"بنت الفقيه" فيلم سينمائي ينتصر للمرأة ضد كافة المضايقات في المجتمع المغربي

التحديات التي تواجهها المرأة الريفية أكبر من تلك التي تعاني منها المرأة في المدينة، فقيود الأرياف وعاداتها وتقاليدها أشد قسوة على المرأة وظلما واستغلالا لها، وهو ما يتطرق إليه فيلم “بنت الفقيه” الذي اختار مخرجه حميد زيان إبراز قصة نجاح بدأ بالهرب من الريف نحو المدينة.
الرباط- تمتلك السينما قدرة فريدة على إبراز قصص النجاح الذي ينبع من البيئات الريفية والقرى، وتقديمها بشكل يلهم ويثير الدهشة والإعجاب للمشاهدين في المدن والمجتمعات الحضرية، فمن خلال الأفلام السينمائية، يتم استغلال تلك القصص بشكل مبدع ليس فقط لتسليط الضوء على الحياة الريفية والثقافات المحلية، ولكن أيضا لنقل رسائل قوية وتحفيزية حول الإرادة والتحدي والنجاح.
ويكمن دور الأفلام السينمائية في استغلال تلك القصص في قدرتها على إظهار الرحلة الشخصية للأفراد، منذ بداية رحلتهم في القرية حتى وصولهم إلى النجاح والتألق في المدينة، وبالتالي، تلعب دورا مهما في تشجيع الجمهور على الاستفادة من الفرص المتاحة لديهم، بغض النظر عن بيئتهم الأصلية، وتعزيز الإيمان بأن الإرادة والعمل الجاد يمكن أن يحققا النجاح بغض النظر عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
على سبيل المثال، تعرف السينما الهندية منذ القدم على نطاق واسع بقدرتها على إظهار قصص النجاح الريفية وتحويلها إلى أفلام ملهمة، فهي تقدم قصصا تتنوع بين رحلات الصعود الاجتماعي والنجاح الشخصي لأبطالها، الذين ينطلقون من القرى والمناطق النائية نحو المدينة لتحقيق أحلامهم.
وفي هذا السياق، أنجز المخرج المغربي حميد زيان فيلمه السينمائي “بنت الفقيه” الذي يحكي قصة نجاح فتاة تنطلق من إحدى القرى الفقيرة بالمغرب إلى المدينة من أجل تحقيق حلم النجاح في فن الغناء.
العمل من بطولة كل من ابتسام تسكت وربيع القاطي وزينب عبيد وهشام الوالي وحسن فولان وناريمان سداد.
تتمحور قصة الفيلم السينمائي “بنت الفقيه” حول فتاة من طبقة اجتماعية هشة، تجد حياتها مقلوبة رأسا على عقب بسبب علاقة حب تفقد فيها عذريتها فتهرب إلى المدينة خوفا من عقاب أسرتها، وبفضل صوتها الجميل تتحول بطلة الفيلم من الإقصاء والتهميش إلى الشهرة والأضواء، بسبب انتشار مقطع فيديو لها وهي تغني على مواقع التواصل الاجتماعي.
تجسد الممثلة ابتسام تسكت دور البطولة، وهي فتاة شعبية بسيطة تعمل كنادلة في الأفراح، قبل أن تصبح ضحية للاستغلال من قبل منتج يسعى للاستفادة من مواهبها الموسيقية.
يقول المخرج المغربي حميد زيان في تصريح لصحيفة “العرب” حول اختياره قصة نجاح نسائي لتكون موضوعا لفيلمه السينمائي، “هو اختيار من صديق تجمعنا تقريبا الأفكار نفسها ونتشابه في الرؤية، وطبعا قاسمنا المشترك هو صناعة الفرجة للجمهور الواسع. والرسالة التي آمل في نقلها من خلال قصة زهرة تحمل في طياتها توعية شاملة حول أهمية المرأة في المجتمع، من أجل وضع حد للاستغلال والتحرش الجنسي وكافة المضايقات التي تعترض طريقها في الحياة”.
ويضيف “هناك أيضا رسائل عن المرأة القوية التي تحقق ذاتها وتصل إلى مراتب عالية في مختلف المجالات، وخاصة الفتاة القروية التي تقفز من عتبة الفقر إلى الغنى المادي والمعنوي، فـ ‘بنت الفقيه’ هي فتاة مكافحة من هذا النوع الأخير الذي تحدثنا عنه، إذ أنها انتقلت من البادية إلى المدينة من أجل تحقيق أهدافها وأحلامها في الغناء رغم المضايقات والتحرشات التي تتعرض لها”.
وحول تمكنه من تصوير رحلة زهرة من القرية النائية إلى المدينة بشكل واقعي، يقول حميد زيان “أنا مغربي وابن مدينة سلا وأعرف جيدا كيف هي الحياة في القرية وفي المدينة، فهناك مررت بفترات مهنية مكنتني من خوض تجارب هذا النوع من البيئة سواء على مستوى اللباس، أو طريقة الحوار، أو هويتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فحاولت أن أكون واقعيًا في تصوير البيئتين أي البادية والمدينة كما عشناها جميعًا، والقصة من الخيال ولكن أحداثها مقتبسة من الواقع الاجتماعي الذي نعيشه، فالواقع ملهم لكل كاتب أو مخرج أو سيناريست بما أنه عاش نفس الأحداث أو تقريبًا نفس البيئة المعيشة”.
وفي حديثه حول إدارة المشاهد العاطفية لشخصية زهرة والمعايير التي اعتمدها في اختيار الممثلة التي تجسد شخصية البطلة والصفات التي ميزتها عن غيرها، يقول المخرج المغربي “اختيار الممثلة ابتسام تسكت كان موفقا لأنها ممثلة مجتهدة وراكمت تجربة معقولة بين الأفلام التلفزيونية والمسلسلات، ثم إنها مازالت شابة ومغنية موهوبة إلى درجة أنني رأيت فيها شخصية زهرة، وهناك العديد من الممثلين الذين شاركوا معها، كما أن ابتسام تسكت تقمصت الدور من جميع أبعاده النفسية والاجتماعية بشكل تلقائي، كما اكتشفت أنها محترفة وتستمع إلى المخرج وتتعامل مع جميع الطاقم الفني وتقنيات التصوير بسلاسة”.
ويوضح أن ظروف التصوير “مرت طبيعيّا في الحقيقة، لأن منتج الفيلم ما زال شابًا ولا يحمل نية الربح من أجل السينما، وقام بإنتاج معقول بكل حب وتفان وإخلاص، فمن الأشياء التي تعوق المخرج هو الإنتاج، ولكن في حالتنا كانت متوفرة لدينا جميع الإمكانيات الكبيرة التي كنا نحتاج إليها”.
أما عن الدور الذي يلعبه المكان الجغرافي والبيئة في تطور شخصية زهرة، فيوضح المخرج المغربي “طبعا البيئة مهمة بالنسبة لشخصية زهرة، لأنها هي مكان تسلسل الأحداث، إذ يبدأ الحلم في القرية ويتم تحقيقه في المدينة. وزهرة اندمجت بشكل تلقائي في البيئتين، واليوم مع وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد هناك فرق كبير بين البادية والمدينة في ما يخص الانسجام والتأقلم، وآمل أن يكون للفيلم تأثير على المجتمع المغربي ويكون إضافة للسينما، لأنه يحمل مجموعة من الرسائل إضافةً إلى العديد من الطاقات الشابة المشاركة فيه، وحاولنا بجميع السبل والوسائل التي تسهم في تحقيق هذه الأهداف، فلكل مجتهد نصيب”.
وإلى جانب فيلمه “بنت الفقيه”، عرض للمخرج المغربي حميد زيان مسلسل “الشياطين لا تتوب” على القناة الثانية ضمن برامج شهر رمضان، ويؤكد المخرج أن الدراما ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي منبر لتسليط الضوء على الحقائق المرة والمواقف الصعبة التي يواجهها البسطاء من الشعب، والتي غالبا ما تتجاهلها الجهات الرسمية ووسائل الإعلام التقليدية، إذ تبرز هذه المسلسلات أهمية تطرق الدراما إلى المواضيع الحساسة، حيث تعكس تفاعلها الواعي مع الواقع المعيش، ورغبتها الحقيقية في إحداث تأثير إيجابي وتغيير فعلي في المجتمع، من خلال قدرتها على إشعال النقاش وتحفيز التفكير، مما يعزز المشاركة المدنية والوعي الاجتماعي والسياسي.
وتدور أحداث المسلسل “الشياطين لا تتوب” حول الشعوذة والرقية الشرعية والتجارة بالدين، ويركز العمل على شخصية عبدالسلام، وهو رجل متورط مع عصابة تبحث عن الكنوز في قريته، ويهرب ليستقر في أحد الأحياء الشعبية بالمدينة، حيث يمارس ما يعرف شعبيا بالرقية الشرعية، مستغلا سذاجة الذين يلجؤون إليه بحثا عن العلاج، وبفضل وسائل التواصل الاجتماعي، انتشر صيت الراقي عبدالسلام ووصل إلى الطبقات الثرية.
وهي من بطولة ربيع المقاطي، زينب عبيد، رشيدة منار، عبدالحق بلمجاهد، الصديق مكوار، ندى حداوي، مرادا حميمة وناريمان سداد.