بنغازي تحتفي باختيارها عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2024

تظاهرات فنية وثقافية تقدم وجوها أخرى لأعرق المدن الليبية.
السبت 2023/12/30
الشروع في الاحتفاء بأبرز المدن الليبية

بعد تأجيل الاحتفاء بمدينة بنغازي الليبية عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي ستنطلق الاحتفالات بهذا الحدث أخيرا مع بداية عام 2024، لتقدم المدينة وجوهها الثقافية والتراثية المختلفة، وخاصة ما يتعلق بالحضارة الإسلامية وما مر بها من تواريخ مؤثرة، وما قدمته من مآثر وفنون.

أذن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب أسامة حماد بانطلاق فعاليات الاحتفال ببنغازي عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي للعامين 2023 و2024، وذلك خلال مشاركته الأحد الماضي في احتفالات إحياء الذكرى الـ72 لاستقلال ليبيا رفقة عدد من الوزراء في حكومته بحضور جمع كبير من المسؤولين البارزين ولفيف من القيادات العسكرية والأمنية والمدنية.

وأشاد حماد باختيار مدينة بنغازي عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي، وقال إن “لذلك أهمية كبرى سطرت بأحرف من نور في تاريخ هذه المدينة ورفعتها”، مؤكدا أن هذا الاختيار “لم يأت من العدم، وإنما جاء بعد كفاح طويل، نتج عنه القضاء على الإرهاب والإرهابيين في جميع المدن شرق البلاد وجنوبها، بعد أن حاول هؤلاء الإرهابيون طمس هويتها التاريخية والثقافية والإسلامية، من خلال تسترهم بالدين الذي هو منهم براء”.

ثمانون فعالية

برنامج الاحتفالية يتضمن 80 حدثا ثقافيا وعلميا وفنيا تتنوع بين ندوات ومؤتمرات ومحاضرات ومهرجانات ومعارض
برنامج الاحتفالية يتضمن 80 حدثا ثقافيا وعلميا وفنيا تتنوع بين ندوات ومؤتمرات ومحاضرات ومهرجانات ومعارض

منح حماد في نهاية كلمته الإذن ببدء فعاليات بنغازي عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي، والتي ستنطلق فعليا في بداية عام 2024، وتتضمن عددا كبيرا من التظاهرات الفنية والثقافية، من بينها تظاهرات مسرحية ومهرجانات للأغنية الليبية والمالوف والموشحات والإنشاد الديني، وفعاليات سينمائية ومعارض للكتب والفنون التشكيلية وعروض فولكلورية، وندوات فكرية يشارك فيها ممثلون عن الدول العربية والإسلامية.

وتوجت مدينة بنغازي باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية وفق تحقيقها معايير منظمة التعاون الإسلامي التي تشترط أن تكون للمدن المختارة مساهمة في الدور العلمي والثقافي والإسلامي والتاريخي، وذلك بعد أن كانت العاصمة طرابلس قد اختيرت عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2007، وقد دشنتها بوصول السفينة لوجوس 2 التي تحمل على متنها معرض الكتاب العائم.

وكان من المنتظر افتتاح تظاهرة بنغازي عاصمة الثقافة الإسلامية يوم السادس عشر من سبتمبر الماضي، تزامنا مع ذكرى استشهاد أسد الصحراء وبطل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإيطالي عمر المختار، لكن كارثة سيول الفيضانات التي ضربت منطقة الجبل الأخضر وأدت إلى سقوط الآلاف من القتلى فرضت تأجيل التظاهرة.

وقال رئيس اللجنة العليا للاحتفال إبراهيم هدية إن اللجنة تعاقدت على تنفيذ اليوم الافتتاحي مع شركة المجموعة الإعلامية عن طريق لجنة إعادة الاستقرار والإعمار في بنغازي، مؤكدا أن حفل الافتتاح سينال إعجاب الجميع، وسيشكل مفاجأة لكل الليبيين الذين لديهم غيرة على وطنهم والذين تجمعهم كلمة الثقافة والأدب والشعر.

وأوضح هدية أن برامج الاحتفالية ستتضمن 80 حدثا ثقافيا وعلميا وفنيا تتنوع بين ندوات وورش عمل ومؤتمرات علمية ومحاضرات ثقافية ومهرجانات ومعارض فنية، مشيرا إلى أن اللجنة عملت طيلة الأشهر الماضية بشكل متواصل ليلا ونهارا لتنظيم وإطلاق هذا الحفل، وكافة البرامج الأخرى التي سيتضمنها والتي ستمتد على مدى عام كامل.

وتابع هدية أن الراعي الرسمي لبرامج عواصم الثقافة في العالم الإسلامي هو المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، والراعي المحلي لها في ليبيا هو اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم، مذكرا بإقرار تشكيل لجنة الاحتفال الذي صدر في فبراير الماضي عن اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم الراعي المحلي للاحتفال، وضم أكثر من 25 شخصية يرأسون مؤسسات إعلامية ونشطاء ومهتمين بالشأن الثقافي ومختلف صنوف المعرفة.

مدينة بنغازي توجت باختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية نظرا إلى مساهمتها في الدور العلمي والثقافي والإسلامي والتاريخي

ويشير المراقبون إلى أن بنغازي ستسفر عن ملامحها وصورتها الجديدة في ظل جهود إعادة الإعمار التي تشهدها منذ الإعلان رسميا عن تحريرها من الجماعات الإرهابية في يوليو 2017 بعد معارك دامية استمرت ثلاث سنوات، لاسيما وأنها تعتبر حاليا مركز القرار السياسي والعسكري لشرق وجنوب البلاد، حيث تحتضن مقر القيادة العامة للجيش الوطني ومجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه.

وكان الاحتفال بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي قد تم إقراره في المؤتمر الثالث لوزراء الثقافة في العالم الإسلامي عام 2001، وتم اختيار بنغازي لتحظى بهذا التكريم في عام 2022، لكن تم تأجيل ذلك بسبب تداعيات فايروس كورونا.

وشدد وزير الخارجية والتعاون الدولي المفوض بالحكومة الليبية، الأكاديمي عبدالهادي الحويج، خلال اجتماع مع اللجنة العليا واللجان التحضيرية المكلفة بتنظيم الفعاليات المخططة على هامش هذه الاحتفالية البارزة، على أهمية تكثيف الجهود وتعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية، مشيرا إلى حرص مجلس وزراء الحكومة الليبية والقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية ولجنة إعادة الاستقرار والإعمار واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم والإيسيسكو على نجاح هذه المناسبة الثقافية الفريدة.

من جانبه أكد عميد بلدية بنغازي الصقر بوجواري استعدادهم للاحتفاء باحتفالية بنغازي عاصمة للثقافة الإسلامية للعام 2023 طيلة أيام البرامج والأنشطة، وفق قوله، وأوضح أن البلدية تقوم بالصيانات العاجلة للبنية التحتية للمراكز والمقار الثقافية التي ستستغل في تنظيم فعاليات التظاهرة.

تاريخ حافل

بعد التأجيل يأتي الاحتفال
بعد التأجيل يأتي الاحتفال

وتقع مدينة بنغازي شرقي مدينة طرابلس بنحو 1050 كم تقريبا، وكانت في العهد الملكي عاصمة ليبيا الشرقية، وأنشئت من قبل اليونانيين في العام 525 قبل الميلاد، عندما كانت مستوطنة إغريقية عرفت باسم “يوسبيريديس”، وهي تدخل ضمن منطقة برقة.

وصلها الفتح الإسلامي عام 22 للهجرة، وصالح عمرو بن العاص أهلها على دفع الجزية. وعندما نزح المسلمون من الأندلس عام 1637 توجهوا إليها، وأقاموا بها وبدأوا يشيدون قلعة يتحصنون بها، لكنهم ما لبثوا أن هجروها بين عامي 1638 و1639.

أما اسم بنغازي فيعود إلى سنـة 1450 ميلاديا عندما أقام بها الولي الصالح “سيدي غازي”. وتقع مدينة بنغازي على شبه جزيرة محصورة بين البحر وملاحة السلماني ولا تزال أسوارها قائمة إلى الآن، وعندما ارتفع عدد السكان امتدت المباني فوصلتها بضواحي البركة والفويهات وجليانه والصابري فتكونت مدينة بنغازي الجديدة بشوارعها الفسيحة المستقيمة المشجرة تخللها الميادين والحدائق الزاهرة وتقوم على جوانبها مبان على أحدث طراز معماري.

وكان معظم سكان بنغازي من المهاجرين والتجار القادمين من مصراتة وساحل طرابلس، ثم استقرت بها جماعات من التجار تنسب إلى تاجوراء ومسلاته وزليتن، وأعادوا إليها الحياة وحملت اسم “كوية الملح” أي قرية الملح، وفي منتصف القرن السادس عشر للميلاد عرفت هذه المدينة كميناء، وتنسب إلى صاحب أقدم ضريح بها من الأولياء فكانت “مرسى ابن غازي”.

استولى الأتراك على مدينة بنغازي سنة 1578 ثم بعد ذلك حكمها القرمانليون سنة 1711 إلى أن عادت إلى الأتراك سنة 1835، وبقيت كذلك إلى فترة بدء الاحتلال الإيطالي عام 1911، ثم بعد الحرب العالمية الثانية صارت مقرا للإدارة العسكرية البريطانية في برقة وعاصمة لحكومة برقة سنة 1949 ثم إحدى عاصمتي المملكة الليبية المتحدة منذ الاستقلال سنة 1951.

وفي فترة الاحتلال الإيطالي تم إنشاء الحدائق كما شيدت عمارات ضخمة مثل المسرح الذي شيد سنة 1932 والجامعة التي كانت مقرا للحاكم ومبنى للبرلمان، كان مشيدا على الطراز المغربي وحول فيما بعد إلى مقر للقيادة الفاشستية، كما أن هناك بناية كبيـرة ذات أبراج تعرف بقصر الأعيان ونظم الهوتيل المبنى في ذلك الوقـت (هوتيل إيطاليا).

وتراهن الجهات الرسمية في شرق ليبيا على احتضان اجتماعات مهمة لوزراء الثقافة في الدول الإسلامية ولعدد من المنظمات والمؤسسات الثقافية البارزة، وأن تكون قبلة لوسائل الإعلام الإقليمية والدولية التي ستغني البرامج الثقافية والفنية وتعد برامج وثائقية عن مئات المواقع والحصون والمساجد والمباني والأضرحة الأثرية التي تزخر بها بنغازي والمدن المجاورة.

13