برلين تنتظر سبتمبر لتستعيد حياتها الثقافية

برلين – تحظى برلين بمشهد ثقافي حافل تغبطها عليه مدن أخرى، حيث بها 15 مسرحا وسبع فرق موسيقية كبيرة (أوركسترا)، و3 دور أوبرا و170 متحفا.
ولكن تفشي وباء كورونا المستجد ألقى بظلاله على الحياة الثقافية في العاصمة الألمانية، ووضعها أمام مستقبل غامض، في وقت يبحث فيه المسؤولون حول المخاطر التي قد تترتب على إعادة تنظيم فعاليات ثقافية كبرى.
وأطلق روبن تيشياتي، مدير الأوركسترا السيمفونية الألمانية، في برلين، برنامج الفرقة الشهر الماضي “بروح أمل واقعي” وقال “لا نعرف متى سنعزف ثانية”.
وأعلنت “أوركسترا برلين الفيلهارمونية”، الشهيرة، أنها لا تعرف متى يمكن أن تعود الحفلات الحية من جديد.
وفي الوقت الذي بدأت فيه السلطات الألمانية تخفيف العديد من القيود التي فرضتها منذ منتصف شهر مارس الماضي لكبح جماح تفشي وباء كورونا، لا يزال من المرجح عدم إعادة فتح دور الأوبرا أو قاعات الموسيقى والمسارح قبل بضعة أشهر أخرى، في ظل الحظر المفروض على الفعاليات العامة في أنحاء ألمانيا حتى 31 أغسطس المقبل.
وفي نفس الوقت، بدأت بوتيرة بطيئة عمليات إعادة فتح محال الحلاقة ومصففي الشعر ورسم الوشم “تاتو”، والمطاعم، والفنادق، وأحواض السباحة الخارجية، والمدارس والمتاحف.
المشهد الثقافي المثير لبرلين لن يعود فعليا إلى الحياة الواقعية قبل أشهر من الآن، لكن هناك بدائل
ولا يزال الغموض يكتنف الموعد الذي يمكن فيه لما يصفه تيشياتي بأنه “المشهد الثقافي المثير لبرلين”، أن يعود فعليا إلى الحياة على خشبة المسرح، والظروف التي يمكن أن يحدث ذلك في ظلها.
وسعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى تبديد مخاوف المؤسسات الثقافية، عندما أكدت في آخر رسالة فيديو أسبوعية لها، على دعم الحكومة للفنون.
وقالت ميركل “أدرك ما نفتقده جميعا، وأدرك كيف ينتظر كثير من المواطنين أن يتمكنوا من مشاهدة العروض الثقافية الحية مجددا”.
وأضافت “حتى ذلك الحين، سنسعى إلى أن ندعمكم بأقصى ما في وسعنا من خلال برامج المساعدة الخاصة بنا”.
ويستطيع العاملون في مجال الفنون التقدم للحصول على دعم من مجموعة من البرامج العامة، وبينها برنامج المساعدة الحكومي الذي يبلغ رأسماله 50 مليار يورو (54.4 مليار دولار) والمخصص لأصحاب الأعمال الصغيرة، أو من يعملون لحسابهم الخاص.
ولكن أوليفر ريس، المدير العام لفرقة برلين المسرحية حذر من الوضع الجديد الذي يواجه الفنانين والجمهور في المدينة.
ويعتقد ريس أنه بمجرد أن تعيد المسارح فتح أبوابها سيكون للفايروس “عواقب بالغة”، على العروض المسرحية، مشيرا إلى كيفية وضع المقاعد، وترتيب المجموعات وطريقة أداء التدريبات (البروفات).
وأضاف أن فرقة برلين المسرحية التي أسسها الكاتب الشاعر والكاتب المسرحي بيرتولت بريخت في يناير عام 1949 تبحث إمكانية استئناف نشاطها الألماني بحلول شهر سبتمبر المقبل، ولكن فقط بطاقة 200 مقعد من إجمالي 700 مقعد في مسرحها.
وقال ريس “من أجل الامتثال للإجراءات الاحترازية، سيتعين علينا العمل بعدد أقل من الفنيين، وهو ما يعني أننا لن نستطيع ترتيب المجموعات وتفكيكها بالطريقة الطبيعية أو بالسرعة المعتادة”.
أما من لا يطيقون الانتظار إلى حين عودة الأداء الحي، فقد لجأت الدور الثقافية في برلين إلى تقديم برامجها عبر الإنترنت.
وسجل حوالي 100 ألف شخص الدخول على المعرض الرقمي الذي تم إطلاقه في وقت سابق الشهر الجاري في الذكرى الخامسة والسبعين لهزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، بعدما أجبر وباء كورونا المنظمين على إلغاء فعاليات عامة كانت مقررة في هذه المناسبة التاريخية الفارقة.
وقال مسرح “شتات أوبر” العام في برلين، إن عروضه الرقمية شاهدها الجمهور في 48 دولة، وكانت هذه العروض فرصة للوصول إلى الشباب، وقد شكلت الفئة العمرية ما بين 25 و34 عاما، ثاني أكبر مجموعة عمرية بين الجمهور.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قدمت “أوركسترا برلين الفيلهارمونية” عرضا للاحتفال بذكرى تأسيسها، ولكن في قاعة خاوية.
وتم ترتيب الموسيقيين في مجموعة صغيرة على مسرح “أوركسترا برلين الفيلهارمونية”، مع مراعاة شروط التباعد الاجتماعي. وعوضا عن الجمهور المباشر، تم بث الحفل، الذي قاده الموسيقار كيريل بيترينكو، مباشرة عبر التلفزيون والإذاعة والإنترنت، ووصل عدد المتابعين إلى حوالي 572 ألف شخص في أكثر من 80 دولة.
وقال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في رسالة ترحيب قبل الحفل “يا له من مناخ غريب”.
وأضاف “هنا، داخل هذا المبنى الرائع، الذي يعرفه العالم برمته، والذي يحبه جميع عشاق الموسيقى: هنا، حيث يجتمع كثير من الضيوف من كل حدب وصوب: هنا الوضع هادئ تماما”.
كما بدأ قبل أيام مهرجان كورونا الدولي الأول للأفلام الوبائية القصيرة عبر فضاء الإنترنت من ألمانيا.
المهرجان الذي يعد الأول من نوعه والذي يأمل المنظمون أن يكون الأخير أيضا، عبارة عن مسابقة تم إطلاقها حديثا عبر الإنترنت للأفلام القصيرة التي بدأت كرد فعل على تطورات فايروس كورونا الحالية. إدراكا للتأثير المدمر للوباء وسيتم اختيار الفائزين من وجهة نظر الجمهور عبر الإنترنت وسوف تتأهل الأعمال المختارة لمهرجان “إنترفيلم” في برلين مباشرة.
يقول منظمو هذا المهرجان؛ نريد أن نحقق أقصى استفادة من وضعنا ونمنح تحديا إبداعيا بالنسبة إلى محترفي الأفلام وعشاقها الذين أعادوا بالفعل مشاهدة جميع المسلسلات والأفلام المفضلة، وقرأوا جميع الكتب على الرف ولعبوا ألعابا عبر الإنترنت لعدة أيام، قد يكون هذا هو الحل الأفضل للتعامل مع الركود الإبداعي في أوقات التدابير الاحترازية والعزلة الذاتية.