بوادر خطة دولية لشرعنة وجود الميليشيات في غرب ليبيا

طرابلس- قالت البعثة الأممية في ليبيا إن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبدالله باتيلي التقى بأكثر من 20 ممثلا عن الجهات الأمنية والعسكرية في الغرب الليبي، وأوضحت أن ذلك يأتي في إطار الجهود التي تبذلها البعثة لإشراك جميع الأطراف الليبية، بمن في ذلك الجهات السياسية الفاعلة والمؤسسات الرئيسية والأعيان والمكونات الثقافية والنساء والشباب، في مساعي حل الأزمة المستعصية في ليبيا.
وبحسب بيان البعثة، فإن باتيلي حثّ المجتمعين على أداء واجبهم في إحلال السلام والاستقرار في ليبيا وتضميد جراح الماضي وإعادة بناء البلاد، مؤكدا أن “ليبيا ملك لجميع الليبيين، ولا يجوز أن تكون رهينة لأي فئة أو مجموعة من الأفراد”. واستمع باهتمام إلى مشاغل ووجهات نظر قيادات وممثلي الجهات الأمنية والعسكرية المشاركة حول سبل المضي قدما بعملية سياسية أكثر شمولاً من شأنها أن تؤدي إلى حلول مستدامة للأزمة في ليبيا.
ورأى باتيلي أنه بعد 13 عاما من الصراع وعدم الاستقرار في ليبيا، يستحق شعب ليبيا حياة أفضل، مؤكدا “لقد حان الوقت لتبني رؤية تسمح لشباب هذا البلد بتحقيق كامل إمكاناتهم الكامنة”.
واستنادا إلى ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا المستمدة من مجلس الأمن الدولي فإن الممثل الخاص يعمل على تيسير عملية سلام شاملة تفضي إلى حل يقوده ويملك زمامه الليبيون، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع نشوب الصراع من جديد، بما في ذلك الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسات الأمنية والعسكرية.
وأكدت أوساط ليبية أن من اجتمع بهم المبعوث الأممي هم من قادة الميليشيات وأمراء الحرب النافذين في المنطقة الغربية والمقربين من حكومة الوحدة الوطنية، وأنهم طلبوا من باتيلي التراجع عن دعوته القائد العام للجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر إلى حضور الطاولة الخماسية وفق المبادرة التي كان أعلن عنها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي.
وقالت البعثة الأممية إن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة سيواصل إشراك جميع الأطراف الليبية المعنية، بما في ذلك مختلف الجهات الأمنية والعسكرية الفاعلة في جميع أنحاء ليبيا، لضمان دعم التوصل إلى حل سلمي شامل للانسداد السياسي الراهن وإحياء العملية الانتخابية.
◙ المؤشرات باتت تصب في اتجاه الاعتراف بدور الميليشيات، ما يعني إفلات المتورطين في الجرائم من الملاحقة القانونية
واعتبر مراقبون أن اجتماع باتيلي بقادة الميليشيات يأتي في سياق العمل على شرعنتها وتأجيل أي محاولة لتفكيك الجماعات المسلحة وإتمام توحيد مؤسسات الدولة وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، مشيرين إلى أن الفترة الماضية شهدت تراجعا واضحا في نشاط اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 التي كانت بحثت في آخر اجتماعاتها ملفات الميليشيات والمرتزقة والقوات الأجنبية.
ويلاحظ المراقبون أن أغلب المؤشرات باتت تصب في اتجاه الاعتراف رسميا بدور الميليشيات؛ وهو ما يعني إفلات أمراء الحرب والمسلحين المتورطين في جرائم القتل والنهب والإخفاء القسري، وغيرها من الجرائم، من الملاحقة القانونية وتسليط العقاب عليهم، وتأجيل مشروع المصالحة الوطنية إلى أجل غير مسمى.
وأبرز رئيس مؤسسة الإعلام التابعة للحكومة المنبثقة عن مجلس النواب محمد بعيّو أن من اجتمع بهم باتيلي الأحد “حين يجلسون ويتفاوضون لا يعتبرون ممثلين لقوى مستقلة تنخرط في الصراع الذي دمر الدولة ولها مشاريع أو مواقف أو برامج أو أفكار يمكن مناقشتها، بل موظفين عموميين جميعهم مدنيون سيطروا على أجهزة ومؤسسات رسمية ليس بحكم التراتبية والتدرج والكفاءة أو حتى الواسطة من ضمن المنتمين أصلا إلى تلك الجهات المسلحة والأمنية، بل بحكم قوة الأمر الواقع وقانون القوة لا قوة القانون، ومشاركتهم باعتبارهم مواطنين ليبيين من حقهم تقرير مصير بلدهم هو أمر مقبول شرط أن تتاح الفرصة لجميع المنخرطين في الشأن العام بالعمل والفكر والصوت والقلم، وليس بالقوة والعنف والطغيان”.
وأضاف بعيو “ربما يكون من السياسة والحكمة إدماج تلك المجموعات المسلحة في العمل السياسي، لكن ذلك مشروط بأن يكون لها قادة أو على الأقل ممثلون مؤثرون من أهل السياسة والقانون والحكمة والعقل مفوضون بالتفاوض السياسي المشروع، وليس المقايضة المالية والنفوذية أي الصفقات والحسابات وسياسة كم تعطيني من غنائم السطوة وكم أُعطيك منها”.
واجتمع المبعوث بقادة الميليشيات بعد أيام قليلة من إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن موقفه من وضع الميليشيات المنتشرة في المنطقة الغربية، وتأكيده على أنه يدعم بقاءها ويرى فيها عاملا مهما لضمان الأمن والاستقرار في البلاد، حيث أبرز في مقابلة على “بودكاست” أن مسلحي الميليشيات هم “أبناء وفلذات أكباد الليبيين الذين دافعوا عن أعراضهم ومقدساتهم في الشوارع من الغازي ومن الذين يريدون تخريب ليبيا”. وأضاف “شعارنا واضح في حكومة الوحدة الوطنية، أن الشعب الليبي كفاه حكومات انتقالية جديدة ونريد الذهاب إلى الاستقرار بقوانين عادلة لا تستثني أي شخص في ليبيا يكون كل الليبيين فيها سواسية”.
واعتبر الدبيبة أن “السلاح منتشر في ليبيا منذ عام 2011 ولا نلوم أي شخص يحمل سلاحا اليوم، وأن الميليشيات يمكن أن تشكل خطرا على ليبيا ويمكن لا، فقد دخلوا منذ سنتين في المجال العسكري والمجال الأمني”، متابعا “الميليشيات بدأت تتدرب على السلاح والتعامل مع المواطنين في الشرطة والجيش، ونحن صبورون عليهم (منتسبي الميليشيات) لأنهم من أبنائنا ولا يمكن التخلي عنهم، فهم تم بناؤهم في البداية على أساس ميليشياوي لكن اليوم أصبحوا جزءا مهما من أمن ليبيا”.
وأردف الدبيبة “الميليشيات ليست ميليشيات بل البعض يسميها بهذا الاسم، ولا يمكن التفرقة بينهم (منتسبي الميليشيات) وبين من يتخرجون في حفلات التخرج والتدريب للمؤسسات الأمنية والعسكرية، هؤلاء يحمون الحدود الليبية وهم الآن تحت مظلة رسمية”، وأضاف “نحن نقود الميليشيات وهم (منتسبو الميليشيات) يحترمون أوامرنا وتبع الجيش الليبي ورئاسة الأركان ويستمعون للقائد الأعلى ووزير الدفاع”.
ويرجح متابعون للشأن الليبي أن تكون تصريحات باتيلي والدبيبة انعكاسا لوجهة نظر فرضتها مراكز نفوذ دولية، وخاصة من الدول الغربية، بهدف “شرعنة” وجود الجماعات المسلحة والسماح لها بالعمل تحت غطاء الدولة إلى أجل غير مسمى، وذلك بهدف تحقيق توازن ميداني مع قوات الجيش الذي يقوده الجنرال حفتر ويسيطر على 70 في المئة من جغرافيا البلاد الشاسعة ومنها منابع الثروة والحدود الشرقية والجنوبية وأكثر من نصف الحدود الغربية.