بحري التركماني لـ"العرب": أحاول الخروج من عباءة محمد عبدالكريم

فنان سوري يعيد نسج التراث الموسيقي بآلة البزق.
الثلاثاء 2023/07/04
عرض يفتح آفاقا جديدة لآلة البزق

يتابع مبدعون موسيقيون مسيرة آلة البزق، مستفيدين مما خطه مؤسسون فتحوا آفاقا كبيرة في التأليف لها والعزف عليها، فآلة البزق تحمل في منطقة بلاد الشام عموما تاريخا خاصا يمثل حالة ثقافية لمجموعة من المكونات الحضارية. بحري التركماني هو واحد من الموسيقيين الذين يعملون بجد على تحقيق آفاق جديدة لهذه الآلة.

ظهور جديد لآلة البزق حمله الحفل الذي أقيم في دار الأسد للثقافة والفنون (الأوبرا) في التاسع عشر من الشهر الماضي للعازف السوري بحري التركماني، بمرافقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد.

وقد قدم الحفل الذي أشرف عليه الباحث الموسيقي أدريس مراد مجموعة من المقطوعات بدأها بسماعي سيكاه من تأليف محمد عبدالكريم ثم مقطوعتي “نغماتي” و”غضب” للمؤلف بحري التركماني، ليقدم بعدها أغنية “شو قولك” للمغني اللبناني عازار حبيب ثم “بارغو” لتركماني مجددا وبعدها “رقصة الساحرة” و”رقصة البزق” لعبدالكريم وتركماني ثم “راجعين يا هوا” للرحابنة تلتها “دلامة” لتركماني ثم “سرينادا أشجار الصنوبر” لعبدالكريم و”نبض الحياة” لتركماني، وبعدها “رقصة الشيطان” الشهيرة لمحمد عبدالكريم ثم “سحر” لتركماني، لتكون خاتمة الحفل مع الأغنية الشهيرة التي وضع لحنها عبدالكريم للمغنية اللبنانية نجاح سلام “رقة حسنك وسمارك” التي تفاعل معها الجمهور بشكل لافت.

◙ أحد أمهر عازفي البزق في سوريا
أحد أمهر عازفي البزق في سوريا

آلة البزق ليست آلة موسيقية فحسب، بل ينظر إليها على أنها منجم حضاري وثقافي هام للعديد من الشعوب والقوميات التي عاشت في مناطق وسط وغرب آسيا وصولا إلى اليونان والمجر في وسط أوروبا.

عُرفت الآلة منذ تاريخ موغل في القدم يقارب الأربعة آلاف عام قبل الميلاد، ووجدت إشارات لها في اللغات الفارسية والكردية والتركية واليونانية، ولا شك أنها تحتضن عصارة وخبرة شعوب مختلفة عاشت في هذه المناطق وخلصت إلى إيجاد هذه الآلة التي حيكت حولها الكثير من الروايات. ولا تبدو مهمة البحث في وضع آلة البزق سهلة في تاريخ المنطقة الموسيقي، رغم أنها لاقت خلال المئة سنة الأخيرة نشاطا وتطورا هاميْن، وبسبب قلة الدراسات المؤلفة عنها صارت مسألة التأصيل لها عملية صعبة جدا.

وعبر سنوات طويلة من عمرها لم يكن لآلة البزق تكوين صناعي يمكنها من تقديم حالة موسيقية متقدمة، مثل آلة الربابة التي تمتلك مقومات فنية ضعيفة أمام غيرها من الآلات، وكانت آلة متخلفة عن آلات أخرى تتمتع بالقدرة الفنية الهائلة كالقانون والعود. لكنها مع بدايات القرن العشرين بدأت تتطور وتخرج من شكلها الذي عرفت به مئات السنين، وكان ذلك من خلال وجود عدد من العازفين والملحنين لها، الذين أوجدوا صيغا لحنية مختلفة ومتقدمة، حققوا فيها تقدما موسيقيا لافتا.

تأثير أمير البزق

ارتبطت آلة البزق بالأجواء الشعبية خاصة موسيقى الغجر في الأرياف السورية واللبنانية، وكانت تحمل تصميما تقليديا مكونا من وتر واحد يحمل ستة عشر من الدساتين التي تمكن العازف من تقديم تنوعات لحنية من مقامات موسيقية مختلفة. لكنها في هذه الحالة كانت محط تحفظ بعض الموسيقيين البارعين في العزف عليها، كان أهمهم الموسيقي السوري محمد عبدالكريم (1911 – 1989) الذي أدخل عليها تطويرات جذرية جعلتها موازية لأي آلة موسيقة عربية، فزاد وترا آخر فصارت مكونة من وترين مزدوجين كما زاد عدد الدساتين.

◙ آلة البزق ارتبطت بالأجواء الشعبية خاصة موسيقى الغجر في الأرياف السورية واللبنانية، وكانت تحمل تصميما تقليديا

وكان لجهود محمد عبدالكريم دور كبير في تطوير الآلة بتصميمها الحالي، بعد أن سبقه العازف اللبناني محي الدين بعيون (1868 – 1934) بإيجاد طريقة عزف مختلفة لها أوجدتها في حال مختلف، فكان يقدمها في الحفلات مع الغناء، كما جاء بعدهما مطر محمد من لبنان (1939 – 1995) وقدم بعض الألحان مع المسرحي روميو لحود وأغاني لصباح وعازار حبيب وذهب بطريقة العزف عليها بتصميمها الجديد إلى آفاق جديدة.

وكان للعازف سعيد مطر دور كبير في إدخالها إلى الجزيرة السورية بشكل متطور ولاقت فيها تطورات كبيرة ومتقدمة، وظهرت في العديد من الموسيقات مصاحبة للغناء الشعبي السوري واللبناني وكذلك ظهرت في تآليف جديدة للأخوين عاصي ومنصور الرحباني مع السيدة فيروز، واهتم الفنان عاصي الرحباني بها، كما ظهرت مع زياد الرحباني وأدخلها موسيقى الجاز وألف لها خصيصا عازار حبيب الذي رافقته في مشواره الفني، وقد وضعت لها تآليف خاصة كما في “رقصة الشيطان” للعازف محمد عبدالكريم التي تعتبر من أهم المقطوعات التي ألفت لها.

في الوقت المعاصر هنالك العديد من العازفين المؤلفين الذين يبذلون جهودا كبيرة في تطوير آلة البزق وإظهارها في أشكال جديدة، فهنالك هوشنيك حبش الذي يقدم آلة الساز وهي من عائلة البزق وبحري التركماني الذي يتابع مسيرة أمير البزق محمد عبدالكريم بخطى ثابتة، وهو يرى أنه سيكون لها مستقبل هام في المنطقة بعد أن تطور وضعها في السنوات الأخيرة.

حضور كبير

يقول التركماني لصحيفة “العرب”: “آلة الطمبورة التي يقارب عمرها 4000 عام هي الأساس في هذه العائلة الموسيقية، أما البزق فقد انتشرت في المنطقة عن طريق الموسيقار السوري محمد عبدالكريم ودخلت إلى الفرق الموسيقية السورية، استعملها الرحابنة وعازار حبيب وبعض المغنين المصريين، وانتشرت أكثر في منطقة الجزيرة السورية بعد أن أدخلها سعيد يوسف إلى هناك، البزق اليوم لها دور لا بأس به في الساحة الموسيقية السورية وأصبحت تدرس في المعهد العالي للموسيقى ولها مهرجان سنوي يقام بدمشق أقيمت دورته الأحدث قبل أشهر قليلة”.

ويتابع التركماني، متحدثا عن وجود الآلة في المشهد الموسيقي في سوريا ودمشق خصوصا، “توجد آلة البزق بوضوح في سوريا وهنالك بعض التجارب الخجولة في لبنان، أما في دمشق فأصبح لها وجود جيد، فهي من قوام بعض الفرق الكبيرة وتستخدم في الدراما كآلة صولو للشارات التصويرية الموسيقية، وغالبا ما تستخدم من قبل الكثير من المغنين حيث ترافق الغناء عند أغلب الفنانين”.

وعن مسيرة ملهمه الفنان محمد عبدالكريم يقول “لا أنكر أنني متأثر جدا بأمير البزق محمد عبدالكريم، ويسجل له الفضل في انتشار هذه الآلة، وأحاول أن أخرج من عباءته أحيانا وخاصة خلال مؤلفاتي الخاصة ولكن يبقى الأمير هو القدوة دائما وأبدا”.

بحري التركماني قدم البزق في حفله الأحدث بمرافقة فرقة موسيقية أوركسترالية، وهو الأمر الذي قلما يحصل، والذي يشكل طموحا فنيا هاما، وهو يقول عن ذلك “أحاول أن أجعل آلة البزق البطل ضمن الفرق الموسيقية، كأمسيتي الأخيرة في دار الأوبرا قبل أيام، وهذا ما لم يفعله عبدالكريم، حيث كانت أغلب حفلاته بشكل منفرد، وأطمح تاليا لتقديم البزق بأبهى صورة للمستمع وبالتالي تقديم تجربة بحري التركماني”.

14