برلمان ليبيا يستعد لمناقشة أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة

بنغازي (ليبيا) - كشفت عضو مجلس النواب الليبي عائشة الطبلقي أن كتلة المرأة البرلمانية ولجنة المرأة بالمجلس بصدد القيام بمساع حثيثة داخل البرلمان من أجل استصدار قانون “تجريم العنف ضد المرأة “، مضيفة أن هذه المساعي كانت قد سبقتها إقامة ورش عمل في عدة مدن ليبية بهدف الوصول إلى أكبر قدر من الاحتياجات التي يجب أن تتضمنها مواد هذا القانون، مشيرة إلى أن الكتلة ولجنة المرأة نظمتا مؤخرا ورشة عمل في مصر بهذا الخصوص.
وتابعت الطبلقي أن القانون أنجزته كوكبة من الخبراء في لجنة شؤون المرأة بالبرلمان، مشيرة إلى أن النساء أعضاء مجلس النواب يسعين حاليا للحصول على التصويت على هذا القانون من قبل أعضاء المجلس، حتى يبصر النور قريبا بعد إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، وتتولى السلطات التنفيذية العمل به، مردفة أن “القانون يضم مواد تجرم جميع أنواع العنف وأشكاله ومظاهره المسلطة على المرأة على المستويات السياسية والاقتصادية والأسرية والاجتماعية والمجتمعية وغيرها”.
وأعربت الطبلقي عن الأمل في الحصول على الدعم اللازم في المجتمع الليبي الذي وصفته بـ”الذكوري” خاصة وأن “المرأة تعتبر الأم والبنت والزوجة والأخت”، مشيرة إلى أن الرجل يفترض أن يكون الداعم الأول لحماية المرأة و نيلها جميع حقوقها.
ويتساءل مراقبون محليون عما إذا كان مجلس النواب الحالي قادرا على تشريع قانون يحمي المرأة من العنف الذكوري المسلط عليها والهادف إلى إقصائها من الحياة السياسية والاقتصادية وإجبارها على التخلي عن أملها في تحقيق المساواة مع الرجل.
المرأة الليبية تواجه تحديات كبيرة حيث ترى المناطق الداخلية والقرى والأرياف في حرية المرأة ضربا لسلطة الرجل وهيمنته
وتشغل النساء 16 في المئة من مقاعد مجلس النواب الليبي المؤلف من 200 مقعد، إذ أرجعت مديرة منظمة مراس للتنمية بسمة الورفلي قلة الأصوات التي تحصل عليها المرأة إلى “تحديات اجتماعية وأمنية واقتصادية”، معتبرة أن “التحديات الاجتماعية تتمثل في النظرة النمطية من قبل المجتمع للمرأة وأيضًا عدم ثقتهم بها، بالإضافة إلى عدم دعم الأسرة مشاركة المرأة وتفضيل مشاركة الرجل عن المرأة من قبل القبيلة”.
وتخشى ناشطات حقوقيات من أن يكون القانون الذي سيعرض على المناقشة في مجلس النواب متأثرا بطبيعة المجتمع السياسي الليبي الذكوري الذي لا يزال يتخذ موقفا سلبيا من حقوق المرأة ومن طموحاتها الأساسية في أن تقوم بدورها كاملا، وأن تحظى بفرصة المساهمة في تقرير مصير بلادها، والتعبير عن إرادة الشعب دون تفرقة جنسية أو اجتماعية أو قبلية أو مناطقية أو فئوية أو عقائدية.
وبحسب تقرير للأمم المتحدة، فإن العنف لم يزل ضدا على المرأة والفتاة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعا في العالم. وتشير التقديرات إلى أن 736 مليون امرأة على مستوى العالم – أي واحدة من كل ثلاث نساء تقريبا – وقعن ضحايا للعنف الجسدي و/أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن.
وبحسب التقرير الأممي فإن هذه الآفة تفاقمت في بيئات مختلفة، بما في ذلك أماكن العمل والمساحات عبر الإنترنت، وتزايدت بسبب آثار ما بعد الجائحة والصراعات وتغير المناخ، ويكمن الحل إلى حد كبير في الاستجابات القوية التي تستثمر في الوقاية.
ناشطات حقوقيات يخشين من أن يكون القانون الذي سيعرض على المناقشة في مجلس النواب متأثرا بطبيعة المجتمع السياسي الليبي الذكوري
ومع ذلك، فإن القدر الضئيل من الموارد الاقتصادية التي تخصصها البلدان أمر مثير للقلق. ويتم تخصيص 5 في المئة فقط من المساعدات الحكومية العالمية لمكافحة العنف ضد المرأة، ويتم استثمار أقل من 0.2 في المئة في الوقاية منه، وهناك حاجة إلى المزيد من الموارد المالية للمنظمات النسائية، وإدخال تحسينات على التشريعات وإنفاذ العدالة، وتقديم الخدمات للناجين، وتدريب الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون.
وقالت بعثة الأمم المتحدة إنه وعلى غرار العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم تحتاج ليبيا إلى وضع نظام قانوني متين للتصدي للعنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك سن قوانين مناسبة لضمان حماية ضحايا العنف، تضمن توفير الخدمات الكافية للنساء والفتيات لدعمهن والمساعدة في محاسبة الجناة.
وأضافت البعثة أن العنف ضد النساء والفتيات بأشكاله المختلفة أخذ منحى تصاعديا في ليبيا، ويشمل اللفظي أو الجسدي وما يعرف بجرائم الشرف، علاوة على العنف ضد المرأة عبر الإنترنت.
وتواجه المرأة الليبية تحديات كبيرة مرتبطة أساسا بالواقع الاجتماعي السائر نحو المزيد من الانغلاق بسبب تراجع قوة السلطة واتساع دائرة الخطاب الديني والتقاليد الاجتماعية والأعراق القبلية، وخاصة في المناطق الداخلية والقرى والأرياف والمجتمعات التقليدية التي ترى في حرية المرأة ضربا لسلطة الرجل وهيمنته الاقتصادية وسطوته الاجتماعية.
وأدانت “لجنة الحقوقيين الدولية” أعمال العنف ضد المرأة والمدافعات عن حقوق الإنسان في ليبيا، ودعت السلطات في شرق البلاد وغربها إلى إنهاء فوري لمثل تلك الممارسات العنيفة، ومحاسبة المسؤولين عن الاعتداءات بحق الحقوقيات والناشطات.
وقالت في بيان نشرته على موقعها الإلكتروني الأسبوع الماضي “خلال السنوات الماضية، السلطات في شرق ليبيا وغربها هاجمت بشكل مستمر النساء والمدافعين عن حقوق الإنسان، وسمحت لبعض الجهات غير الحكومية بتهديد هؤلاء والاعتداء عليهم وقتلهم، مع الإفلات من العقاب”، حيث “لم تجر حتى الآن محاسبة أيّ شخص عن هذه الانتهاكات أو عن قتل مدافعات أخريات عن حقوق الإنسان، بما في ذلك فريحة البركاوي وانتصار الحصايري في العام 2014”.

وأشارت اللجنة إلى أن “النساء الحقوقيات والمدافعات عن حقوق الإنسان تعرضن إلى القتل والاختفاء القسري، والمثال الأبرز على ذلك هو مقتل الناشطة سلوى بوقعيقيص في يونيو العام 2014 على يد خمسة رجال مسلحين في بنغازي”.
وفي يوليو العام 2019، تعرضت الناشطة عضوة مجلس النواب سهام سرقيوة إلى الخطف والاختفاء القسري من قِبل رجال يُعتقد أنهم موالون لقوات “القيادة العامة” بقيادة خليفة حفتر، وذلك على خلفية انتقادها الهجوم الذي شنه الجيش الوطني في أبريل 2019 على طرابلس، ودعت إلى وقف إطلاق النار، ولا يزال مصيرها ومكان وجودها مجهولين حتى اليوم.
وفي نوفمبر العام 2020، قتلت حنان البرعصي المحامية والناشطة السياسية والمدافعة عن حقوق الإنسان بالرصاص على يد مجموعة من الرجال المسلحين وسط مدينة بنغازي في وضح النهار.
وفي أبريل العام 2021، أصدرت لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) قرارها المتعلق بقضية مجدولين عبيدة، التي اختطفت ثلاث مرات في العام 2012 على يد أفراد من كتيبة “شهداء 17 فبراير”، التابعة لوزارة الداخلية، وتعرضت للضرب والتهديد بالقتل، وطلبت اللجنة آنذاك من السلطات الليبية إجراء تحقيق مستقل وشامل في الاعتقال القسري بحق مجدولين عبيدة. كما أوصت بتبني قوانين شاملة ضد التمييز لضمان وجود بيئة آمنة ومواتية للمدافعات عن حقوق الإنسان للمرأة، والاعتراف بمكانة ودور المدافعات عن حقوق الإنسان وشرعيتهن في النقاش العام. لكن السلطات الليبية لم تستجب لتوصيات لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ولم تنفذها.
وفي تقريرها الصادر في يونيو العام 2022 وثقت بعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق بشأن ليبيا حالة مدافعة عن حقوق الإنسان، لم يُذكر اسمها، جرى استدعاؤها من قِبل جهاز الأمن الداخلي في شرق ليبيا بالعام 2020. وفي العام 2023 وثقت البعثة المزيد من الترهيب والاعتداءات ضد المدافعات عن حقوق الإنسان.
وأوصت اللجنة السلطات في شرق ليبيا وغربها باعتماد وتفعيل مشروع قانون مكافحة العنف ضد المرأة، وتعديل قانون العقوبات، بما يتوافق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير المتعلقة بالعنف ضد المرأة ، ودعت إلى حماية المدافعات عن حقوق الإنسان من المضايقات والترهيب وأعمال العنف، سواء عبر المواقع في الإنترنت أو خارجها، والتحقيق في الجرائم ومحاسبة المرتكبين، بما في ذلك العنف عبر الإنترنت ضد النساء والمدافعات عن حقوق الإنسان، والتحقيق في قضايا: فريحة البركاوي وحنان البرعصي وانتصار الحصائري وسلوى بوقعيقيص وسهام سرقيوة، ومحاسبة الجناة، كما حثت السلطات الليبية على تزويد المحاكم المتخصصة في العنف ضد النساء والأطفال بالموارد والتمويل، لضمان الوفاء بولايتها المتمثلة في مقاضاة مرتكبي الجرائم الجنائية المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والأطفال، وتشجيع مشاركتهن في الحياة السياسية والعامة، بما في ذلك الانتخابات.