بعض القراءات لا تقل غوغائية عن الحادثة

المرزوقي نسي أن جزءا كبيرا من أسباب حادثة حرق المصحف يتمثل في السياسة التركية المتخبطة والاستفزازية إزاء قضايا كثيرة في المنطقة والعالم وهذا لا يبرر تلك الفعلة الشنيعة طبعا.
الجمعة 2023/01/27
ما حدث يحمل خلفيات سياسية كانت سياسة أنقرة طرفا فيها

يُروى أن صحافيا سأل الدالاي لاما: ماذا تفعل لو أن أحدهم رمى بكتابكم المقدس في المرحاض؟

أجاب زعيم التيبت بابتسامته البوذية المعهودة: أتصل بالسمكري فورا.

شخصيا، لا أعتقد أن هذا السياسي المتدين الذي أغضب نظام بلاده وكسب ودّ الغرب، يُقدم على مثل هذه الخطوة فعلا، وبمنتهى التسامح الشعبوي الذي يتجاوز كل استفزاز مقيت.

دليلنا على ذلك هو ما أقدم عليه الرهبان من بني عقيدته حين استخدموا خطاب الكراهية ضد المسلمين في بورما بل وانضموا إلى جماعات من الغوغاء خلال أعمال أسفرت عن سقوط الكثير من القتلى داخل الأقلية المسلمة المعروفة بجنوحها نحو السلم.

◙ ما حدث يحمل خلفيات سياسية كانت سياسة أنقرة طرفا فيها.. والسياسي الناجح هو من لا يتسبب لشعبه وشعوب أخرى في هذا الإيذاء المعنوي

لا تصدق أحدا لا يغار ـ ولو بجزء بسيط ـ على موروثه الثقافي الذي يشكل الدين فيه أحد مكوناته، ذلك أن الاستفزاز غير مقبول لدى النخب الثقافية والسياسية، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالعامة وبسطاء الناس.

لا شك أن ما أقدم عليه المتطرفون اليمينيون في السويد وهولندا من إحراق وتدنيس لمصحف القرآن، يشكل استفزازا لمئات الملايين من المسلمين، وكذلك غيرهم من الحقوقيين والمدافعين عن حرية العقيدة.

لا أحد يبرر هذا الفعل “البغيض والكريه” كما وصفته الخارجية الأميركية التي لم تغفل عن دوافعه وتداعياته السياسية في قراءة ترى أن ما حصل أمام  السفارة التركية في ستوكهولم هو سعي متعمد إلى تباعد حليفين مقربين، والتأثير على المناقشات الجارية بشأن انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، الأمر الذي تعارضه تركيا.

الحدث نفسه، أدانته روسيا وهي تخوض حربا في أوكرانيا، يحاول أن يقوّي فيها الناتو صفوفه بانضمام السويد.

الأمر إذن، ليس مجرد حالة غضب من سياسي سويدي دنماركي، أرعن اسمه راسموس بالودان، ينتمي إلى اليمين المتطرف، وما ينفك يؤلب أنصاره ضد المسلمين في كل مناسبة، ويحثهم على معاداة تركيا بالتحديد، والتي يستفزها وجود العشرات من القياديين الأكراد على الأراضي السويدية.

كلها عوامل تجعل من حادثة حرق المصحف حريقا تشعله أحطاب متنوعة المصادر والغايات ثم تأتي النزعات الشعبوية وحمى الكراهية والإسلاموفوبيا لتسكب البنزين فوقها.

◙ المرزوقي نسي أن جزءا كبيرا من أسباب حادثة حرق المصحف، يتمثل في السياسة التركية المتخبطة والاستفزازية إزاء قضايا كثيرة في المنطقة والعالم

ثمة محللون غربيون يرون في الحادثة التقاء نقطتين متناقضتين: استفزاز للمشاعر الدينية من ناحية، وتأييد للحرية في التظاهر يكفلها القانون السويدي.. وهذا هو ما يختصره الموقف الأميركي بالإجمال، لكن الحقيقة سياسية في جوهرها، بدليل أن روسيا دخلت على الخط، وصارت تدافع باستماتة عن ثاني ديانة بعد الأرثوذكسية في بلادها.

أما ما “يحط العقل بالكف” كما تقول العامة، فهو قراءة بعض “جهابذتنا” للحادثة، وتمترسهم مع نظام أنقرة عبر إيجاد تسويغات وقراءات تحار تركيا نفسها، في تبنيها.

وفي هذا الصدد، يرى الأكاديمي التونسي القريب من الفكر الإسلامي، أبويعرب المرزوقي، أن حادثة حرق مصحف القرآن الكريم في السويد “تعكس موقفا شعبويا ودليل على تأثير الإسلام في الغرب، وخوف الغربيين من انتشاره”.

كيف؟ نوّرنا أيها البروفيسور الذي درس الفلسفة في بلاد هيغل وكانط وماركس ثم انزوى لمناصرة حركة النهضة الإسلامية في بلاده.

يرى المرزوقي أن حرق المصحف دليل على أن الإسلام أصبح مؤثرا وفي الغرب، وأصبحوا (الغربيين) يخافون منه جدا ويخافون من سلطة الإسلام ومن ميل النخب الغربية للإسلام.

ويشيد صاحب كتب ومؤلفات مثل “مفهوم السببية عند الغزالي”، “الاجتماع النظري الخلدوني”، “الإبستمولوجيا البديل”، و”آفاق النهضة العربية” بالدولة التركية التي على جميع المسلمين أن يقدروا مآثرها ويتجمعوا حول موقفها الصائب في مواجهة الغرب الذي تحتفظ تركيا معه بعلاقات طيبة ينبغي استغلالها والاستفادة منها.

ويمضي أبويعرب، في تلميع دور تركيا وتثمينه لتبيان أهمية وزنها في العالم الغربي ـ دون أن يدري بأن مجرد ذكرها يثير السخرية والسخط، خصوصا لدى أحزاب اليمين ـ بقوله “ألمانيا لو خيروها بين فرنسا وتركيا تختار تركيا وهذا ما حدث سابقا في الحرب العالمية الأولى زمن الخلافة العثمانية”.

◙ لا شك أن ما أقدم عليه المتطرفون اليمينيون في السويد وهولندا من إحراق وتدنيس لمصحف القرآن، يشكل استفزازا لمئات الملايين من المسلمين

نسي المرزوقي أن جزءا كبيرا من أسباب حادثة حرق المصحف، يتمثل في السياسة التركية المتخبطة والاستفزازية إزاء قضايا كثيرة في المنطقة والعالم.

هذا لا يبرر تلك الفعلة الشنيعة طبعا، لكن لماذا لم يقدم بالودان على هذه الحركة الاستفزازية أمام سفارة السعودية أو مصر أو المغرب أو غيرها من الدول ذات الغالبية المسلمة؟ ولماذا وقع حمل دمية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في السويد، دون غيره من زعماء العالم الإسلامي؟

الجواب هو أن ما حدث يحمل خلفيات سياسية كانت سياسة أنقرة طرفا فيها.. والسياسي الناجح هو من لا يتسبب لشعبه وشعوب أخرى في هذا الإيذاء المعنوي، ذلك أن ما حدث لا يمكن أن يصدر إلا من شخص موتور تجاه سياسة موتورة تمضي في استعداء غير مبرر.. وكان من الطبيعي أن يتحسس الغرب من أردوغان بعد تقربه من روسيا في غمرة حربها مع أوكرانيا ومن يقف خلفها.

أبو يعرب.. “ما هكذا تورد الإبل يا ابن العم”، وتحليلاتك لا تليق بصورة دارس فلسفة وهو ينفخ في كير صراع الأديان والإسلاموفوبيا.

8