بعد صدور الأحكام في حق قتلة شكري بلعيد: هل تعود تونس إلى تنفيذ الإعدام

الحسم في قضية الاغتيال يعيد إمكانية اعتماد العقوبة إلى الواجهة.
السبت 2024/03/30
القضاء التونسي يصدر أحكامه في قضية اغتيال بلعيد

طرح الحسم في ملف قضية اغتيال السياسي التونسي المعارض، شكري بلعيد، تساؤلات في الشارع السياسي والحقوقي بالبلاد بشأن إمكانية استعادة تونس العمل بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن محاكمها، ولاسيما المتعلقة بقضايا الإرهاب، وذلك بعد سنوات طويلة من التوقف على تنفيذها.

تونس - أثار صدور حكم بالإعدام شنقا حتى الموت على أربعة إرهابيين، جدلا واسعا بين الأوساط التونسية، حول ما إذا كانت أجهزة الدولة المتخصصة ستتولى تنفيذ الأحكام، أم ستواصل الإبقاء على المحكوم عليهم بالإعدام داخل السجون دون تنفيذ الأحكام فيهم.

وتوقفت تونس منذ 33 عاما على تنفيذ أحكام الإعدام، حيث كان آخر حكم تم تنفيذه في حق القاتل المتسلسل الناصر الدامرجي في 27 نوفمبر 1990 بعد ثبوت تورطه في جرائم اغتصاب وقتل أربع عشر قاصرا في ولايتَي نابل وتونس.

وحكم القضاء في تونس، الأربعاء الماضي، بالإعدام على أربعة مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في السادس من فبراير 2013 هم عزّ الدين عبداللاوي ومحمد أمين القاسمي ومحمد العكاري ومحمد العوادي.

الرئيس التونسي قيس سعيد، أكد في سبتمبر 2020، موقفه المؤيد لاستئناف تنفيذ عمليات الإعدام في البلاد

وقضت الدائرة الجنائية المختصّة بالنظر في قضايا الإرهاب بالمحكمة الابتدائية بتونس بالسجن مدّة 30 عاما في حقّ المتّهم محمد العمري وأحمد المالكي المكنى بـ”الصومالي”، وبقيّة العمر في حقّ محمد علي دمق وعبدالرؤوف الطالبي، والسجن 20 عاما لكلّ من كريم الكلاعي وصابر المشرقي ورياض الورتاني، والسجن 18 عاما في حقّ ياسر المولهي، و8 سنوات سجنا ضدّ بسام المزليني، وعدم سماع الدعوى في حقّ سيف الدين العرفاوي.

وقال مدير السجون الأسبق العميد علي شوشان إن “إدارة السجن اتخذت جملة من التدابير الفورية في حق السجناء المحكوم عليهم بالإعدام، وأولها عزلهم عن بقية المجموعة واستباق أي أفكار قد تساورهم، لأن هذا الحكم على شدة وقعه النفسي تنقلهم إلى عوالم أخرى تجعل التعامل معهم صعبا جدا”.

وصدرت الأحكام وفق قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره مجلس النواب في العام 2015 حيث “يعد مرتكبا لجريمة إرهابية ويعاقب بالإعدام كل من يتعمد قتل شخص يتمتع بحماية دولية”.

وتنص المادة 27 على إعدام “كل من قبض على شخص أو أوقفه أو سجنه أو احتجزه دون إذن قانوني، وهدد بقتله أو إيذائه أو استمرار احتجازه من أجل إكراه طرف ثالث”، إذا نتج عن ذلك الموت.

ويشمل القانون التونسي 58 فعلا مجرما يتم فيه الحكم بالإعدام، وتضيف المادة أن النصوص التشريعية المتعلقة بأحكام الإعدام تتوزع بين نصوص جاءت في المجلة الجزائية وأخرى وردت بمجلة المرافعات والعقوبات العسكرية وأخرى بالقانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال.

ويتساءل المراقبون، عمّا إذا كانت تونس ستعيد العمل بتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة عن محاكمها، ولاسيما المتعلقة بقضايا الإرهاب، والتي بدأ عددها بالارتفاع.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد، أكد في سبتمبر 2020، موقفه المؤيد لاستئناف تنفيذ عمليات الإعدام، خلال اجتماع مجلس الأمن القومي، حيث قال بعد جريمة اغتيال فظيعة شهدتها منطقة عين زغوان بالعاصمة: “إن من قتل نفسا بغير حق جزاؤه الإعدام”.

ii

وخلال مشاركته في الحملة الانتخابية الرئاسية، قال سعيد في مناظرة تلفزيونية يوم 9 سبتمبر 2019 بصفته مرشحا للسباق نحو قرطاج، إنه مع حكم الإعدام بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات.

وتابع: ”أنا مع الإعدام بالنسبة إلى الجرائم التي يقضي القانون بحكم الإعدام فيها بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات بالنسبة إلى المتهم وهذه القضايا في بعض الحالات من عدم الاستقرار يجب أن يطبق فيها القانون كاملا على الجميع.. بل إن استمرارية الدولة تقتضي أن تكون قوية وتتخذ القرارات اللازمة علما أن الدول التي اختارت إلغاء عقوبة الإعدام تنفذها خارج القانون ويجب أن ننتبه إلى ذلك”.

ولا يتم تنفيذ أحكام الإعدام إلا بعد أن يتولى رئيس الدولة التوقيع عليها، وهو ما امتنع عنه الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي منذ العام 1990، كما لم يقم به أي من الرؤساء الذين تعاقبوا على قصر قرطاج منذ 2011.

وبحسب الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام، فإن تونس تصوت منذ سنة 2012 لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعي لإيقاف عالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام، واعتبر الائتلاف أنّ مواصلة القضاة إصدار أحكام بالإعدام بنسق متصاعد، إنّما يعكس هشاشة التزام الدولة التونسية باحترام الحقّ في الحياة، خاصة وأن دستور 2022 لم يُلْغ هذه العقوبة تماهيا مع موقف الرئيس قيس سعيد المساند لها.

ودعا الائتلاف في مناسبات عدة، السلطات التونسية، إلى ضرورة تنقيح التشريعات والقوانين الحالية في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام نهائيا وتغييرها بعقوبات سجنية، وإلى المصادقة الرسمية على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.
كما طالب الائتلاف بمراجعة أحكام الإعدام الصادرة مؤخرا في تونس، بما يضمن احترام الحق في الحياة، وعبر عن رفضه التام لما اعتبره ”تصاعدا في إصدار الأحكام بالإعدام ” في تونس، معتبرا أن التصدي الفعلي لتفاقم العنف والجريمة الجنائية والإرهابية في تونس، يكون باجتثاث أسبابها وعوامل انتشارها الاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية.

ويوجد ما لا يقل عن 150 شخصا محكوما عليهم بالإعدام وهم معزولون وراء القضبان، ولا يتمتعون بزيارات الأهل والأقارب، ولا تصلهم أية مقتنيات من خارج أسوار السجون، بينما يرى مراقبون أن أعداد المحكوم عليهم بالإعدام سترتفع خلال الفترة القادمة مع تقدم مسارات الحكم في الجرائم الإرهابية التي عرفتها البلاد، وخاصة في الفترة ما بين 2012 و2018.

uu

ويميل الشارع التونسي إلى فكرة العودة إلى تنفيذ احكام الإعدام وخاصة في جرائم الإعدام والجرائم الفظيعة التي بدأت في التكاثر خلال السنوات الماضية. لكن التزام تونس بالقوانين الدولية يجعل من الصعب أن تستجيب لدعوات تنفيذ أحكام الإعدام.

وبعد الأحكام الصادرة الأربعاء الماضي، جدد الائتلاف التذكير بمعارضته لقانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال في الصيغة المصادق عليها سنة 2015، وعلى وجه الخصوص في تنصيصه على عقوبة الإعدام، منبها إلى خطورة محاولة كل توظيف سياسي لقضية اغتيال بلعيد بغاية التطبيع مع هذه العقوبة والسعي لتفعيلها.

واعتبر أن إصدار الأحكام بخصوص جريمة اغتيال بلعيد بعد 11 سنة من وقوعها “يثبتُ مجددا أن العدالة في تونس تسير سير السلحفاة، ولم تكشف الحقيقة كاملة”.

وأكد على أن اجتثاث الإرهاب التكفيري والحيلولة دون إعادة إنتاج جرائمه يتطلّبُ معالجة الأسباب والدوافع السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والنفسية التي أدّتْ إلى ولادته وتوسّعه في تونس، مشددا على أن “مقاومة الإرهاب التكفيري عبر الوسائل الأمنية وحدها أو عبر التطبيع مع انتهاك الحرمة الجسدية والمعنوية واعتمادها مع الإعدام، ادعاء مخاتل وخطير وحلوله وهمية وهروب إلى الأمام لا طائل من ورائها”.

 وأكد الائتلاف إن المقاومة الفعلية للإرهاب هي في اجتثاثه من الجذور، وهي عملية متكاملة مشروطة بالتفكيك الفعلي للمنظومة الفكرية والسياسية لأخطبوط العنف السياسي التكفيري الذي نشأ وعاث فسادا وإجراما في تونس عبر الاغتيالات، وخارجها عبر التسفير لجحافل المقاتلين في سوريا وليبيا والعراق.

4