بوادر انفراج أزمة المعلمين في الأردن تلوح في الأفق

يشهد الأردن بوادر انفراجة لأزمة المعلمين المضربين عن العمل منذ شهر بعد أن قدم رئيس الوزراء عمر الرزاز اعتذارا رسميا للمعلمين عن كل إساءة طالتهم، كما بدأ وفد حكومي حوارا مع نقابة المعلمين حول مطالبهم وسط حديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بين الطرفين.
عمان – تتجه أزمة المعلمين المضربين عن العمل في الأردن منذ شهر إلى الانفراج بعد استجابة الحكومة السبت لأول مطالب المعلمين المضربين عن العمل منذ شهر للمطالبة بحقوقهم، وذلك بتقديم رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز اعتذارا لهم عن “أي حدث انتقص من كرامتهم”.
وكان الاعتذار عما تعرضوا له من انتهاكات في احتجاجات سبتمبر الماضي من بين مطالب المعلمين المضربين عن العمل إلى جانب الاعتراف بالعلاوة المالية، وهي المطالب التي منح فيها المحتجون الحكومة مهلة بشأنها حتى مساء السبت.
وأكد الرزاز في رسالة نشرها عبر حسابه على فيسبوك السبت بمناسبة اليوم العالمي للمعلمين الموافق لـ5 أكتوبر من كل عام التزام حكومته باستكمال التحقيق في انتهاكات تعرضوا لها الشهر الماضي، والأخذ بنتائجه.
وأثنى على المعلمين ودورهم، مشددا على أنه “لا رفعة للتعليم في الأردن دون المعلم”.
وأضاف، في رسالته، “كما قلنا من قبل ونؤكد، كرامة المعلم من كرامتنا، وهيبته من هيبتنا، ولا نقبل الإساءة للمعلم والتقليل من احترامه بأي شكل من الأشكال”.
وأعرب عن أسف الحكومة “لأي حدث انتقص من كرامة المعلمين، وتلتزم (الحكومة) باستكمال التحقيق والأخذ بنتائجه، وننتظر نتائج تقرير التحقيق من المركز الوطني لحقوق الإنسان، لاتخاذ الإجراءات المناسبة”.
وختم بالقول “نحن حريصون على عودة المعلم إلى محرابه غرفة الصف مرفوع الرأس حاملا رسالته، رسالة النور والتي طال انتظار أبنائكم لها لتحقيق الفريضة الواجبة علينا جميعا تجاه الجيل، ونحن واثقون من التزامكم بها وحرصكم عليها”.
وزار وفد حكومي مقر نقابة المعلمين في العاصمة عمان، السبت، حيث ناقش اللقاء مطالب المعلمين المحتجين خاصة في ما يتعلق بنسبة الزيادة في العلاوة.
وتأكد سعي الحكومة لحل أزمة المعلمين المضربين عن العمل من خلال تصريحات جمانة غنيمات الناطقة الرسمية باسم الحكومة -ووزيرة الدولة لشؤون الإعلام- التي أكدت فيها أن الحكومة تبذل كل جهد ممكن لإنهاء أزمة المعلمين “وضمان عودة الطلبة إلى صفوفهم، والمعلّمين لأداء رسالتهم”.
وأعلنت غنيمات، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الأردنية، أن الجولة الأولى من الحوار بين الحكومة والنقابة ليوم السبت انتهت.
كما أكدت أن جولة أخرى من الحوار “تبدأ خلال ساعات”، مشددة على أن جهودا حثيثة تبذل من أجل الوصول إلى توافق “خلال الساعات المقبلة”.
ووصفت نقابة المعلمين مستجدات الوضع وموقف الحكومة بأنهما “بشائر انفراج” للأزمة.
نقابة المعلمين تؤكد وجود أرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق مع الحكومة إذ اقترحت النقابة أن تكون قيمة العلاوة 30 بالمئة بدلا من 50 بالمئة التي طالبت بها أول مرة
واعتبر نورالدين نديم، الناطق باسم النقابة، أن رسالة رئيس الوزراء والزيارة التي قام بها وفد وزاري إلى النقابة “بمثابة رد اعتبار واعتراف من الحكومة بقيمة المعلم”.
وأشار، في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية، إلى وجود أرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق يرضي طرفي الحكومة والمعلمين، إذ اقترحت النقابة أن تكون قيمة العلاوة 30 بالمئة بدلا من 50 بالمئة التي طالبت بها أول مرة.
وأكد أن “المعلم ليس هدفه العلاوة بحد ذاتها” وأن مطلب رد الاعتبار والكرامة بالنسبة إليه متقدم على المطالب المادية.
وساهمت رسالة رئيس الوزراء إلى المعلمين في تهدئة غضب المعلمين، إذ قال نديم إن “رسالة الرزاز إيجابية وتساهم في التوصل إلى حل” يرضي جميع الأطراف.
وأكد أن الرسالة تضمنت اعتذرا واضحا وصريحا عن أي إساءة للمعلم وتقديرا لمكانته ودوره، مشددا على أن المعلمين استقبلوا هذه الرسالة “بارتياح”.
وتوجه الرزاز إلى المعلمين، في رسالته، قائلا “أخاطب فيكم القلب النابض بحبّه لمهنة التعليم (…) أخاطب فيكم حملة الرسالة المصممين بأننا سنصنع غدا يفوق اليوم وسنخرّج جيلا مؤمنا واعيا منتجا ومبدعا”.
وأبدى الرزاز تفهما لمطالب المعلمين بقوله “تمسكون الطبشورة بيد والجمر بيد أخرى، صابرين على أوضاع معيشية صعبة وبيئة صفيّة بعيدة عن الطموح، تطمحون إلى غد أفضل، وهذا طموح مشروع، بل واجب. وإيصال صوتكم واجب”.
وأكد التزام الحكومة بالتفاعل مع مطالب المعلمين إذ شدد على أن “التحاور حول سبل تحقيق الآمال واجب. وواجب وزارة التربية والتعليم والحكومة الانخراط بهذا الحوار والتوصّل إلى ما هو في مصلحة المعلم ومصلحة الطالب ومصلحة الوطن”.
ورفضت نقابة المعلمين الأردنيين القوية منذ أسبوع زيادة متواضعة في الأجور قدمها الرزاز، واصفة إياها بأنها “فتات” ضمن محاولة لإنهاء الإضراب، الذي يعد بالفعل أطول إضراب ينظمه موظفون في الدولة منذ عقود.
وكانت الحكومة ترفض في السابق زيادة قيمة العلاوة التي قالت إنها ستكلف خزينة الدولة أكثر من 150 مليون دولار سنويا فقررت منح المعلمين علاوة شهرية تتراوح بين 24 دينارا (حوالي 34 دولارا) و31 دينارا (حوالي 44 دولارا).
لكن المعلمين أصروا على علاوة 50 بالمئة على راتبهم الأساسي في بلد يبلغ معدل الأجور الشهرية فيه نحو 600 دولار والحد الأدنى للأجور 300 دولار.
وتضم النقابة نحو 140 ألف معلم، وكانت تتمسك باستمرار الإضراب حتى الحصول على العلاوة ومحاسبة المسؤول عن تعرض معلمين لانتهاكات أثناء احتجاجهم في 5 سبتمبر الماضي.
وكانت الأجهزة الأمنية منعت آنذاك حافلات تحمل معلمين من محافظات المملكة من الوصول والمشاركة في احتجاجات ضمت آلاف المعلمين في عمان، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق محتجين في منطقة الدوار الرابع أمام مبنى رئاسة الوزراء.
وعقب ذلك أعلنت نقابة المعلمين إضرابا عن العمل رغم الإجراءات الحكومية والقرار القضائي الذي ينص على وقف الإضراب.
وجاء الإضراب بالتزامن مع بدء نحو مليون ونصف المليون طالب وطالبة عامهم الدراسي الجديد في نحو أربعة آلاف مدرسة حكومية.
وتطالب النقابة بعلاوة 50 بالمئة من الراتب الأساسي، وتقول إنها توصلت إلى اتفاق بشأنها مع الحكومة عام 2014، فيما تقول الحكومة الحالية إن تلك النسبة مرتبطة بتطوير الأداء.
ويقول المعلمون، الذين يبلغ متوسط راتبهم حوالي 450 دينارا (630 دولارا) شهريا، إنهم في منزلة متأخرة عن غيرهم في القطاع العام المتضخم والمنكوب بالفساد وسوء الإدارة.
وتبتلع الرواتب جزءا كبيرا من ميزانية الدولة البالغة 13 مليار دولار في بلد يعاني من أحد أعلى مستويات الإنفاق الحكومي في العالم بالنسبة إلى حجم اقتصاده.
وتخشى الحكومة أن تؤدي مطالب جديدة تتعلق بزيادة الرواتب من قبل موظفي القطاع العام الآخرين، بما في ذلك الأطباء، وزيادات في معاشات الجنود المتقاعدين، إلى تدمير الجهود الرامية إلى استعادة الترشيد المالي باعتباره أساسا لتحقيق انتعاش اقتصادي مستدام.
ويشهد الأردن أزمة اقتصادية متفاقمة في ظل دين عام ناهز 40 مليار دولار. ورفعت الحكومة مطلع العام الماضي أسعار الخبز وفرضت ضرائب جديدة على العديد من السلع والمواد التي تخضع بشكل عام لضريبة مبيعات قيمتها 16 بالمئة، كما رفعت ضريبة الدخل وفرضت رسوما جمركية جديدة وضرائب أخرى.
وتفيد الأرقام الرسمية أن معدل الفقر ارتفع العام الماضي إلى أكثر من 15 بالمئة ونسبة البطالة إلى أكثر من 19 بالمئة.