بريطانيا تصحو على كابوس بيانات ما بعد الاستفتاء

أخيرا بدأت البيانات تكشف عن حصاد صدمة الاستفتاء البريطاني بعد شهر على التصويت للانفصال عن الاتحاد الأوروبي، بعد أن كانت مجرد ردود أفعال وتوقعات. وستبدأ الأرقام بالتدفق ليحصي البريطانيون حجم الخسائر الدقيق لأكبر انعطافة في تاريخ البلاد منذ عقود.
السبت 2016/07/23
في محيط من الغموض

عاد الجنيه الإسترليني إلى الهبوط مجددا بعد استراحة قصيرة منذ تشكيل الحكومة البريطانية، حين كانت الأسواق تترقب اتضاح سياساتها وطريقة تعاملها مع صدمة نتائج تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وفقد الإسترليني نحو 1.4 بالمئة أمس بعد نشر عدد من المؤشرات، التي أظهرت انكماش نشاط قطاع الأعمال بوتيرة سريعة منذ استفتاء الشهر الماضي، الأمر الذي يعزز التوقعات بأن بنك إنكلترا المركزي سيضطر لاتخاذ المزيد من الإجراءات في الشهر المقبل لتحفيز النمو.

وكان البنك المركزي قد امتنع عن خفض أسعار الفائدة في اجتماع الشهر الحالي بانتظار اتضاح تأثير الانفصال، لكنه أشار بوضح إلى أنه سيقدم حزمة محفزات للاقتصاد في اجتماع الشهر المقبل.

ويبدو من المرجح أن تتضمن الإجراءات خفض أسعار الفائدة الأساسية من مستوياتها القياسية المتدنية البالغة 0.5 بالمئة، والسماح للمصارف بتوسيع الاقتراض، وضخ سيولة كبيرة في الأسواق.

وفي أول مؤشر على آثار التصويت، انخفض مؤشر مديري المشتريات لقطاع الخدمات الذي تنشره مؤسسة ماركت، ليعكس انكماشا كبيرا، بعد أن كان يؤكد نموا كبيرا في الشهر الماضي.

وبلغت قراءة المؤشر 47.4 نقطة في الشهر الحالي مقارنة بنحو 52.3 نقطة في يونيو، مسجلا أكبر هبوط له منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1996 وأقل قراءة له منذ مارس 2009. يذكر أن حاجز 50 نقطة في المؤشر يفصل بين النمو والانكماش.

فرانسوا هولاند: لن نسمح بدخول السوق الأوروبية دون السماح بحرية تنقل الأشخاص

وفاجأت قراءة المؤشر توقعات الخبراء الذين استطلعت وكالة رويترز آراءهم، والذين رجحوا انكماشا طفيفا توقعوا انخفاضا أقل بكثير ليصل المؤشر إلى 49.2. كما انحدر مؤشر مديري المشتريات لقطاع الصناعات التحويلية إلى 49.1 نقطة في يوليو من 52.1 نقطة في الشهر السابق مسجلا أدنى مستوى له منذ فبراير 2013.

وسجل المؤشر المجمع الذي يشمل قطاعي الخدمات والصناعات التحويلية انكماشا كبيرا حين هبط إلى 47.7 نقطة في يوليو من 52.4 نقطة قبل الاستفتاء مسجلا أضعف قراءة له منذ أبريل عام 2009.

وقالت مؤسسة ماركت إنه إذا ظلت مؤشرات مديري المشتريات عند هذه المستويات فإنها ستعكس انكماشا في الاقتصاد بوتيرة فصلية قدرها 0.4 بالمئة وهي وتيرة انخفاض لم تشهدها البلاد منذ ركود الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008.

وتعد بيانات ماركت نسخا أولية لمسوحها الشهرية وتستند إلى 85 بالمئة من عدد الردود المعتادة والتي تم جمعها في الشهر الحالي، للوقوف على مستوى المعنويات بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، وستقوم بتحديث بياناتها أوائل الشهر القادم.

وسجل مؤشر الطلبيات الجديدة لشركات الخدمات أكبر انخفاض في تاريخه. كما سجل مؤشر التوظيف في قطاع الخدمات أول انخفاض له منذ ديسمبر 2012 وإن كان طفيفا.

وكان استطلاع لرويترز أجري في وقت سابق هذا الأسبوع توقع انزلاق الاقتصاد البريطاني إلى الركود في السنة المقبلة، ما يرجح قيام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة الشهر المقبل والبدء في شراء السندات من جديد.

وتأتي البيانات المخيبة بعد أن أظهرت أول اجتماعات لرئيسة الوزراء، تيريزا ماي، مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، صعوبة مخاض الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

تيريزا ماي: البريطانيون صوتوا لوضع ضوابط للحد من دخول الأوروبيين إلى بريطانيا

وكان هولاند قد أكد بعد لقائه مع ماي في باريس أنه لا يمكن لبريطانيا أن تحصل على الحق في الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة دون احترام الحريات الأساسية الأخرى للاتحاد الأوروبي. وجدد الموقف الذي كرره مرارا مع الكثير من الزعماء الأوروبيين بأنه “لا يمكن أن تكون هناك حرية للسلع وتداول البضائع وحرية حركة رأس المال، إذا لم تكن هناك أيضا حرية تنقل الأشخاص”.

لكن تيريزا ماي أكدت أن أحد الجوانب الرئيسية لتصويت البريطانيين لصالح مغادرة الاتحاد الأوروبي هو القدرة على وضع ضوابط للحد من عدد الأشخاص الذين يدخلون البلاد من الاتحاد الأوروبي، ما يعكس حجم المعضلة التي تواجه بريطانيا للتوفيق بين الأمرين.

ويمكن لفقدان حرية الدخول إلى السوق الأوروبية أن يوجه ضربة قاسية إلى نشاط الحي المالي في لندن، الذي يساهم بجانب كبير من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني.

وقد لوحت الكثير من المصارف العالمية وحتى البريطانية إلى إمكانيا نقل نشاطها إلى البر الأوروبي إذا فقدت بريطانيا حق التعاملات المالية داخل منطقة اليورو.

وقال هولاند إن حرية الحركة هي النقطة الأكثر “أهمية” في المفاوضات التي ستبدأ بعدما تطلب بريطانيا رسميا البدء في عملية الخروج، وأكد أن على بريطانيا أن تختار البقاء في السوق وتسمح بالتداول الحر أو “يكون لها وضع مختلف”.

ويرى مراقبون أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يسمح لبريطانيا بشروط تخفف وطأة خروجها من الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك قد يؤدي إلى تصاعد المطالبات في دول أخرى بالسير خلف بريطانيا، الأمر الذي يهدد بانهيار التكتل الأوروبي.

10