بعيدا عن النرجسية.. أنا امرأة بعطر النرجس

قد يكون من اليسير إنصاف الآخرين حتى على حساب أنفسنا أحيانا، لكن من العسير الانحياز إلى ذواتنا.
الثلاثاء 2019/03/12
الإعجاب بالذات

كيف يمكن لشخص أن يكتب رسالة إلى نفسه؟ هل سيكون في الأمر حياد أم مجانبة للموضوعية أم أن مجرد التفكير في الأمر سيكون ضربا من الجنون؟ لكن لماذا هذه الأحكام المسبقة، فلأجرب وأرى إلى أين يمكن أن تقود التجربة. لكن ماذا سأقول لنفسي؟

بعد تفكير عميق اهتديت إلى أن أعبر عني كامرأة بين سطور رسالة الاحتفاء بذاتي النسوية هذه، والتي قد تجد بينها بنات جنسي شيئا أو أشياء منهن، فبالنهاية تحكمنا نواميس مجتمعية وخلفيات ثقافية واحدة، ولا أظن أن الأمر سيختلف باختلاف الرقع المكانية على خارطة العالم الذي صار منذ أخذت الشبكة العنكبوتية في التوسع ورمي جذورها عميقا في كل المحيطات، منفتحا على بعضه البعض.

وقبل الشروع في كتابة الرسالة لا بد من التعريج سريعا على السر الكامن في ذلك، فقد طلبتها مني هاجر عبودة أو بالأحرى الملكة هاجر، وهي فتاة تونسية توصلت منذ فترة قصيرة إلى فكرة وبدأت بتنفيذها بإصرار كبير لعله يجد المزيد من التجاوب، ألا وهي إنشاء غروب على موقع فيسبوك أطلقت عليه تسمية “ملكات”، وغايتها الانتصار للمرأة بتوصيفها أنها ملكة، مشددة على ضرورة أن تنبع هذه القناعة أولا وقبل كل شيء من بواطن كل فتاة أو سيدة انضمت أو ستنضم إلى هذه المجموعة الافتراضية، بقطع النظر عن وضعيتها الاجتماعية، وأهدافها أن تكون كل منتمية إلى الغروب محفزا إيجابيا للبقية.

قد يكون من اليسير إنصاف الآخرين حتى على حساب أنفسنا أحيانا، لكن من العسير الانحياز إلى ذواتنا، وبعد أن فكرت مليا كيف لي أن انتزع اعترافا ضمنيا من هذه النفس الغارقة في بحور متلاطمة من المشاعر المتباينة، بأن بدواخلها ملكة رابضة بانتظار اعتلائها العرش وتتويجها، وجدتني أرى انعكاسات كثيرة على مرآة الحياة تمر شريطا متواصلا لوجوه وأقنعة لا تمت بصلة لامرأة واحدة، أين أنا إذن بين هؤلاء؟

إن كنت تلك العاشقة قليلة الحظ فأنا أمثل جزءا لا يتجزأ من قلوب كثيرات وقفن بوجه نعوت صنفتهن في خانة عوانس ولم تكتف، بل وحكمت عليهن بالوقوف في صفوف محطة قطارات معزولة عن أترابهن بكلمات لا تحمل بين طياتها أي دلائل تشي بتقدم ملحوظ في العقليات.

ولا يصح التعامل مع هذا الصنف من البشر إلا بصوت الفنانة التونسية الراحلة ذكرى محمد حين تغنت قائلة “نفسي عزيزة ما ندلّل بيها وتهون عندي في غلا غاليها.. وهيَّ الوفيَة ماهي ساهلة نفسي تهون علـيَّ في شان غاليها”.

أما إن كنت الموظفة المكافحة أو الخريجة الباحثة عن عمل بجد فهذه معركة مختلفة لا تفرق فيها امرأة عن أخرى، سلاحي وسلاحكن شهادة جامعية تكشف سنين من السهر والتعب والاجتهاد بإمضاء أولياء أمورنا الذين آمنوا برسائلهم في الحياة وآن الأوان أن يجنوا ثمار ما زرعوا.

ليس لأنك فتاة فأنت قاصرة عن اعتلاء منصة صنع القرار بل قادرة على تسيير شؤون بلاد لا فحسب شؤونك الخاصة، فـ”انتظار النجاح دون عمل شاق لتحقيقه يعادل انتظار الحصاد دون بذر البذور”، لا شيء يكسر تقدم المرأة إن شاءت هي وحدها الوصول، فهي تحمل عنادا يزيح عن طريقها كل الصعوبات والعراقيل.

لأجرب أن أكون أما وزوجة لثوان ما ضر أحدا إن فعلت وهذه وظيفة حياتية أخرى تكابر المرأة على حساب صحتها ونفسيتها من أجل رسم طرق سالكة لأبنائها وزوجها. وأكد باحثون بولنديون من خلال دراستين لهم أن النساء يقدمن في الغالب التزاماتهن المنزلية وهموم الأسرة على شكواهن الصحية.

وقبل أن أستدير مبتعدة عن المرآة طالعتني صورة زهرة النرجس، تلك التي ترى أمي وصديقتي الغالية يمينة وصديق عزيز دون سابق لقاء مسبق بينهم أنني أمثلها. بحثت عن سر هذا التشبيه فوجدت أن الأساطير القديمة تروي أن زهرة النرجس كانت فتى معجبا بنفسه كثيرا وبينما كان ينظر إلى انعكاس صورته في الماء تحولت الصورة إلى زهرة النرجس، ومن هنا جاءت صفة النرجسية لتطلق على كل شخص معجب بنفسه إلى حد الغرور.

لست أدعوكن ولا أدعو نفسي صديقاتي النساء إلى أن تكن نرجسيات بل كن نرجسا تفوح ريحه الطيبة أينما حل وترك أثرا، فبعيدا عن النرجسية.. أنا امرأة بعطر النرجس.

21