برنامج الحكومة الجديدة لا يتسق مع تطلعات المصريين

القاهرة- توجست دوائر مصرية معارضة من تصدر تحديات الأمن القومي وتطوير السياسة الخارجية محاور برنامج عمل الحكومة المصرية الجديدة الذي قدمت خطوطه العريضة إلى البرلمان قبل أيام، في وقت تصدر فيه الملف الاقتصادي اهتمامات الناس، وكان أحد عوامل تغيير الحكومة السابقة، ما يشير إلى عدم توقف المتاعب المعيشية.
وألمحت جهات حكومية إلى أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من زيادات أسعار السلع والخدمات، وضغوطا مضاعفة على شريحة من المواطنين تعاني من سوء أوضاعها المعيشية وصعوبة في سد احتياجاتها اليومية. وهدفت الحكومة من وراء التركيز على التحديات الخارجية إلى تحميل الأزمات الناجمة عنها مسؤولية المشكلات الاقتصادية وتأثيرها القوي على الاستقرار العام في البلاد.
واستعرض رئيس الحكومة مصطفى مدبولي الاثنين الماضي برنامج عمله أمام مجلس النواب (البرلمان) في العاصمة الإدارية، شرق القاهرة، بحضور جميع الوزراء، واصفا حكومته الجديدة بأنها “حكومة تحديات” وتضع نصب عينيها قضايا الأمن القومي وبناء الإنسان وتطوير متطلبات المواطنين ومواصلة مسار الإصلاح الاقتصادي.
وشكل البرلمان المصري لجنة خاصة برئاسة وكيل أول المجلس أحمد سعدالدين، و42 عضواً، من بينهم ممثلون عن المعارضة، لدراسة برنامج عمل الحكومة وإعداد تقرير في غضون عشرة أيام وعرضه في أول جلسة تالية لانتهاء هذه المدة.
وهناك مؤشرات على أن البرنامج قد يخضع للتعديل أو إعادة ترتيب الأولويات وقد تصل إلى حد إعفاء وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف الذي أثير جدل حول شهاداته الجامعية والأكاديمية الحاصل عليها.
وأدت التأثيرات التي تركتها صراعات بالقرب من الحدود المصرية واضطراب الأوضاع في جنوب البحر الأحمر وانعكاساتها على عائدات قناة السويس إلى شرح ما نجم عنها للرأي العام والتعريف بتأثيراتها على الاقتصاد، ما يعني أن حل الأزمات بحاجة إلى وقت، ولا تملك الحكومة الجديدة عصا سحرية لتحسين الأوضاع سريعًا.
ويعكس برنامج عمل الحكومة، الذي جعل من الاقتصاد محورا ثالثا بعد مهددات الأمن القومي وبناء الإنسان، أن الأولوية في هذه المرحلة تتمثل في الحفاظ على المكتسبات السابقة التي تحققت بفعل قوة المؤسستين الشرطية والعسكرية وتوجيه المزيد من الدعم لهما استعداداً لأي مفاجأة.
ويشي تصنيف محور بناء الإنسان في المرتبة الثانية بالحرص على تطوير الجوانب المجتمعية ذات الارتباط بمهارات المواطنين وقدرتهم على تحسين الواقع المعيشي الخاص بهم، على أن تكون مساهمة الحكومة في توفير فرص التطوير من خلال التدريب والتعليم وليس عبر تحسين واقعهم المعيشي بشكل مباشر، والذي يحتاج أموالا ضخمة لن تستطيع موازنة الدولة توفيرها، حيث يذهب جزء معتبر إلى سداد الديون الخارجية.
ويضمن المحور الأول المعني بحماية الأمن القومي حماية الدولة واستقرار حدودها، ودعم القدرات العسكرية للجيش، وتعزيز أمن البحر الأحمر وقناة السويس، ودعم مكافحة الإرهاب، فضلا عن تطوير السياسة الخارجية وتعزيز دور القاهرة الإقليمي.
وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السفير رخا أحمد حسن إن التحديات الخارجية موجودة بشكل مستمر، ومصر بمفردها لا تستطيع أن تجد حلولا لها، وهناك قضايا وأزمات تم تدويلها، وتوجد أطراف عديدة ضالعة فيها.
وأضاف أحمد حسن في تصريح لـ”العرب” أن “بيانات عمل الحكومات يجب أن تكون أولوياتها نحو تحسين أوضاع المواطنين بقرارات تعبر عنهم، والإعلام الحكومي عكس هذه المشكلات أخيراً، وكان المأمول أن تأتي في صدارة محاور برنامج عمل الحكومة، ويأتي الشأن الخارجي في مرتبة تالية، على أن يتضمن البيان وضع نقاط رئيسية تشرح طرق معالجة الأزمة الاقتصادية”.
وأشار إلى أن الحكومة الجديدة لم تقدم برنامجا تنفيذيا لعملها تضعه أمام البرلمان ويتم النقاش حوله قبل أن يعتمده ويتابع تطبيقه وتعديله أو تصويبه إذا لم تلتزم به، وهو ما يخدم الحكومة ويجعلها في مركز قوي وتتحصن بالمعارضة التي تعمل على تحسين أداء عملها، لافتا إلى أن النأي عن وضع خطة واضحة للعمل لا يمكن أن يحقق التقدم المطلوب.
ومعروف أن الحفاظ على الأمن القومي قضية بديهية في عمل الحكومات، وتلاشي خطر الإرهاب في الداخل مؤشر إيجابي على الاتجاه نحو التحسن الاقتصادي، وامتلاك الدولة جيشا قويا ومؤسسة شرطية عريقة يسهل مهمة توجيه الاهتمام نحو الخروج من المأزق الاقتصادي.
واعتبر السفير رخا أحمد حسن في حديثه لـ”العرب” أن “استمرار إلقاء اللوم على أزمات الخارج لن يحقق المرجو من تحسين أوضاع الاقتصاد”، مشددا على أن التطورات الخارجية لها تأثير سلبي، لكنها ليست أساس الأزمة الاقتصادية في مصر.
وأكّد على أن تطوير السياسة الخارجية بحاجة إلى قرارات تثبت القدرة على التحكم في زمام المبادرة تجاه التعامل مع عدد من الملفات الإقليمية الشائكة، وهذا التطور يشمل تعيين سفير جديد في دمشق، ورفع العلاقات الدبلوماسية مع إيران مع انتخاب رئيس جديد، وتطوير أدوات العمل بشأن التعامل مع الأزمات الإقليمية.
وتنبع تهديدات الأمن القومي الأكثر خطورة من الصعوبات التي يواجهها المصريون في حياتهم اليومية، ومتاعب توفير الطعام والشراب والاحتياجات الأساسية للحياة، وتسليط الضوء عليها هو تطور مهم بحاجة إلى أن ينعكس على أداء الحكومة بوضوح.
وشددت فريدة النقاش، عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية في البرلمان)، على وجود قضايا ذات أولوية عاجلة يجب على الحكومة أن تعالجها، وكان من المفترض أن تأتي في صدارة عملها، في مقدمتها تحقيق الاستقرار السياسي والبحث عن حلول لمشكلات الأمن الغذائي مع الزيادات المضطردة في عدد السكان والبحث عن موارد جديدة، وتنمية الموارد المحدودة الحالية، وأنه من المتوقع أن يدخل مجلس النواب تعديلات على الأولويات بما يحقق تطلعات المواطنين قبل انتخابات العام القادم.
وذكرت النقاش في تصريح لـ”العرب” أن “وجود وزير يثار الجدل حول شهاداته الجامعية قضية خطيرة تحتاج إلى معاملة تتسم بالدقة والموضوعية كي تتجنب الحكومة الاتهامات الموجهة إليها، فرحيل الوزير لن يضر بصورة الدولة”.
وسألت الإعلامية قصواء الخلالي، مقدمة برنامج “في المساء مع قصواء” عبر فضائية “سي بي سي”، هل من المنطقي أن نظل صامتين أمام الجدل حول مؤهلات وزير التعليم الجديد؟ أين سمعة مصر من التساؤلات الخاصة بمؤهلاته؟
وقالت “نأمل من رئيس الحكومة الرد على تساؤل محدد، هل تقبل الدولة أن تستمر الشكوك داخليًا وخارجيًا على مؤهلات وزير التعليم؟ إذا صحت التساؤلات الخاصة بمؤهلات الوزير الجديد، فالتراجع عن قرار تعيينه بالحكومة سيكون صائبا ومحترما”.