بعد "حرير" باريكو تأتي المرأة الشابة

الأحد 2016/06/19
يظن اليساندرو باريكو انه منذ 20 سنة لم تكتب رواية عظيمة

مثل أمبرتو إيكو صاحب رائعة “اسم الوردة”، لم يكن أليساندرو باريكو المولود في مدينة تورينو عام 1958، يفكّر في أن يكتب الرواية. وعند تخرجه من الجامعة، قسم الفلسفة، كتب العديد من المقالات والدراسات في مجال اختصاصه. كما أنه انشغل بالموسيقى الكلاسيكية، وعنها كتب مقالات نقدية في الصحف والمجلات الكبيرة.

وذات يوم طلبت منه صديقة حميمة أن يكتب لها سيناريو عن موسيقيّ من القرن الثامن عشر، فاستجاب لطلبها من دون أن تكون له معرفة بالتقنيات السينمائيّة. وقد شجعه النجاح الذي حققه في إنجاز السيناريو على الشروع في كتابة روايته الأولى التي حملت عنوان “قصور الغضب”. وهو يقول إنه كان يكتب بـ”طريقة متوحشة”، من دون أن يكلف نفسه البحث في أساليب فنية أو غيرها. وحال صدورها حققت هذه الرواية لصاحبها شهرة واسعة في بلاده.

فقد بيع منها ما يزيد على 300 ألف نسخة في بضعة أشهر. ونوّه بها كبار النقاد في الصحف وفي مختلف وسائل الإعلام ليصبح أليساندرو باريكو واحدا من أشهر الكتاب في بلاد دانتي. بعدها انكب على كتابة روايته الثانية “حرير”.

وتدور أحداث هذه الرواية القصيرة في القرن التاسع عشر. وبطلها شاب من مدينة صغيرة في جنوب فرنسا مهتمّ بدودة الحرير. وعندما ينتشر مرض خطير يهدد هذه الدودة بالانقراض، يسافر الشاب الذي يدعى هرفي جونكور إلى مصر لجلب الدواء، غير أنه يفشل في مهمته. عندئذ انطلق إلى اليابان، أو بالأحرى إلى أقصى العالم، بحثا عن الدواء الناجع. وعلى مدى أربع مرات، ظلّ يتردد على تلك البلاد ليعيش مغامرات مثيرة. كما أنه عاش قصة حبّ جنونيّة مع أميرة فائقة الجمال.
ومثلما كان حال “اسم الوردة” مع أمبرتو إيكو، حققت رواية “حرير” لأليساندرو باريكو شهرة عالمية واسعة، وفتحت له الباب عريضا ليصبح وجها بارزا في الثقافة الإيطالية.
لم تمنع النشاطات الإعلاميّة أليساندرو باريكو من مواصلة الكتابة في مجالات مختلفة. فقد أعدّ دراسة بديعة عن الموسيقيّ الكبير روسيني
وفي القنوات التلفزيونية الشهيرة دأب، خلال السنوات الماضية، على تقديم برامج ثقافية وفنية تتمتع بإقبال هائل من قبل المتفرجين، حيث أنه يقدم برامج عن الأدب والموسيقى في القناة الإيطالية الأولى.
وربما بسبب الشهرة الواسعة التي أصبح يحظى بها اقترح على صاحب “حرير” أكثر من مرة أن يكون وزيرا في الحكومة الإيطالية غير أنه رفض ذلك للحفاظ على استقلاليته وعلى حريته. وهو يقول “أنا أتشبث بحريتي مثلما يتشبث الغريق بحبل النجاة”.

ولم تمنع النشاطات الإعلاميّة أليساندرو باريكو من مواصلة الكتابة في مجالات مختلفة. فقد أعدّ دراسة بديعة عن الموسيقيّ الكبير روسيني. وفي مقال له حمل عنوانا مثيرا “روح هيغل وبقرات فيسكونسين” (مدينة أميركية مشهورة بتربية البقر)، انتقد الموسيقى الجديدة. كما أنه أسس مدرسة تحمل اسم هولدن، بطل رواية “حقل الشوفان” الذي يفر من المدرسة ليعيش المغامرات المثيرة التي تحرره من قيود التقاليد المجحفة. وفي هذه المدرسة يتعلم الشبان والفتيان فنّ الحكايات المشوّقة الشبيهة بالحكايات الشرقية القديمة، أو بحكايات العصور الوسطى في أوروبا.

وفي روايته الجديدة “الزوجة الشابة” سعى باريكو لأن يقطع مع كل الأساليب الفنيّة واللغوية التي استخدمها في رواياته السابقة. فالكاتب الحقيقي بالنسبة إليه لا يمكن أن يكرر نفسه، إذ يقول “كل رواية لها قصّتها. ثمّة كتّاب يفعلون الشيء ذاته في كل كتاب من كتبهم الجديدة. أما أنا فسوف أنزعج كثيرا من نفسي إذا ما أنا استخدمت في كلّ مرة نفس الأسلوب”، وفي رواية “الزوجة الشابة” اختار باريكو الواقعية السحرية التي تميّز بها كبار كتاب أميركا اللاتينية من أمثال أليخو كاربانتيي، وغابريال غارسيا مراكيز، وخوان رولفو، وغيرهم.

نهاية عصر الرواية العظيمة

وفي هذه الرواية يموت كلّ أفراد العائلة التي تروي الرواية قصتها، في الليل. لذلك هم يخشون الظلام، وفي كل صباح يقيمون احتفالا احتفاء بقدوم النهار. ويشير باريكو إلى أنه عاش في طفولته حياة مشابهة. فقد كان له عمّ سقط ميتا وهو يحلق ذقنه بعد قهوة الصباح. ومنذئذ انقطع كل أفراد عائلته عن حلق ذقونهم بعد قهوة الصباح!

وفي “الزوجة الشابة” يروي باريكو قصة فتاة في الثامنة عشرة من عمرها تأتي من الأرجنتين لتتزوج من شاب من جزيرة لومبيدوزا. وعند وصولها تكتشف أن خطيبها سافر في رحلة عمل إلى لندن ولا أحد من عائلته يعلم بتاريخ عودته.

وفي انتظار عودته تعيش الفتاة وسط عائلة غريبة الأطوار “تجهل تتابع الأيام، ذلك أنها لا تطمح سوى إلى أن تعيش يوما واحدا كاملا ومكررا إلى ما لانهاية”.
وشيئا فشيئا تتمكن هذه الفتاة من اكتشاف البعض من أسرار العائلة. فأخت الشاب الذي ستتزوجه فائقة الجمال مثل والدتها. وهي تقضي الليل في مداعبة نفسها. أما والدها الذي يحب ارتياد المواخير فيشرع في مغازلة خطيبة ابنه القادمة من الأرجنتين لتعليمها معنى المتع الجنسية في أشكالها المتنوعة والمختلفة.

وفي حوار أجري معه، أشار باريكو إلى أنه كان يطمح في البداية إلى كتابة روايات تكثر فيها المغامرات المثيرة على منوال “الفرسان الملكيّون الثلاثة” لأكسندر دوما. أما الآن فهو يرغب في كتابة رواية على غرار “فطور الصباح عند تيفاني”، أو “بدم بارد” لترومان كابوتي.

وهو يقارن الأميركي جوناثان فرانزن والياباني موروكامي ببيرة “هيانكن” الهولندية قائلا “هذه البيرة – أي الهاينكن- موجودة في كل مكان. وهي تعجب الجميع. وما يحظى بإعجاب الجميع مثل روايات فرانزن وموروكامي لا علاقة له بالأدب. وأنا اعتقد أنه لا توجد خلال العشرين سنة الماضية رواية واحدة تركت أثرا بارزا في الأدب العالمي مثلما هو حال ‘حقل الشوفان’ لسالينجر، وروايات سيلين على سبيل المثال لا الحصر!”.

كاتب من تونس

12