بريش: من يحاول فك تجميد الأصول الليبية الآن تحركه نوايا سيئة

لندن – اتهم عبدالمجيد بريش رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار، التي مقرها العاصمة الليبية، الجهات التي تحاول السيطرة على أصول المؤسسة، بأنها إما تريد استغلال تلك الأموال التابعة للشعب الليبي، وإما أنها لا تفهم قواعد إدارة أموال الصناديق السيادية.
وقال في لقاء مع “العرب” إن استمرار تجميد الأصول الليبية، الذي تم بموجب طلب المجلس الانتقالي في سبتمبر 2011، هو أفضل الخيارات، إلى حين قيام حكومة مركزية موحدة، من أجل عدم ضياع تلك الأموال.
وأكد أن المؤسسة الليبية للاستثمار، ومقرها طرابلس، تواصل الدفاع عن استقلالها التام عن الحكومتين المتنازعتين في طرابلس وطبرق، وأنها الجهة الوحيدة المسؤولة عن أصول الصندوق السيادي في جميع وثائق استثماراته الموزعة حول العالم.
استقلالية المؤسسة
وذكر أن محاولات المؤسسة المنافسة التي أنشأتها الحكومة المعترف بها دوليا في طبرق في أكتوبر 2014، انتزاع إدارة أصول الصندوق السيادي كبدت المؤسسة الكثير من الجهد والوقت والمال.
وأوضح أن محاولاتها في بريطانيا لانتزاع التمثيل الشرعي لم تسفر عن شيء، بعد تبديد الكثير من الأموال والجهود. وأكد أن السلطات البريطانية قالت في النهاية إنها تعترف بالبرلمان والحكومة الشرعية، لكنها لا تعترف بالمؤسسات المنبثقة عنهما، لمنافسة المؤسسات السيادية في طرابلس.
وأكد بريش أن المؤسسة الليبية للاستثمار وكذلك البنك المركزي والمؤسسة الليبية للنفط، لا تزال مستقلة ولا تخضع للحكومة المنبثقة عن المؤتمر العام في طرابلس.
وحذر من أن الظروف الحالية غير مناسبة للبدء برفع التجميد عن أصول صندوق الثروة السيادي، معلنا معارضته لخطط الإدارة المنافسة. وقال إن أي رفع للتجميد قد يعرض الأموال للخطر بسبب صراعات الأطراف السياسية على أموال الشعب الليبي.
ويجري بريش حاليا لقاءات مع محامين وصحفيين ومصرفيين في لندن لإيصال رسالة واضحة تؤكد ضرورة عدم العبث بالحسابات المجمدة.
وأضاف أن أي تصرف في أموال صندوق الثروة السيادي سيكون “شيئا خطيرا جدا” إذا حدث قبل تحقيق الاستقرار على الأرض وقيام حكومة مركزية توحد البلاد.
وحسب بريش فإن أصول المؤسسة موزعة في نحو 550 شركة حول العالم، وأن نحو 85 بالمئة منها مجمدة بموجب قرارات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وأن النسبة المتبقية هي أموال دخلت بعد قرار التجميد في سبتمبر 2011.
وشدد على أن المهمة الأساسية التي يركز عليها حاليا هي استمرار التجميد إلى حين قيام حكومة مركزية، ومراقبة أداء تلك الأصول ومحاولة تحسين أدائها.
عبدالمجيد بريش: استمرار تجميد الأصول الليبية هو أفضل الخيارات، إلى حين قيام حكومة مركزية موحدة، لحمايتها من الضياع
وقال إنه حين تسلم رئاسة المؤسسة في عام 2013، لم يكن هناك أي تقييم لحجم الأصول، وأن المؤسسة أنجزت تقييما شاملا استنادا إلى الحسابات الختامية لعام 2012 بالتعاون مع مؤسسة ديلويت البريطانية، وهي إحدى أكبر شركات المحاسبة والاستشارات في العالم.
وقال إن ذلك التقييم استند إلى معلومات مصدقة من المؤسسات المالية الحكومية والدولية، وتم إنجاز دراسة فنية ومالية لتحسين أداء تلك الأصول.
حجم الأصول السيادية
وأضاف أن التقييم أظهر أن حجم الأصول يقدر بنحو 67 مليار دولار، وأن نحو 90 بالمئة منها تقريبا موجودة في الأسواق العالمية المتقدمة وخاصة أوروبا وتدار من قبل إدارات مهنية تتابع المؤسسة عملها.
وتقدر أصول الصناديق السيادية الليبية في البلدان العربية بنحو 6 مليارات دولار، معظمها في مصر، تليها تونس والمغرب، إضافة إلى بعض الأصول الصغيرة في بلدان أخرى.
وذكر بريش أن معظم تلك الأصول ارتفعت أسعارها لأنها ملك تام للمؤسسة وتتركز في العقارات والأراضي، حيث تملك المؤسسة على سبيل المثال، فندق شيراتون القاهرة ونحو 40 هكتارا من الأراضي في وسط العاصمة المصرية.
وأشار إلى أن سوء إدارة الأموال الليبية يظهر جليا في أفريقيا، حيث استثمر نظام القذافي نحو 1.5 مليار دولار في نحو 12 بلدا أفريقيا، معظمها في شركات اتصالات، وكان غرضها في الغالب الدعاية السياسية.
وقد تلاشت تلك الاستثمارات تماما باستثناء بعض الأصول القليلة في أوغندا وساحل العاج اللتين قامتا بتأميم تلك الشركات في السنوات الأخيرة. وأكد أن معظم أصول المؤسسة الليبية للاستثمار منتشرة في حصص أسهم وأوراق مالية وسندات في الاقتصادات المتقدمة، إضافة إلى حصص في عدد من شبكات المصافي النفطية ومحطات الوقود والعقارات.
|
إعادة هيكلة المؤسسة
وقال بريش إن المؤسسة قامت بإعداد خطة في عام 2013 لتقسيم الأصول الموزعة في نحو 550 شركة ووضعها في محفظتين، تضم الأولى التي تحمل اسم “لغسي” نصف الشركات تقريبا، والتي ينبغي الخروج منها وتصفيتها. أما المحفظة الثانية (هولدنغ) فتضم الأصول الجيدة، التي ينبغي العمل على تحسين أدائها وتطويرها.
وقال بريش إن المؤسسة اقترحت إنشاء “صندوق الأجيال القادمة” الذي تدخل فيه السيولة من فائض مبيعات النفط والغاز الليبي، ليتم استثمارها في الأسواق الدولية، ويكون القرار فيها للجان متخصصة في المؤسسة الليبية للاستثمار، في حين تعطى الإدارة لمؤسسات دولية متخصصة.
وقدمت المؤسسة في العام الماضي قبل انقسام السلطة إلى حكومتين متنافستين، مشروعا لاستقطاع 10 إلى 20 بالمئة من عوائد النفط والغاز، لتأسيس صندوق لدعم الميزانية العامة وتحقيق التوازن فيها بموجب الضوابط العالمية للبنك الدولي.
وذكر بريش إن المؤسسة الليبية للاستثمار اقترحت أيضا إنشاء صندوق آخر باسم “صندوق التنمية الداخلية” بقيمة 7 مليارات دولار، يتخصص في إنشاء مشروعات داخل ليبيا لتحريك الاقتصاد، وتستند إلى معايير تجارية وبالشراكة مع شركات أجنبية لضمان الشفافية والخبرة والمواصفات العالمية.
وأضاف أن المؤسسة تسعى من وراء تلك المشاريع لتنمية البلاد وخلق فرص عمل، لتقوم بعد ذلك بطرحها في البورصة أو بيعها والانتقال إلى مشاريع أخرى لتطوير الاقتصاد في جميع أنحاء البلاد.
وأشار على سبيل المثال إلى خطة عرقلتها الصراعات السياسية لإنشاء مدينة طبية كبيرة مع شريك أجنبي وفق أحدث المواصفات العلمية والطبية والاقتصادية قرب العاصمة طرابلس، وترتبط بفرع لها في جميع أنحاء البلاد.
دعاوى قضائية
أما على صعيد آخر التطورات في الدعاوى القضائية التي أقامتها المؤسسة ضد مصرفي غولدمان ساكس الأميركي وسوسيتيه جنرال الفرنسي أمام المحاكم البريطانية، فقد أكد بريش أن المؤسسة تواصل متابعتها، لكن تدخل المؤسسة المنافسة التي يرأسها حسن بوهادي تهدد بضياع تلك الجهود.
67 مليار دولار حجم الأصول الليبية ونحو 10 بالمئة في البلدان العربية
وقال إن المنافسة على شرعية التمثيل لا وقت لها، وأنه دعا بوهادي إلى العمل معه في إطار المؤسسة الليبية للاستثمار لتوحيد الجهود نحو الهدف الأساسي وهو حماية أموال الشعب الليبي، وعدم تضييع الجهود والأموال.
وأوضح أن المؤسسة استثمرت من خلال بنك غولدمان ساكس نحو 1.3 مليار دولار خلال عهد القذافي، وأن تلك الاستثمارات لا تعادل اليوم سوى نحو 100 مليون دولار، رغم أن المصرف حقق أرباحا من إدارة تلك الاستثمارات تصل إلى 350 مليون دولار.
وتتهم المؤسسة غولدمان ساكس باستغلال قلة خبرة موظفيها في عهد النظام السابق، لتوجيههم إلى استثمارات غير مجدية ومحفوفة بالمخاطر، وهي تطالبه بدفع تعويضات تصل إلى مليار دولار عن تلك الخسائر.
أما القضية المرفوعة ضد مصرف سوسيتيه جنرال، الذي استثمرت المؤسسة من خلاله نحو 1.5 مليار دولار، فتتعلق بالفساد ودفع رشاوى لمسؤولين سابقين. وتقدر قيمة تلك الاستثمارات حاليا نحو 750 مليون دولار، أي أنها فقدت نحو نصف قيمتها.
وقال بريش إن الصراع غير المجدي على التمثيل الشرعي في تلك القضايا انتهى بإعادة تثبيت المحامي الذي عينته المؤسسة الليبية للاستثمار، بعد ضياع الكثير من الجهود والأموال، وتعيين حارس قضائي لحماية المصالح الليبية.