بطلات قصص العمانية آية السيابي نساء ضد الواقع

القصص تقدم حكايات بطلات لا نعرف هل هن محض خيال أم إنهن انعكاسٌ لواقع نساء يعشن بيننا.
الأربعاء 2021/06/30
شخصيات نسائية يحاصرها واقع مأزوم (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

عمان - منذ العنوان، تزود الكاتبة العُمانية آية السيابي قارئ مجموعتها “لن أواري سوأتي”، بتلميحات عن قصصها التسع، والأجواء العامة لها، مقدمة في المتن نصوصا كاشفة وناقدة ومعاينة للعديد من القضايا التي تمور تحت أغطية المجتمع، بالتلميح عبر الرمز مرة، وبالتصريح المباشر مرة أخرى.

تبني السيابي قصصها، الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمان (2021)، في حبكة سردية متقنة، وهنا يمكن القول إن الكاتبة تعمد أولا إلى اختيار الفضاء العام الذي تتحرك فيه الأحداث، ثم تختار الشخصيات التي يمكنها أن تحمل فكرتها وتعبر عنها، بمعنى أن الفكرة التي تريد إيصالها هي محور اهتمام السرد.

وتروم القصص إلى إمتاع المتلقي وإطلاعه على ثقافات جديدة مختلفة عن ثقافته الأصلية، وأيضا إثارة اهتمامه بمواضيع تتعلق بوضع النساء في أنحاء العالم قاطبة، وكأن المرأة / الأنثى تعيش حالة واحدة ومعاناة واحدة، وإن اختلفت تفصيلات هذه المعاناة وحيثياتها وأسبابها، أو بمعنى أن هناك وحدة حال للمرأة مهما كان مكان إقامتها، مثال ذلك قصة  “لطخة” التي تتناول فيها الكاتبة معاناة عاملة منزل آسيوية تترك طفليها وتسافر للعمل في دولة بعيدة.

ولمزيد من النقد الواقعي لحال المرأة التي تتكرر لتجعل الآلاف من النساء شريكات في المعاناة  نفسها، تضع الكاتبة في نهاية القصة صورة مؤلمة لأحد الأحياء الفقيرة في ذلك البلد الآسيوي “في أحد الأيام وأثناء انهماكها الشديد بمسؤولياتها، دخل سيدها لينقل لها خبر وقوع زلزال مدمر بلغت قوته 7.5 ريختر، وقد أودى بحياة العشرات من الناس، ولم يحصر العدد بشكل كامل حتى ذلك الحين. بعد عشرة أيام من الزلزال يستفيق الحزن من غفوته، يهطل متكاثفا ليعطل هذا الدوران، تردد ليانا باكية: نحن كائنات يأتي علينا كل الدهر ولا نكون يوما شيئا مذكورا”.

أحداث متراكبة ومتعددة

وفي تقديمها للمجموعة، تتساءل الشاعرة عائشة السيفي “هل هي حكايات نساء هن محض خيال أم إنه انعكاسٌ لواقع نساء يعشن بيننا؟ أم قصص نساء سيعشن السيناريُو مجددا مع تعديلات طفيفة؟ إنها ليست الحكايات فقط ما يُكتب في هذه المجموعة لكنها المشاعر والانثيالات والأوجاع والتفاصيل التي لا تُسمع على الملأ ولا حتى خلف الأبواب الموصدة، لكن قلم الكاتبة ما يلتقطها ويحفر فيها ويحوّلها إلى نصوص تقرأُ في هذه المجموعة”.

ويتشكل السرد في قصص السيابي من خلال انتقاء أحداث متراكبة ومتعددة تؤشر على وحدة التجربة الوجودية الأنثوية، وخلال ذلك تنشأ روابط منطقية بين الأحداث والموضوعات التي تتناولها، مما يفتح في النهاية نافذة مشرعة على العالم ومحافظة على رؤيته ضمن فضاء الواقع، وهذا ربما ما دفع الكاتبة إلى اعتماد التسلسل التعاقبي للزمن وتجنب التسلسل التراتبي، مع اعتماد التنوع في ضمائر السرد، فهناك الراوي العليم، وهناك الراوي بضمير المتكلم، وتقترب القصص التي تعتمد هذا الضمير إلى الانثيالات الداخلية والبوح الجواني، ومثال ذلك من قصة “أنا وأبي” في قولها “أبي رجل لا دموع له، لا يبكي، ويمقت عطف الآخرين عليه، لم يبك بين الجموع قط، حتى في وحدانيته، حين ماتت أمي، امتلأ قلب أبي بالثقوب، تفتت شبابه واشتعل رأسه شيبا”.

تتسم قصص السيابي بلغتها المدروسة التي تقدم الحدث بعيدا عن الإغراق في الشاعرية من جهة واللغة التقريرية من جهة أخرى، وهي تميل إلى استخدام الأفعال، مما منح النص حيوية وجعله حركيا مشوقا يشد القارئ إلى تتالي الأحداث وتعالقها لتكوين عالم متكامل أغلب بطلاته من النساء.

يقول الروائي أيمن العتوم في كلمته على الغلاف الأخير للمجموعة “لغة الكاتبة أنيقة ورشيقة ومكثفة، تلك اللغة اللذيذة التي تصل إلى المعنى بالإشارة دون الإفاضة، وبالتلميح دون التصريح، لكنها إلى ذلك لغةٌ نافذة موجعة، تضعك أمام المشاهد الصارخة مباشرة دون مقدمات، فتشعر بألم الطعنة وهي تغوص عميقا في الوجدان”.

وأضاف العتوم “امتلكت الكاتبة في هذه المجموعة قلبا شجاعا، ورأيا حرا، هكذا تكون الكتابة الحقيقية. لقد تخطت كثيرا من السدود من أجل أن تنقل الحقيقة، قلمُها مثل مبضع الجراح، يشق لكي يخرج الدمل، من النزيف يكون برء الجرح أحيانا، قلمها من ناحية أخرى عينٌ رائية ثاقبة، تدخل قلب المجتمع فتصور لنا أمراضه ومآسيه، وتجعلنا نعيش تلك الأحوال كأننا جزء منها، فنأسى ونألم، ولكننا في النهاية نعرف الحقيقة دون مواربة”.

14