بسام كوسا.. ممثل سوري مدين لفن النحت بتشكيل مساره الفني

بسام كوسا: أظل فنانا هاويا والنجومية تقتل ملكة الخلق والإبداع.
السبت 2020/07/04
أتعامل مع جميع أعمالي بعين الناقد

قامة فنية سامقة، شكّل وجودها حضورا هاما في حركة الفن السوري، قدّمت أعمالا في المسرح والسينما والتلفزيون، وساهمت في إنجاح الكثير من الإنتاجات المحلية والعربية. إنها الفنان متعدّد المواهب بسام كوسا الذي التقته “العرب” فكان هذا الحوار عن بعض تفاصيل حياته الفنية.

دمشق – هواجس إبداعية عديدة عاشها الفنان السوري بسام كوسا قبل أن يحسم أمره ويختار فن التمثيل مهنة له، فبين بوح التشكيل الذي درس فنونه والقصة القصيرة التي كان يجترح فيها مواجعه الإنسانية ومن ثم الرغبة في تحقيق منجز إخراجي مسرحي وآخر سينمائي طاف بين العديد من منابر الإبداع؛ نحاتا فممثلا فقاصا فمخرجا، ثم هاويا؟

“العرب” التقت الفنان بسام كوسا لتحاوره في جوانب عديدة من تجليات حياته الفنية، وكانت البداية من فن النحت الذي تعلّمه في دمشق، فيقول “درست الفنون الجميلة قسم النحت بدمشق وكانت إحدى رغباتي الشديدة. وأثناء دراستي الجامعية وما بعدها عملت في التلفزيون والمسرح وظهرت لديّ الرغبة في التوجه نحو الدراما منذ تلك الفترة، وبعد التخرّج حسم الأمر بالنسبة لي وهو التوجه نحو الدراما وهذا ما كان”.

ومع ذلك لا تزال تسكنه الرغبة في التعامل مع الإزميل ليمارس هوايته الأزلية فن النحت، ويضيف “لكنه كأي فن آخر، هو فن أناني لا يقبل أن يكون شريكا مع فن آخر. أرى أن المهم هنا ما قدّمته لي دراسة النحت. فهي منحتني المعرفة الأكاديمية بالفن التشكيلي وأتاحت لي التوغل في المجال الدرامي بأطيافه الواسعة، كونه فنا يقوم على مجموعة من الفنون من نحت وتمثيل وإضاءة وأدب ورقص وشعر وغيرها، هذا ساعدني في بناء الحالة الخارجية للشخصية، كذلك فإن دراسة التشكيل أتاحت لي معرفة متى يتحوّل اللون إلى فعل درامي ومتى تكون حركة الجسد وآلية النطق وغيرهما أفعالا درامية”.

ويعترف الفنان السوري بأنه مدين لفن النحت بالفضل الكبير في تشكيل مساره الدرامي سواء في السينما أو التلفزيون، ومع ذلك يقول “لا أزال في فن التمثيل هاويا، فروح الهواية يجب أن تبقى موجودة عند كل مبدع لأنها تقدّم حالة الشغف، والاستكانة لفكرة الاحتراف تعطي نوعا من الاسترخاء، أما الهاوي فهو شغوف دائما، أنا محترف هاو في فن التمثيل”.

بين التمثيل والإخراج

للفنان بسام كوسا نظرة خاصة لفن الإخراج الذي عمل عليه مسرحيا وسينمائيا، فهو يراه مساحة خاصة تختلف عن مساحة التمثيل، وعن ذلك يقول “مفهوم الإخراج منطقة مختلفة عن مساحة الممثل، كيمياء عمل الممثل تختلف عن كيمياء عمل المخرج، والنقاط المشتركة بينهما هي الإلمام بعناصر العمل. فأنا كممثل عليّ أن أفهم لماذا يكون هذا اللون بهذه الكيفية؟ ولماذا وضعت قطعة الديكور تلك في هذا المكان وبهذا الشكل؟ أين الجانب المفيد بالنص؟ وأين الثرثرة فيه؟”.

القصة القصيرة تظلّ عنده أداة فنية مناسبة لبوح ما، شأنها في ذلك شأن فن النحت
القصة القصيرة تظلّ عنده أداة فنية مناسبة لبوح ما، شأنها في ذلك شأن فن النحت

ويضيف “هذه التفاصيل التي تبني العمل هي تفاصيل مشتركة على الجميع أن يعرفها، ومن هنا نجد أن هناك مخرجا جيدا وآخر سيئا. هم كلهم موهوبون، لكن أحدهم يعرف هذه الأدوات ويعرف كيف يستفيد منها، وآخر لا”.

ويقف كوسا من خياراته في تقديم الأدوار موقف العارف والمدقّق، فهو على يقين بأن ليس كل ما يقدّمه يرقى إلى مراتب عليا. لذلك يقول موضحا “أقدّم أعمالا عادية أحيانا، وهذا طبيعي، فلا وجود لمبدع تكون كل أعماله بسوية عالية، بل هي متفاوتة بالضرورة وهذه ظاهرة صحية”.

ومهنة التمثيل عنده “هي مهنة من يُطلب وليس من يَطلب”، فهو لا يطلب دورا ما بل يأتي أحدهم ليقول له “أريدك أن تكون في هذا الدور”. وهنا يوضّح “كيف أُطلب للدور هذا هو المهم، فمن خلال العمل التراكمي عبر بناء جدار الحياة المهنية المعقد والطويل يتحقّق ذلك. هنالك مجموعة مفاهيم كنت وما زلت مقتنعا بها، وهي تأتي بعد الخبرة والمعرفة”.

ويعترف الفنان السوري المخضرم في هذا الخصوص بأن مشكلته ليست مع الآخرين بل مع نفسه، كيف يسير؟ وأين يتجه؟ أين يتطوّر؟ وأين لا؟ وهو لا يعنيه إثبات قدراته التمثيلية لمخرج العمل، ولا يفكّر للحظة واحدة إن كان العمل سينجح أم لا، بل لا يبذل جهدا في ذلك، إنما تنحصر مهمته في بذل أقصى وأنبل ما يملك في مهمته كممثل، وهو يرى أن نجاح العمل من عدمه يقرّره رأي العامة من الجمهور والخاصة من النقاد.

وعن رأيه في النجومية وما قد تمليه من مفاهيم، يقول “فكرة النجم يساء فهمها في حياتنا، أدعي أنني متصالح مع نفسي وعندي من الاستقرار ما يجعلني أقول إنني ومن وقت مبكر جدا عزمت على ألا أكون نجما، بل أسعى لأن أكون ضروريا. وهناك فرق هائل بينهما.. أن تكون ضروريا، فهذا يعني أن عليك أن تطوّر من أدواتك، وبالتالي تصبح ضروريا”.

وهو يرى أن مفهوم النجم قد يصل في مرحلة ما إلى حدّ السخرية، متسائلا “ماذا يعني نجم؟”، ليجيب “النجم مفهوم فيه استكانة وتخدير ووهم، ومهنتنا أساسا فيها غبار ودخان يخفيان الحقائق، لذلك هي مهنة إشكالية”.

تنويعات جمالية

النحت ساهم في تشكيل مسار بسام كوسا الدرامي سواء في السينما أو التلفزيون
النحت ساهم في تشكيل مسار بسام كوسا الدرامي سواء في السينما أو التلفزيون

عبر العديد من القصص والكتابات المختلفة، كان بسام كوسا قد مهّد لحياته الإبداعية بالنشر في المحليات، وقد جمع بعضا من هذه الكتابات لينشرها في مجموعة قصصية سماها “نص لص”، والتي يقول عنها “لو عاد بي الزمن إلى الوراء لما نشرت هذه المجموعة، لكنني حاليا أحب حتى عيوبها التي ظهرت بها، عندما كنت في الجامعة وبعدها، نشرت في المحليات بعض القصص والكتابات ثم جمعتها في هذه المجموعة التي صدرت مرتين عن دار الجندي. لديّ مليون ملاحظة عليها ولو عاد الزمن بي فلن أنشرها، لكن القصص جاءت من وحي مرحلتها”.

ومع ذلك يقرّ بأن القصة القصيرة تظلّ عنده أداة فنية مناسبة لبوح ما، شأنها في ذلك شأن فن النحت الذي يمكنّه من قول شيء لا تقوله الدراما، والأمر ذاته ينسحب على الشعر الذي يقول ما لا يقوله المسرح. فلكل جنس فني مقوماته ولغته وما كان يعجز عن قوله في الدراما يقوله في القصة القصيرة.

وهو يرى القصة القصيرة جنسا أدبيا خلاقا ومغريا قوامه التكثيف “يمكن أن يكتب أحدهم قصة في يوم أو نصف يوم أو ربما في ساعة، لأن العقل يكون قد كثّفها خلال وقت طويل سابق فتخرج بسرعة كالشهب”.

الفنان السوري يعترف بأن دراسته الأكاديمية لفن النحت أتاحت له معرفة متى يتحوّل اللون إلى فعل درامي

ويبدو بسام كوسا متفاعلا مع السياسة في بلده ومحيطه والعالم، لكن بكثير من الوجع الروحي المبني على وجهات نظر قادته إلى شبكة من المفاهيم التي لا تأتلف مع الواقع الصاخب والقبيح.

تسأله “العرب” على من ترفع الصوت الآن في هذا الزمن المليء بالفوضى والضجيج والألم؟ فيجيب “لا جدوى من رفع الصوت، فكل ما جرى في بلادنا والمنطقة لم يدفعني إلاّ إلى الإحساس بالخجل”. ويسترسل “نحن الآن نعيش فترة الانحطاط الحديث لهذه الأمة والأسباب كثيرة.. لا أريد أن أقول شيئا محبطا، فالشعوب تواجه أزمات وتدخل في أنفاق مظلمة، لكن المصيبة الأكبر تكمن في كيفية الخروج من هذه الأزمات والاستفادة منها، دون أن نعود إلى مربع العصبيات والجهل والتخلّف. وما نعانيه الآن مرحلة حساسة جدا ظهرنا بكل عيوبنا أمام المرآة دون مكياج أو تجميل، وعلينا أن نستفيد من عرينا أمام أنفسنا”.

ومع ذلك لا يخفي الفنان السوري تفاؤله بقوله “الغد ملك الحياة، وبسبب ما تبقى من تفاؤل لديّ، ما زلت أقوم بالعمل على أقل تقدير دفاعا عن الحياة”.

15