهو إنتاج عماني – ألماني مشترك وعرض الأسبوع الماضي في لندن على صالة “برينسيس آنا” مقر جوائز البافتا الشهيرة.

يروي الفيلم ببراعة سينمائية ووثائقية العنصر المفقود في نقاش يراد له أن يغيّب عن عمد التاريخ العماني في شرق أفريقيا، إلا أن المخرج والمشارك في كتابة السيناريو فردريش كلودش، أعاد المسار لهذا التاريخ بلغة سينمائية ووثائقية، أو كما قال لنا بعد العرض “كان هذا المشروع بمثابة تجسيد لفكرة إضافة بعد ثالث إلى السرد الدرامي، حيث يتم استكمال الخط الزمني بدراما سردية مكانية. وهنا تظهر إمكانيات جديدة تماما للسرد السينمائي.”

استخدم كلودش تعبيرية ثلاثية الأبعاد وهو يجسد المكان الحقيقي لبيت العجائب، القصر الذي انطلقت منه القوافل العمانية من زنجبار، وأدخلتنا الكاميرا بطريقة منعشة إلى هذا البيت وكأن المشاهد في وسطه! حتى المعلقون كانوا يدخلون غرف البيت السينمائي المغطاة جدرانه بصور السلاطين العمانيين، وكأنهم أجزاء حقيقية لتمضي الكاميرا من دون قطع وعبر نوافذه إلى البحر وكأننا مشاركون برحلة المرجبي المحفوفة بالمخاطر بحثا عن العاج مقتنى الملوك آنذاك.

يُعرفنا البيت بنفسه بلغة أدبية بالقول “أنا بيت في زنجبار. كنت قصرا في الماضي. أما غرفي فقد أصبحت الآن خاوية. لا تذكرني روعة الأيام الخوالي إلا بحجمها حين كنت معروفا ببيت العجائب.”

يتحدث عن بناته العمانيين وعالمهم وإنجازاتهم في القرن الثامن عشر، ​​عن الضيوف الذين ملؤوا غرفه بالحياة وماذا بقي منهم.

رحلة عمانية محفوفة بالمخاطر
رحلة عمانية محفوفة بالمخاطر

تُروى القصة من خلال النظر عبر نوافذ القصر، وداخل المعروضات وحتى تحت الأرض، والتبادلات التجارية بين عُمان وشرق أفريقيا عبر سيرة حمد المرجبي (1837 – 1905) الذي أوجد له الأفارقة اسم “تيبو تيب” حتى إنه لفرط التفسيرات الكثيرة لهذا الاسم لم يعد يعرف المعنى الحقيقي له، كما أجاب عن سؤال المبشر ليفنجستون.

قام المرجبي بحملات استكشاف في وسط أفريقيا، وأنشأ المراكز التجارية التي تُمكّنه من الوصول إلى تلك المناطق، وكان يشتري العاج من المورّدين المحليين، بينما قوافل “تيبو تيب” تنقل السلع الفاخرة والأنباء أيضا، حتى وصل الحال بشعوب هذه الأرض الأفريقية إلى القول “إذا ارتفع صوت المزمار في زنجبار انطلق الرقص في تابورا.”

شكلت شخصية المرجبي لغزا أو أسطورة عندما قاد تجارة إلى قلب أفريقيا بحثا العاج الذي كان في يوم ما من مقتنيات الملوك! وهكذا عليك قتل الفيل لتأخذ أنيابه، فالعاج لا يمكن اصطياده.

وفيلم “بيت العجائب” يبسط لنا تلك الأسطورة بلغة سينمائية ووثائقية ويعرفنا كيف قاد هذا الرجل البالغ من العمر 44 عاما أعظم القوافل الكلاسيكية على الدوام في تاريخ أفريقيا وبلغ عدد الحمالين فيها عشرة آلاف شخص.

لم تكن مجرد قوافل لتجارة العاج، بل كانت بمثابة عملية تبادل للثقافات والمحاصيل، حيث نقل التجار العمانيون قيما ونمط حياة لم تكن معروفة لدى سكان هذه المناطق الأفريقية بما فيها الدينية المتعلقة بالإسلام، وهكذا كانت القافلة بمثابة مدينة متجولة فيها المطاعم والطبابة وكل شيء مسخر لخدمة الرحالة ليغير بعدها عصر القوافل العمانية تاريخ شرق أفريقيا.

18