برلمان شعبوي يعكس تراجع الوعي السياسي والذوق العام في مصر

برلماني يحمّل النساء مسؤولية التحرش وآخر يقسم بأن وزير المالية كالنبي يوسف.
الأربعاء 2021/07/14
التشكيلة الحالية في البرلمان خالية من الحد الأدنى للوعي السياسي

القاهرة – يشتكي مصريون من مستوى الوعي المحدود لنواب في البرلمان بشأن التعامل مع قضايا مصر الداخلية والخارجية، ويطلقون مواقف شعبوية مثيرة للجدل حين يتعلق الأمر بقضايا هامشية.

وشهدت جلسة عقدها البرلمان الأحد الماضي جدلا صاخبا أثناء نقاش قانون التحرش الجنسي، وانشغل أحد النواب بوضع اللوم على المرأة وملابسها التي تسهم في ارتفاع نسب التحرش، وانشغلت النائبات بالرد عليه.

وتصاعدت الاعتراضات بعد كلمة للنائب محمد عبدالحميد هاشم طالب فيها المرأة بمراعاة سلوك السير في الشارع، وحمّلها مسؤولية انتشار ظاهرة التحرش الجنسي قائلا “إذا كان الرجل متحرشا، فالمرأة أيضا من أسباب التحرش”.

يسري الأسيوطي: أداء بعض النواب يؤثر سلبًا على مصداقية البرلمان
يسري الأسيوطي: أداء بعض النواب يؤثر سلبًا على مصداقية البرلمان

وارتفع داخل قاعة البرلمان صوت الكثير من النائبات الغاضبات، وطالب رئيس مجلس النواب حنفي جبالي بحذف كلمة النائب من مضبطة الجلسة، وبعدها ضجت القاعة بالتصفيق.

ويقول مراقبون إن مجلس النواب بدأ يعاني من تراجع الثقافة السياسية في الفضاء العام ومحدودية الإلمام بالقضايا والتحديات، فالأجواء أصبحت خالية من الحيوية التي تفرز نخبا واعية، ومن الطبيعي أن ينعكس الأمر على أعضاء برلمان راعت عملية اختيارهم صيغة التوازنات في التمثيل الشكلي ولم تراع المقومات السياسية التي تتناسب مع عراقة البرلمان المصري.

ويلفت مراقبون النظر إلى أن التشكيلة الحالية في البرلمان خالية من الحد الأدنى للوعي السياسي، ولا تحوي سوى أسماء قليلة يمكن القول إن أصحابها أقرب إلى المعارضة، وهو ما جعل أداء غالبية أعضاء مجلس النواب يدور في فلك الحكومة بلا تحفظ.

وأكد الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع على أن التوعية السياسية لنواب البرلمان تبدأ من عملية الترشح، ومن المفترض أن يمتلك كل مرشح خلفية تؤهله للعمل في المجال العام حتى تتكون عنده مبادئ الحوار واختيار القضايا وأولوياتها.

وأضاف ربيع في تصريح لـ”العرب” أنه “في حال وصول المرشح إلى البرلمان تكون المهمة بيد معهد التدريب داخله، لكن ما يحدث أنه لا يوجد اهتمام بذلك في الوقت الراهن، ولم تعد هناك استعانة بخبراء العمل البرلماني لمراجعة أداء النواب وتقييمه بشكل مستمر لتطويره”.

وذكر أن النظام الانتخابي المعمول به يؤثر على عملية التثقيف والتوعية، ففي حال وجود أغلبية مكتسحة وأقلية ضعيفة لا يكون هناك مجال للمنافسة أو النقاش السياسي الثري، لأن هناك حزبا واحدا يقوم بتوجيه دفة العمل في البرلمان.

ومع أن مجلس النواب المصري أقر حزمة من القوانين المهمة وناقش قضايا داخلية عديدة في الفترة الماضية، غير أن عددا من الأعضاء يتعاملون مع البرلمان على طريقة الهواة والمبالغة في “الاستظراف السياسي” الذي لا يتناسب مع المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة.

عمرو هاشم ربيع: من المفترض أن يمتلك كل مرشح خلفية تؤهله لعضوية البرلمان
عمرو هاشم ربيع: من المفترض أن يمتلك كل مرشح خلفية تؤهله لعضوية البرلمان

وقال النائب حمادة زهير خلال مناقشة الموازنة العامة وخطة التنمية الاقتصادية بحضور وزير المالية محمد معيط “عليّ الطلاق إنت أحسن وزير في مصر، وجيت (جئت) في ظروف صعبة زي (مثل) سيدنا يوسف”، وصفق بعض الأعضاء تأييدًا لحديث النائب، وضحك وزير المالية بما يعني أنه كان مسرورا بالتشبيه.

وتكشف هذه الواقعة العرضية عن مضامين مختلفة أبرزها أن النائب ألقى كلمته بطريقة “كوميدية” داخل البرلمان وأصر على تكرار التشبيه بطريقة مسرحية لا تتناسب مع وقار البرلمان، وانتقل من دوره الرئيسي في محاسبة وزير المالية إلى الثناء عليه.

ولم يدرك النائب أن كلمته ستكون لها تداعيات سلبية على صورة البرلمان لدى المواطنين، ويمكن أن تقلل من أهمية الدور التشريعي الذي يقوم به في محاسبة أعضاء الحكومة، والأخطر أنه كاد يحدث فتنة دينية.

واعترض نواب حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، على التشبيه وكادت تحدث حالة من الهرج بالجلسة، وتدخل رئيس مجلس النواب بحذف يمين الطلاق والمقارنة بالنبي يوسف من وقائع الجلسة، مؤكدا أن التشبيه الذي تمّ من قبل النائب جاء على سبيل الكناية أو الاستعارة.

وقال البرلماني السابق يسري الأسيوطي إن البعض من النواب تأخذهم عواطفهم وعلاقاتهم مع الوزراء دون التركيز على دورهم الرئيسي كأداة رقابة على الحكومة، ويستطرد هؤلاء في مدح المسؤول أو البحث عن “الشو” الذي يعوّض قلة خبرات النائب ويشوّش على ضعف أدائه الرقابي.

وشدد على أن وقوع بعض النواب في أخطاء يؤثر سلبًا على مصداقية البرلمان في الشارع، وقد يجري استغلال تلك الأخطاء بأوجه كثيرة، لكن الأخطاء الفجة التي تكون من نوعية تشبيه أحد الوزراء بالنبي يوسف يتحملها النائب بمفرده وليس المجلس.

1