بصاق الزمن الجميل

الزبائن المرضى لا يزالون يتقاطرون على زاوية سي عزيّز، ويتعاظم عددهم يوما بعد يوم.. مما أثار غيظ الأطباء والصيادلة وأصحاب المصحات ومراكز التداوي.
الثلاثاء 2023/08/15
البصاق السحري لسي عزيّز

“سي عزيّز” رجل يتولى معالجة مرضاه بالبصاق.

يكفي أن  يبصق “سي عزيّز” بلطف على موطن الداء، حتى تبدأ حالة المريض بالتحسن بعد فترة يحددها بالإشارات والعلامات.

جاء “سي عزيّز” من بلاد بعيدة لا يعرفها أحد، وقيل إنه امتلك هذه المعجزة الربانية من أحد أصحاب الكرامات قبل وفاته وائتمانه عليها، فاختار بدوره الشاب حمود كي ينظم له مواعيده ويؤتمن على أسراره.

تجمع ينتظره عند مدخل المبنى الحجري الأبيض في أعلى التلة، حشد من الرجال والنساء والأطفال من مختلف الأعمار آملين في بركاته، وقد تكبدوا عناء المجيء من قرى وبلدات بعيدة.

اشتد الوجع ببعضهم فافترشوا الأرض بانتظار أن يفتح المساعد حمّود باب الزاوية ويبدأ بإدخال المرضى واحدا تلو الآخر، مقابل مبلغ لا يقل عن ثمن ديك.. و”كل قدير وقدره” كما يقال.

ذاع صيت سي عزيّز، ووصلت شهرته إلى كافة القرى والبلدات المجاورة بل صار يأتيه أناس من مدن بعيدة بسياراتهم الفارهة ساعين وراء بصاقه المبارك.

انتعشت سوق القرية ونشطت حركة البيع والشراء بفضل البصاق السحري لسي عزيّز، حتى صار بعضهم يبيع منتجات من فواكه وخضراوات وقد “عمّدها” سي عزيّز، برذاذ بصاقه فيتهافت عليها الزبائن القادمون من بلاد بعيدة.

علامات النعمة بدأت تظهر على سي عزيّز، فسكن منزلا مرفها واقتنى سيارة فخمة يقودها مساعده حمود، الذي اكتنزت جيوبه، وتزوج من ابنة أحد المسؤولين الحكوميين في البلدة المجاورة، لكنه بقي ملازما لولي نعمته وطامعا في أن يورثه “كرامة البصاق” بعد عمر مديد كما وعده.

الزبائن المرضى لا يزالون يتقاطرون على زاوية سي عزيّز، ويتعاظم عددهم يوما بعد يوم، حتى أسس مقرا له في العاصمة واتسع نشاطه ليشمل الأقطار المجاورة، مما أثار غيظ الأطباء والصيادلة وأصحاب المصحات ومراكز التداوي.

لم يعد سي عزيّز يسمي مقر عمله “الزاوية” وإنما “العيادة”، وأصبح يكتفي بنخبة من الزبائن الأثرياء مودعا تلك الأيام التي كان ينشف فيها ريقه من كثرة البصاق على كل من هب ودب.

فاقت شهرته كل متوقع وأصبح لا يجالس إلا علية القوم من أهل المال والسلطة والنفوذ، خصوصا بعد أن صارت منتجاته من البصاق تُعلّب وتُسوّق خارج البلاد التي استفادت بدورها من عائدات العملة الصعبة.

حاول بعض المغرضين التحامل عليه وإحالته إلى القضاء بتهمة الشعوذة، لكنه يخرج منها في كل مرة “زي الشعرة من العجين”.. كيف لا، وغالبية المسؤولين من زبائنه.

فجأة مات سي عزيّز، في ظروف قيل إنها غامضة.

مهنته استمرت على يد مساعده حمود، بحكم الوصية التي تركها، لكن الكثير يشكك في جدوى وفاعلية بصاق حمود الذي عوّم السوق، بينما مازالت تتحسر الأجيال السابقة على “بصاق سي عزيّز” والزمن الجميل.

18