"بنات الملاكمة" طرح جريء لقضايا الشباب في المجتمع الخليجي

يقدم المسلسل السعودي الإماراتي المشترك “بنات الملاكمة” مادة مختلفة وصورة مغايرة للمجتمع والأسرة السعودية والخليجية بشكل عام، حيث عمد كل من مؤلفته الإماراتية أفنان القاسمي ومخرجه السعودي سمير عارف إلى كسر الصورة النمطية للفتاة الخليجية.
يدور المسلسل السعودي الإماراتي المشترك “بنات الملاكمة” حول فتاة سعودية تتحدى نمطية المجتمع وتحترف رياضة الملاكمة في الولايات المتحدة الأميركية، وتواجه صعوبة لدى عودتها إلى بلادها في تقبل الناس لها، ما يدفعها في المقابل إلى التذمر وهي تواجه صعوبة التأقلم مع عادات وتقاليد أسرتها ومجتمعها.
وحين تكتشف الفتاة أن هناك أخريات يشاركنها نفس الحلم ونفس التحدي تبدأ في التفكير بشكل مختلف، فتقدم على افتتاح صالة ألعاب رياضية في بيت العائلة لتعليم الملاكمة لبنات جنسها، فتواجه الفتاة ردود أفعال مختلفة من قبل المحيطين بها، لكنها تصر على التحدي ومواجهة الصعاب حتى النهاية.
المسلسل من إخراج سمير عارف وتأليف أفنان القاسمي وبطولة كل من ميلا الزهراني وفاطمة الحوسني وعبدالعزيز سكيرين وآلاء شاكر ودانة آل سالم ونورا عصر والعنود سعود وعبير سندر ومحمد مشعل وراكان يوسف ومحمد الهاشم.
ويقدم مسلسل “بنات الملاكمة” الذي عرض أخيرا على قناة “أم. بي. سي” جانبا مختلفا للصورة النمطية للفتاة السعودية، بإبرازه لتلك النماذج الطموحة والمنفتحة على العالم، كما يبرز لنا طبيعة التغيرات التي طرأت على تقبل الأسرة السعودية للعديد من المفاهيم والأفكار العصرية.
المسلسل يقدم نماذج لفتيات طموحات ومنفتحات على العالم، ما يؤكد طبيعة التغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي
وفي هذا العمل نجد أنفسنا أمام أسرة سعودية تقليدية تسمح لابنتهم بالسفر إلى الخارج لتعلم رياضة الملاكمة التي لا يقبل عليها عادة في مجتمعاتنا سوى الرجال، كما تواجهنا أيضا العديد من التفاصيل الحياتية التي تلقي بالضوء على العديد من القضايا، كخروج المرأة والفتاة السعودية إلى العمل والاختلاط بالمجتمع وإصرارها على النجاح والتفوق.
ومسلسل “بنات الملاكمة” تعاون مشترك بين السعودية والإمارات، وهو التجربة الأولى في الكتابة الدرامية للكاتبة الإماراتية أفنان القاسمي، وهو نص لا يخلو من الكوميديا الخفيفة، كما يتيح مساحة للارتجال، وينبئ بموهبة حقيقية في الكتابة الدرامية، فالجمل الحوارية بدت سلسة وخالية من الافتعال، وأبرز ما في المسلسل أنه اعتمد بشكل لافت على عدد من الوجوه الشابة التي تشق طريقها لأول مرة في عالم الدراما التلفزيونية.وتبدأ الأحداث بعودة نجود التي تؤدي دورها الفنانة ميلا الزهراني إلى السعودية بعد تجربة قاسية للتنافس في إحدى بطولات الملاكمة بالولايات المتحدة الأميركية انتهت بهزيمتها.
تعود نجود لتجد أنها قد أصبحت نجمة معروفة على وسائل التواصل الاجتماعي في بلدها، بين تشجيع البعض واستهجانهم لتصرفاتها وسلوكياتها المنفتحة، تحارب الفتاة للتأقلم مع حياتها الجديدة وتتحدى المجتمع الذي أطلق عليها “مجنونة أميركا”.

تعثر نجود على ضالتها حين تطلب منها واحدة من معجباتها تدريبها على الملاكمة، فتعجبها الفكرة وتفتتح صالة للألعاب الرياضية في بيت عائلتها بتشجيع من الأسرة، وتجتمع لديها خمس شخصيات نسائية ينخرطن في التدرب على رياضة الملاكمة لكل منهن أسبابها الخاصة.
يسلط المسلسل الضوء على عدد من القضايا الأخرى كالتحرش الجنسي وتكتم الأسر السعودية على مثل هذه الجرائم خوفا من الفضيحة، وفي المسلسل تلجأ نجود وصديقاتها إلى توظيف قدراتهن الجسدية المكتسبة بفعل الانخراط في رياضة الملاكمة في مواجهة المتحرشين.
ومن القضايا الهامة أيضا التي يناقشها المسلسل قضية العنصرية أو نظرة المجتمع لمعايير الجمال النمطية، وهو ما تطرحه شخصية أروى التي تلعب دورها عبير سندر، الفتاة داكنة البشرة التي تواجه منذ طفولتها العديد من مواقف التنمر.
تحاول أروى التغلب على الأمر بكل شجاعة وتسعى إلى تنفيذ مشروعها الطموح لتصميم دمية سمراء، ورغم العراقيل الكثيرة التي تواجه مشروعها تستكمل العمل به في تحد باحثة عن مستثمر يؤمن بفكرتها.

يذكر أن الدور الذي تلعبه عبير سندر في المسلسل لا يختلف كثيرا عن الدعوة التي تتبناها في الواقع كنجمة من نجمات التواصل الاجتماعي، ومن بين المتحديات لمعايير الجمال التقليدية والنمطية، وقد صرحت سندر في أكثر من مناسبة بأن تجربتها الشخصية مع التنمر تتشابه في الكثير من التفاصيل مع ملامح الشخصية التي تؤديها في المسلسل.
وهي لا تخفي في معظم لقاءاتها الصحافية ما عانته كفتاة داكنة البشرة من عنصرية وتنمر، حتى من أفراد أسرتها، ما دفعها إلى تحويل تجربتها القاسية تلك إلى تجربة نجاح حقيقية، لتصبح واحدة من أشهر خبيرات التجميل والموضة وقدوة لمثيلاتها من ذوات البشرة السمراء، رافضة لتلك العبارة التي طالما سمعتها حتى من أقرب المقربين لها “أنت جميلة، لولا لون بشرتك”.
ويعتمد المسلسل على صوت راو من أبطال العمل للربط بين المشاهد أحيانا، في ما يشبه البوح. كما يتضمن “بنات الملاكمة” رسائل هامة للفتاة والأسرة السعودية والخليجية بشكل عام، إذ يلفت الانتباه بأن هناك جيلا جديدا من الشباب والشابات يحاول التعايش مع المجتمع في ظل التطورات والتحديات المعاصرة والمعقدة، ويتوق إلى التحرر من القيود المجتمعية التي لا تناسب العصر.