برامج مصرية تمنح طاقة أمل للمستقبل بالتركيز على النماذج الناجحة

القاهرة - توسعت بعض الفضائيات المصرية في تقديم برامج تُبرز نماذج ناجحة في مجالات مختلفة في محاولة لتقديم رسائل إعلامية إيجابية ذات مغزى اقتصادي مع تزايد وتيرة الأزمات المعيشية التي تعاني منها قطاعات عديدة لتبتعد خطوات قليلة عن برامج المنوعات التي عرفت بها بما لا يتناسب مع طبيعة الأوضاع المتأزمة.
عرضت فضائية “دي.إم.سي” أولى حلقات برنامج “صنايعية مصر” الذي يقدمه الكاتب عمر طاهر، الجمعة، ويتناول من خلاله السيرة الذاتية لشخصيات أسهمت في رسم ملامح الدولة المصرية وتاريخها الاجتماعي والاقتصادي من دون أن يحصلوا على نصيبهم من الضوء والمحبة والاعتراف بالفضل.
واستوحت الفضائية المصرية التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية اسم البرنامج من كتاب أصدره طاهر قبل سنوات أعاد فيه التركيز على ثلاثين نموذجا مصريا نجحوا في مجالات صناعية محلية مختلفة.
وحققت القناة ذاتها (دي.إم.سي) نجاحا عبر برنامج “مصر تستطيع” الذي تعرضه أسبوعيا منذ أربع سنوات، وجاب مقدمه الصحافي أحمد فايق العديد من دول العالم بحثا عن علماء مصريين ناجحين، وحقق به جماهيرية كبيرة، وبدا كأنه يدور في فلك بعيد عن الموضوعات التي تتناولها البرامج المصرية الأخرى من سياسة ومنوعات.
وكانت جماهيرية “مصر تستطيع” مفتاحا لتقديم برامج أخرى قريبة من فكرته، فعرضت فضائية “سي.بي.سي” برنامج “هنا الشباب” الذي قدمته الإعلامية لميس الحديدي وسلط الضوء على نماذج رواد الأعمال الناجحين، وبرنامج “الجدعان” على فضائية “القاهرة والناس” ويقدمه الصحافي محمد غانم ويقدم أبرز المشروعات الناجحة في مجالي الزراعة والصناعة.
ويتفق خبراء الإعلام على أن تقديم النماذج الناجحة الآن يبرهن على تقديم الإعلام مضامين مختلفة تحقق قدرا من التنوع المفقود، وتمنح طاقة أمل لمستقبل يراه الكثيرون قاتما مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، وتأثيراتها على فئات عدة بحاجة لمن يقدم لها رسائل إيجابية تُمكنها من تحمل ما يحيط بها من أزمات.
ويدخل هذا النوع من البرامج في إطار القوالب الإعلامية - الاقتصادية التي تحظى برعاية شركات كبرى وبنوك، ما يوفر عوائد مالية للقناة والعاملين في البرنامج وتحافظ على استمراره لأطول فترة ممكنة، عكس برامج فئوية أو سياسية تراجع الرعاة عن دعمها مع عزوف الجماهير عنها، وهو ما يحدث مع برنامج “صنايعية مصر” الذي ترعاه شركة “حديد عز” المتخصصة في صناعة الحديد.
ويمكن النظر إلى الإعلام الاقتصادي كأحد التخصصات التي تلقى رواجا في مصر حاليا لتزايد اهتمام المواطنين بما يجعلهم أكثر إدراكا بما يحدث حولهم من تقلبات أو بسبب اتجاه القنوات إلى هذا اللون الصحفي مع تطويره وتطويعه بما يجذب الرعاة والمستثمرين لتحمل نفقاته ويساعد على تحقيق عوائد جيدة.
وقالت أستاذة الإعلام بكلية الآداب جامعة عين شمس بالقاهرة هبة شاهين إن هذه البرامج تحمل أهمية قصوى في هذا التوقيت، والأمر لا يتوقف فقط على منح الأمل في المستقبل، لكنه يبعث برسائل لقطاعات عديدة من المواطنين تمنحهم الأمل في إمكانية النجاح وتحقيق الأهداف عبر التركيز على نماذج لأشخاص عاديين بعيدا عن الفنانين والراقصات ولاعبي كرة القدم.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام المصري استغرق كثيرا في المحتويات التجارية السنوات الماضية وغاب عنه تقديم القدوة للأجيال الصاعدة، والتأكيد على أن تحقيق النجاح لا يرتبط فقط بالشهرة، والآلاف من غير المعروفين استطاعوا الوصول إلى أعلى المراتب في مجالاتهم دون أن يعرفهم أحد، وهي رسائل تحاول تقويض انتشار قنوات “يوتيوب” التي تعتمد على “الترند” بلا مواثيق أخلاقية.
ولفتت إلى أن نجاح هذه البرامج وتحقيقها جماهيرية واسعة يعودان إلى أنها لم تنتشر بالقدر الكافي من قبل، ولم يتعرض القطاع الأكبر من الجمهور لمثل هذه الأنواع من المحتويات، بجانب أنها تحقق عنصر الجذب المطلوب لأن المواطنين قد يجدون أنفسهم قادرين على الوصول لما حققه أقرانهم، وإذا كان البرنامج يلقي الضوء على نماذج ناجحة في مجال معين فالعاملون فيه سيشعرون بأمل يدفعهم للمزيد من العمل.
وتحظى هذه البرامج بمصداقية عالية قد تكون غائبة عن برامج “التوك شو” الليلية التي كانت سببا في هجرة الجمهور إلى قنوات معارضة تابعة لتنظيم الإخوان.
كما أن الاستغراق في برامج المنوعات والرياضة لم يعد مطلوبا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وقد تحمل نتائج عكسية لعزوف ما تبقى من جمهور عنها، في حين أن تقديم نماذج واقعية يجذب شريحة مهمة، ويفتح آفاقا لإعادة تقديم برامج اجتماعية بصورة عصرية حققت نجاحا سابقا في التلفزيون المصري قبل انتشار الفضائيات.
وحققت برامج تمزج بين الغوص في الحياة اليومية للمواطنين وبين إبراز النماذج الناجحة في محيطها نجاحا جماهيريا الفترة الماضية، وكان أثرها واضحا في تقديم مواسم جديدة منها وعدم الاكتفاء بعدد حلقات محدد، أبرزها برنامج “أهالينا” المعروض حاليا على فضائية “أون إي” وتقدمه الإعلامية ملك صالح، ويجوب في أحياء وشوارع مصر، ويعرض قصصها وتاريخها وأقدم سكانها وأشهر مطاعمها والنماذج اللافتة فيها والمشاريع الناجحة فيها.
خبراء الإعلام يتفقون على أن تقديم النماذج الناجحة الآن يبرهن على تقديم الإعلام مضامين تحقق قدرا من التنوع المفقود
وتقدم الإعلامية رشا الجمال برنامج “حكاوي القهاوي” على فضائية “الحياة”، وهي ابنة الإعلامية الراحلة سامية الأتربي التي قدمت من قبل برنامجا حمل الاسم نفسه على التلفزيون الرسمي، وحقق نجاحا واسعا في التسعينات من القرن الماضي.
وتبرز هذه النوعية من البرامج نماذج بسيطة استطاعت أن تحقق ذاتها في بيئة اجتماعية صعبة، وغالبا ما تكون راضية عن أوضاعها وما توصلت إليه، ما يستهدف توصيل إشارات قد تسهم في التخفيف من حدة عدم الرضا عن الأوضاع العامة.
وتساعد البرامج المشرقة التي تدعو للتفاؤل على امتصاص الأزمات، ويبرهن التوسع فيها على وجود أهداف تتعلق بوصولها إلى أكبر شريحة من الجمهور، ما يدفع المشاهد لمنح نفسه الوقت للتفكير في حياته التي ربما لا يشعر فيها بانتصاراته البسيطة إلا بعد مشاهدة هؤلاء، وهو أحد الألوان الإعلامية المهمة التي ساهمت في تأثير الإعلام الحكومي المصري في المواطنين من قبل.
لكن قدرة هذه البرامج على تحقيق الأهداف ذاتها في الوقت الراهن قد تكون صعبة، لأن المواطنين يتعرضون لرسائل إعلامية مختلفة أكثر تأثرا بما تقدمه إليه المنصات الرقمية، وما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتبقى أهمية هذه البرامج في تقديم النماذج الحية والناجحة لتشجيعها، وتقديم القدوة للأجيال الصاعدة بعيدا عن المحتويات السلبية، إذا نجحت في تجنب السقوط في فخ تجميل الواقع أو موالاة الحكومة وتبرير تصرفاتها.