بكين وموسكو تنافسان واشنطن على "حراسة" مياه الخليج

إيران تستثمر مشاركتها في مناورات بحرية للإيهام بدور إيجابي في أمن المنطقة.
الجمعة 2019/12/27
عيون العالم على مياه الخليج

إيران التي ينظر إليها باعتبارها المصدر الأول لتهديد الاستقرار في محيطها، والمتّهمة بشكل مباشر بالضلوع في هجمات على منشآت الطاقة وعلى طرق ووسائل نقلها نحو الأسواق العالمية، تجد في مشاركتها الصين وروسيا مناورات بحرية في المحيط الهندي وخليج عمان فرصة لإعادة تسويق نفسها كقوة مسؤولة وذات دور في تأمين سلامة الملاحة البحرية في المنطقة، بينما تحاول بكين وموسكو تعظيم دورهما في تلك المنطقة الحيوية جنبا إلى جنب الولايات المتحدة ذات الدور الأكبر والأكثر رسوخا هناك.

بكين - تكرّس مناورات بحرية صينية روسية إيرانية تجري في المحيط الهندي وبحر عُمان التنافس الدولي الشديد على موطئ قدم في المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية، وتذكي التسابق على انتزاع دور في تأمين الممرات البحرية الحيوية لأمن الطاقة في العالم.

وقالت وزارة الدفاع الصينية، الخميس، إن الصين وروسيا ستجريان بالتعاون مع إيران مناورات بحرية مشتركة تبدأ الجمعة وتستمر إلى الاثنين.

ورغم نفي المتحدث باسم الوزارة وو تشيان ارتباط المناورات بالوضع في المنطقة، إلاّ أنّ مراقبين ربطوا توقيت الخطوة بالتوترات الجارية والتهديدات التي حفّت بأمن الملاحة الدولية في الخليج خلال الأشهر الماضية.

وسبقت الولايات المتحدة مختلف القوى الدولية إلى قيادة جهد مشترك لتأمين طرق الملاحة في الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان وصولا إلى مضيق باب المندب والبحر الأحمر، إلاّ أن كبار منافسيها الدوليين أبدوا رغبة في لعب دور مواز في المجال وهو ما كشفت عنه بوضوح فرنسا التي أعلنت في وقت سابق نيتها قيادة جهد أوروبي لحماية الملاحة الدولية في الخليج يكون مستقلا عن الجهد الذي تقوده واشنطن.

وفي إفادة صحافية شهرية قال وو تشيان إنّ بلاده سترسل المدمرة شينينغ المزودة بصواريخ موجهة إلى المناورات التي “تهدف إلى تعميق التعاون بين القوات البحرية للدول الثلاث”.

وأضاف أن المناورات “تبادل عسكري طبيعي” بين القوات المسلحة للدول الثلاث وتتفق مع القانون والممارسات الدولية.

وتكتسي هذه المناورات أهمية استثنائية لإيران التي لم تنقطع عن تقديم نفسها كقوّة ذات مسؤولية في حماية الملاحة في المنطقة، فيما يراها خصومها الدوليون والإقليميون وعلى رأسهم الولايات المتحدة كمصدر التهديد الأول ويتهمونها بالوقوف وراء هجمات تعرّضت لها سفن ومنشآت نفطية.

ويعد خليج عُمان ممرا مائيا حساسا إذ أنّه متصل بمضيق هرمز الذي يمر من خلاله نحو خُمس تدفقات النفط العالمية والمتصل بدوره بالخليج. وتأتي المناورات أيضا في وقت يشهد توترات شديدة بين الولايات المتحدة وإيران.

وتزايدت التوترات منذ العام الماضي عندما قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب بلاده من اتفاق إيران النووي الذي أبرمته عام 2015 مع ست دول وإعادة فرض عقوبات عليها ما أصاب الاقتصاد الإيراني بالشلل.

ارتباط الصين مع إيران والسعودية بمصالح وثيقة في مجال الطاقة يضطرها لتوخي الحذر الشديد في تحركاتها بالمنطقة

واقترحت الولايات المتحدة تشكيل مجموعة بحرية بقيادتها بعد عدة هجمات في مايو ويونيو الماضيين على سفن تجارية دولية في مياه الخليج ألقت واشنطن بالمسؤولية فيها على طهران.

ولم يكن برنامج إيران النووي المثير للخلاف، السبب الوحيد لتصاعد التوتر بالمنطقة، إذ تفاقم التوتر أيضا إثر هجوم استهدف منشأتي نفط سعوديتين في سبتمبر الماضي واتهمت واشنطن والرياض طهران بالمسؤولية عنه.

ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن المتحدث باسم القوات المسلحة البريغادير جنرال أبوالفضل شكارجي قوله، الأربعاء، الماضي إن المحيط الهندي وخليج عمان منطقتان أساسيتان بالنسبة للتجارة الدولية وإنّ الحفاظ على الأمن في الممرات المائية مهمة ضرورية. وأضاف “ستُجرى التدريبات لدعم وتعزيز الخبرة في أمن التجارة الدولية في المنطقة”.

وترتبط الصين بعلاقات دبلوماسية وتجارية وفي مجال الطاقة مع إيران. لكن تربطها كذلك علاقات جيدة بالسعودية المنافس الإقليمي لإيران، مما يعني اضطرارها منذ مدة طويلة لتوخي الحذر الشديد في جزء من العالم اعتادت أن تمارس فيه نفوذا أقل بكثير مقارنة بالولايات المتحدة أو روسيا أو فرنسا أو بريطانيا.

وترغب عدّة دول في منافسة الولايات المتحدة على دور في تأمين الملاحة في الخليج وبحر عمان، حيث حاولت فرنسا قيادة جهد أوروبي مشترك لمنافسة التحالف الأمني الذي أقامته الولايات المتحدة بمشاركة دول من الإقليم وأخرى من خارجه، لكن ألمانيا حدّت من الطموح الفرنسي.

وأعلنت وزارة الخارجية الألمانية في وقت سابق أنّ الجيش الألماني لن يشارك في المهمّة العسكرية التي تعتزم فرنسا القيام بها في الخليج، مشدّدة على أن أي مشاركة عسكرية ستكون محتملة بالنسبة للحكومة الاتحادية فقط إذا صارت المبادرة الفرنسية مهمة للاتحاد الأوروبي بأكمله.

وردّت برلين بذلك على وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي التي كانت قد أعلنت نيّة بلادها إنشاء تحالف أوروبي بحري لمراقبة التحركات في مياه منطقة الخليج يعمل بالتنسيق مع التحالف الذي أعلن عن إنشائه وتقوده الولايات المتحدة.

وقالت بارلي إنّ الهدف من المهمّة الأوروبية “أن نساهم نحن أيضا في ضمان أمن الملاحة البحرية في الخليج إلى أقصى حدّ ممكن”.

لكنّ الولايات المتّحدة التي سبقت فرنسا إلى تأسيس تحالف لحماية حركة الملاحة في مياه الخليج يضم الإمارات والسعودية والبحرين وبريطانيا وأستراليا وألبانيا ويتّخذ من العاصمة البحرينية المنامة مقرا له، قلّلت من حظوظ باريس في النجاح بقيادة هيكل مُواز. وقال جون كونكلين رئيس هيئة أركان التحالف “لم ينضم أحد للتحالف الفرنسي. والفرنسيون يحاولون منذ فترة لكنهم لم يحققوا نجاحا”.

3