بروكسل تعرض أهم أعمال النمساوي غوستاف كليمت رائد حركة الانفصال الفني

بروكسل – تتصدّر أعمال رائد التيار الرمزي النمساوي غوستاف كليمت (1862 – 1918) معرضًا ثلاثي الأبعاد في العاصمة البلجيكية بروكسل.
ويُمكن للزوّار اكتشاف هذه الأعمال أيضًا بواسطة تكنولوجيا الواقع الافتراضي ضمن المعرض الرقمي الذي يحمل عنوان “غوستاف كليمت.. التجربة الغامرة” والذي يتواصل إلى غاية 5 سبتمبر 2021.
وتسمح التقنية المُستخدمة بمشاهدة التحف الرئيسية للفنان والمراحل البارزة من مشواره المهني، حيث يجري عرض أكثر من 200 لوحة ورسم لعملاق الرمزية النمساوية الذي يعدُّ واحدًا من أبرز أعضاء حركة الفن الحديث والانفصال في فيينّا.
وتقدم أعمال كليمت عبر عملية إخراج طريفة للوحات والبورتريهات والمناظر والزخارف المذهبة والألوان المتلألئة، والتي أحدثت ثورة في الفن النمساوي أواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.
حينها برز كليمت كواحد من أهم الفنانين الذين رصعوا شارع رينغستراس الشهير بصروح ونصب تذكارية بديعة. ورث الولع بفنون الزخرفة والترصيع عن أبيه إرنست كليمت، الصائغ الذي مارس حرفة نقش المعادن الثمينة وترصيعها، وتمرس بها عند التحاقه بمدرسة الفنون والصنائع بفيينا عام 1876.
بدأ كليمت حياته مزيّنا ضمن فريق هانس ماكارت وهو لا يزال طالبا، قبل أن ينضم إلى فرقة الفنانين التي كانت وسيطا بين أهل الفن والجمهور، فضلا عن دورها في مساعدة المبتدئين والتعريف بهم.
وكان أهم حدث في حياته خلال تلك الفترة تزيينه قلائد مدارج متحف تاريخ الفن، ثم فتح عام 1883 مشغلا صحبة أخيه، وأنجز عدة جداريات حوت رموزا وشعارات على الطريقة الأكاديمية الكلاسيكية.
وعُهد له في تلك الفترة بتزيين جدران وسقوف بيوت فاخرة ومسارح ومنشآت عامة أكسبته الشهرة، ونال عن مجملها عام 1888 الصليب الذهبي للاستحقاق الفني من يد الإمبراطور فرانسوا جوزيف نفسه.
ولم تمض بضع سنوات حتى بدأ يهجر الأساليب الأكاديمية ويختط أسلوبه الخاص في أعمال فنية مستحدثة، وبدأ يخالط كتابا مثل أرتر شنيتزلر وهوغو فون هوفمانستال وهرمان بار، ويهتم بالرمزية والانطباعية. ثم اكتشف خلال معرض أقيم عام 1895 أعمال ماكس ليبرمان وفيليسيا نروبس ويوليوس كلينغر وأرنولد بوكلين وأوغست رودان اكتشافا فتح أمامه آفاقا رحبة.
وفي عام 1897 أسس مع أصدقائه كولومان موزر وجوزيف ماريا أولبريخ وكارل مول وجوزيف هوفمان وماكس كورزفيل وجوزيف دي أنغلهارت وإرنست ستور ما عرف بمجموعة الانفصاليين.

كما ساهم خلال العام نفسه، رفقة تسعة عشر رساما، في بعث اتحاد للفنانين التصويريين عرف بالانفصال الفييني، وذلك للتمرد على جمود الأكاديمية النمساوية التي عدها كليمت وأنصاره مسؤولة عن “الظلامية” الفنية. وكان الاتحاد صدى لحركات التجديد في البلدان المجاورة، كحركة الفن الجديد بفرنسا وحركة الأسلوب الجديد في ألمانيا.
ورغم السمعة التي حَظي بها لم ينج من الانتقادات اللاذعة التي صدرت من خصومه بسبب مواقفه الحادة تجاه الفن الأكاديمي في المقام الأول، وتجاه لوحات خالفت الذائقة السائدة في المقام الثاني، خصوصا لوحاته التي أنجزها في الفترة الممتدة بين 1900 و1907 بطلب من جامعة فيينا لتزيين رواق مدخلها، وعرضت تباعا في معرض الانفصاليين.
وشهدت سنة 1902 انطلاق المرحلة الذهبية للفنان؛ فقد أنجز أعماله المعروفة، مثل “ثعابين الماء” و”بورتريه آديل بلوك”. ثم عدل عن الذهب بعد زيارات قادته إلى البندقية ورافين وفلورنسا وباريس، حيث اكتشف فان غوخ ومونك وتوروب وغوغان وبونار وماتيس.
وانكب على رسم مناظر مشاهد استعارية كثيفة الزخرفة، دقيقة الخطوط، زاهية الألوان، قريبة من تنقيطية سورا ومن فان غوخ وبونار أحيانا، قبل أن يكرسه معرض البندقية عام 1910 كمزين نهاية القرن ورسام الأنتلجنسيا ومبتدع الفن الزخرفي.
وتعتبر لوحة القبلة التي رسمها كليمت بين عامي 1907 و1908 أشهر أعماله على الإطلاق، وتلاقي اليوم إقبالا كبيرا في معرض الفنان. وقد أثارت هذه اللوحة في البداية جدلا واسعا في الأوساط الشعبية في فيينا، فقد كانت مثار حديث في أوساط الفن التشكيلي نظرا إلى المهارة الفائقة التي نفذت بها ورمزيتها العميقة؛ حيث قام كليمت بتوظيف إحساسه المترف وشهوانيته تجاه جسد الأنثى فبحث في اللوحة روح الإثارة الجنسية مستخدما الألوان الداكنة والخطوط الذهبية. تعتبر استعادة الفنان اليوم استعادة لمدرسة فنية كاملة كان كليمت رائدها ومازالت راسخة إلى الآن في الفن التشكيلي العالمي.