بدء المرحلة التمهيدية في ليبيا يفرض تحالفات بتوازنات جديدة

تقارب باشاغا والجويلي غايته محاصرة السراج.
الأربعاء 2020/12/23
صراع النفوذ يزداد حدة غرب ليبيا

فرضت التطورات الأخيرة في ليبيا المتعلقة بالجدل المتصاعد بشأن مقترح من رئيس حكومة “الوفاق”، فايز السراج، لقائد الجيش، المشير خليفة حفتر، إيقاعها على التطورات الجارية على أكثر من صعيد في ليبيا، حيث تحركت العديد من القوى غربي البلاد لخلق توازنات جديدة تُفضي إلى إعادة رسم خارطة التحالفات السياسية والعسكرية هناك.

تونس - لم يحجب نفي المجلس الرئاسي الليبي أن يكون رئيسه فايز السراج قد اقترح على قائد الجيش، المشير خليفة حفتر، تجميد المجلس الرئاسي، لإفساح المجال لرئيس وزراء جديد يختاره حفتر، التطورات المُتسارعة التي باتت تُحيط بالملف الليبي من كل جانب وسط تحركات سياسية ترافقت مع اتصالات ومشاورات لافتة بين فرقاء الصراع.

وأثارت تلك الاتصالات والمشاورات التي تواصلت بشكل مباشر وعبر وساطات إقليمية بعيدة عن الأضواء، جدلا واسعا، ليس فقط لما تحمله من دلالات بشأن إمكانية بروز توازنات جديدة قد تُغير خارطة التحالفات الحالية، وإنما أيضا لتداعياتها المُحتملة على المشهد الليبي بشقيه السياسي والعسكري.

ويعتقد مراقبون أن هذا الجدل الذي تصاعد مع نفي وجود صفقة بين السراج وحفتر، مُرشح لإفراز مفاجآت قد تؤسس لمنعطفات جديدة في قادم الأيام، ارتباطا بإعلان رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، عن بدء المرحلة التمهيدية التي تسبق الانتخابات العامة في 24 ديسمبر من العام القادم.

ونفى غالب الزقلعي، الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي، الأنباء التي تحدثت عن رسالة بعث بها السراج إلى حفتر، عبر وزير الخارجية الإيطالي جوزيبي كونتي، تضمنت موافقته على صفقة تنص على “تمديد رئاسته للمجلس الرئاسى، مقابل تمكين حفتر من اختيار رئيس الوزراء الليبي الجديد”.

واعتبر أن هذه الصفقة، التي كشفت تفاصيلها في وقت سابق صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، لا وجود لها. وذلك في الوقت الذي سارع فيه حسن الهوني المستشار الإعلامي للسراج، بدوره إلى نفي ما كشفته الصحيفة الإيطالية من معطيات تداولتها منصات إعلامية وصفها بـ”المشبوهة”.

ومع ذلك، لا يستبعد المراقبون أن تفرض هذه التطورات توازنات جديدة لم تكن في الحسبان قد تعيد صياغة معادلات الصراع بطريقة غير مألوفة، خاصة على مستوى القوى التقليدية في الغرب الليبي التي وجدت نفسها أمام واقع جديد فرض عليها إعادة النظر في ارتباطاتها السياسية.

وتستند هذه القراءة على جملة من المؤشرات الدالة على أن خارطة التحالفات بين رموز القوى والمكونات السياسية والعسكرية في غرب ليبيا بدأت ملامحها تظهر تدريجيا وسط مُتغيرات كبيرة تندفع نحو نسف أسس خارطة التحالف التقليدية.

ولعل التقارب بين بعض القوى، على قاعدة اِلتقاء المصالح والأهداف استعدادا لاستحقاقات المرحلة التمهيدية، الذي يعكسه اجتماع وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا مع منافسه أسامة الجويلي آمر المنطقة العسكرية الغربية، وقرار السراج إبعاد ميليشيا “الردع” عن سيطرة باشاغا، دليل على هذه المُتغيرات التي سبقتها أخرى ما زالت تُلقي بظلالها على صراع النفوذ غربي البلاد.

مهدي البرغثي: رؤساء السلطات مدعوون لإنهاء الانقسام السياسي والحربي

ويمكن تصنيف هذه المُتغيرات -وخاصة منها تحركات آمر كتيبة “ثوار طرابلس” الأسبق، هيثم التاجوري، الذي عاد قبل أيام إلى العاصمة طرابلس، وشرع في إجراء اتصالات انتهت باستعادة قيادة كتيبته بعد أن افتكها من أيوب أبوراس الموالي لباشاغا- ضمن تطورات هذا الصراع الذي أصبح العنوان الأبرز في المشهد الليبي.

وأعطت عودة وزير الدفاع الليبي المعزول، مهدي البرغثي، إلى دائرة الضوء في هذه الفترة، بعدا إضافيا لصراع النفوذ في العاصمة طرابلس الذي أصبح يتحرك في كل الاتجاهات، خاصة مع تواتر الأنباء حول لقاءات مكثفة بين البرغثي والتاجوري لبحث محاصرة وزير الدفاع الحالي، صلاح النمروش.

وظهر البرغثي، الخميس الماضي، ليُطالب بإعادته إلى منصبه وفقا لأحكام القضاء، مُستندا إلى حكم أصدرته محكمة الاستئناف في العاصمة طرابلس، في أكتوبر الماضي، يقضي ببطلان قرار فايز السراج بإقالته من منصبه في يوليو 2018، وذلك على خلفية سيطرة الجيش الليبي على قاعدة “براك الشاطئ” الجوية في الجنوب الليبي.

ودعا في كلمة بثتها قناة “ليبيا الأحرار” رؤساء السلطات التشريعية والسياسية والعسكرية والاجتماعية في ليبيا إلى “القيام بواجبهم لإنهاء الانقسام السياسي والصراع الحربي، والاتجاه نحو العفو والمصالحة والسلام عبر الاستمرار في الحوار وتفاهمات اللجنة العسكرية المشتركة ودعم كل خيار من شأنه إعادة الوحدة والاستقرار للبلاد”.

وربط مراقبون هذه العودة بترتيبات تجري حاليا لإعادة صياغة التحالفات السياسية والعسكرية في غرب ليبيا، استعدادا لاستحقاقات المرحلة التمهيدية التي قد تُطيح بعدد كبير من رموز المشهد الحالي، وخاصة منهم صلاح النمروش الذي يعاني من حصار كبير نتيجة تقارب باشاغا
والجويلي.

ويخشى النمروش أن يتسبب تحالف البرغثي – التاجوري في تقويض نفوذه، حيث سارع إلى الرد على ذلك، بالاجتماع مع معمر الضاوي، آمر ميليشيا “الكتيبة 55”، ومع عدد آخر من قادة ميليشيات الزاوية، منهم محمد كشلاف المعروف باسم “القصب”، آمر وحدة إسناد الزاوية التابعة لجهاز حرس المنشآت النفطية التابعة لوزارة الدفاع بحكومة الوفاق.

وفي المقابل، تولت وسائل إعلام تركية الدفاع عن النمروش، حتى أن صحيفة “كلاشريبورت” الأمنية الموالية للنظام التركي، زعمت أن انقلابا محتملا في ليبيا “يتم الترتيب له عبر مهدي البرغثي وهيثم التاجوري للسيطرة على طرابلس”.

وتأتي هذه المزاعم فيما وافق البرلمان التركي الثلاثاء على طلب الرئاسة التركية القاضي بتمديد مهام القوات التركية في ليبيا لمدة 18 شهرا، “للحفاظ على مصالح تركيا في حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا التي قد تتأثر بشكل سلبي في صورة تجدد هجمات الجيش الليبي على العاصمة طرابلس”.

4