بوتين ينجح في إيهام أردوغان الباحث عن نصر معنوي بأي ثمن

أنقرة - لم يحمل الاتفاق الذي عاد به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيّ إشارات إلى أن الوضع الميداني في إدلب سيعود إلى ما قبل هجوم القوات السورية والروسية، التي حققت تقدما كبيرا على حساب المجموعات المتشددة المدعومة من أنقرة، في وقت يتحدث فيه الرئيس التركي عن الإبقاء على نقاط المراقبة كما هي.
ويرى مراقبون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح في مجاراة نظيره التركي الساعي لإظهار أن مجرد اللقاء وصور المجاملة بين الرئيسين هي نصر معنوي وسياسي له بعد أن سعى لأسابيع للحصول على هذه الفرصة، لإظهار أنه شريك متساوي الدور والتأثير مع موسكو في الملف السوري وفي اتفاق سوتشي.
وبات الرئيس الروسي أكثر خبرة بشخصية أردوغان، الباحث عن الإطراء والظهور الإعلامي، ولذلك أظهر بوتين حفاوة بضيفه أمام وسائل الإعلام، ونجح بالمقابل في تمرير اتفاق يحافظ على مكاسب القوات السورية على الأرض.
وذكرت مصادر دبلوماسية روسية أن الاتفاق سيكون مرحليا إلى حين تهدئة خواطر أردوغان، وأن روسيا ماضية في خطتها لاستعادة كامل إدلب وحلب ومساعدة قوات الأسد في بسط نفوذها على كامل الأراضي السورية، خاصة أن المسؤولين الروس شددوا على ضرورة الاستمرار في مواجهة الجماعات الإرهابية، وهو رسالة واضحة على أن وقف إطلاق النار ظرفي، وأن حديث أردوغان عن ثبات نقاط المراقبة في مكانها ليس أكثر من محاولة لإظهار أنه لم يخرج بيد فارغة من القمة التي سعى لها لمدة أسابيع.
ولا يتضمن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد لقاء دام ست ساعات بين الرجلين في موسكو كذلك أجوبة لمسألة نقاط المراقبة العسكرية التركية الموجودة في مناطق سيطر عليها النظام السوري مؤخراً. لكن روسيا نجحت أيضا في جعل الرئيس التركي يقر بالاستمرار في صفقة صواريخ “إس – 400”.
وذكر مكتب الرئيس التركي الجمعة أن مراكز المراقبة العسكرية التركية في إدلب السورية ستحتفظ بوضعها الحالي ضمن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمته أنقرة مع روسيا، وأضاف أن “الاتفاق وضع الأساس لإعادة الأوضاع في المنطقة إلى طبيعتها”.
وقال أردوغان أن تركيا ستقوم الشهر المقبل بتفعيل أنظمة الدفاع الروسية “إس – 400” التي اشترتها من موسكو رغم احتجاج واشنطن، مضيفا أنه طلب أيضا شراء أنظمة باتريوت الأميركية، وهو التناقض الذي دفع الأميركيين إلى التحجج بعدم تسليمه منظومة باتريوت بالرغم من الدعوة العاجلة التي وجهها بسبب الخسائر التي لحقت بجنوده.
وأكد الرئيس التركي أن “وقف إطلاق النار يحقق العديد من المكاسب في عدة مجالات”، معتبراً أنه “يعزز أمن تركيا الحدودي أمام هجمات الإرهابيين والنظام” و”يشكل أساسا لإعادة الاستقرار إلى إدلب”.
لكنّ خبراء في الشأن التركي قالوا إن رهانات أردوغان غير دقيقة، وأن الاتفاق يخدم النظام السوري أكثر.
وقال المحلل السياسي علي باكير “أعتقد أن هذا الاتفاق تكتيكي لا يحلّ كل الخلافات بين أنقرة وموسكو”، مضيفاً “من غير الواضح ما إذا كانت قوات الأسد ستنسحب بموجب هذا الاتفاق وكيف سيعود النازحون إلى منازلهم ما لم يتم هذا الانسحاب”.
ولا تشير بنود الاتفاق المعلنة إلى أيّ اتفاق يوحي بتغيير خارطة المواقع العسكرية الحالية لأطراف النزاع.
ومن أبرز هذه البنود إنشاء ممر آمن على عمق 6 كم شمالي الطريق الدولي “إم – 4” و6 كم جنوبه، على أن يتم تحديد التفاصيل في غضون سبعة أيام، وإطلاق دوريات تركية وروسية في الخامس عشر من مارس الجاري على امتداد طريق “إم – 4” بين منطقتي ترنبة (غرب سراقب) وعين الحور، مع احتفاظ تركيا بحق الرد على هجمات النظام السوري.
من جهته، يرى الباحث إيمريه كايا من مركز أبحاث “إيدام” في إسطنبول أن الاتفاق “على الأقل في هذه المرحلة، لا يحقق هدف تركيا بإنشاء منطقة آمنة لإيواء نازحي إدلب”.
وأضاف كايا “ويعني ذلك بالنسبة إلى تركيا، التي لم تتمكن من الاعتماد على الدعم الذي كانت تأمله من حلفائها الغربيين، أن التوصل لوقف إطلاق نار يعدّ مخرجاً مقبولاً”.
وتلفت جنى جبور الخبيرة في الشؤون التركية في معهد الدراسات السياسية في باريس إلى أن “وقف إطلاق النار هش ومؤقت، لأن النظام السوري، المدعوم من الروس، عازم على استعادة إدلب والقضاء على الجهاديين هناك”.
وذهب الرئيس التركي بعيدا في تفاؤله بالقول إن بوتين سيتخذ إجراءات في ما يتعلق بمرتزقة فاغنر في ليبيا، مع أن روسيا تنكر أيّ علاقة لها بالملف، وهو ما يوحي بأن أردوغان يوظف الحفاوة الظاهرة في لقائه مع بوتين للتنفيس عن أزماته من جهة، والإيحاء للميليشيات الحليفة في ليبيا وسوريا بأنه دافع عنها في اللقاء.
وقال إنه تلقى أنباء إيجابية بخصوص مرتزقة فاغنر، دون الإفصاح عن تفاصيل، قائلاً “نتمنى تطبيق هذه الأمور على الأرض، وفي حال طبقت سيكون عملنا وعمل (فائز) السراج يسيرا في ليبيا”.