بحث مضن عن فن اللامبالاة

لم أعرف عن ماذا سأكتب؟ لم أجد موضوعا مثيرا لانتباهي، أشعر بضجيج كبير في دماغي، فالأحداث تساقطت علينا كالمطر الأيام القليلة الأخيرة، وأغلبها أحداث صادمة. قلت في نفسي، لأرى أكثر ما بحث عنه التونسيون خلال الأربع والعشرين ساعة السابقة وربما أكثر بقليل، دخلت غوغل تريند لأجد أغلب التونسيين انشغلوا بالبحث عن محمد البشير الذي كلف بتولي رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا. أكثر أربع عبارات يبحث عنها التونسي تدور حول البشير أما الخامسة فهي عن تلفزيون سوريا والمواضيع التي هي في ازدياد هي عن التقسيم الإداري في سوريا وغيره من المواضيع ذات الصلة بالدولة الشقيقة، منها الفنان باسم ياخور.
قلت لأبحث هل اهتمت نسبة أخرى بالبحث في الفن، طالما هناك من اهتم بالبحث عن باسم ياخور وآخر تصريحات منسوبة إليه حول الوضع في سوريا، فوجدت أن هناك بحثا ارتفع بنسبة كبيرة وسريعة جدا خلال يوم واحد، إنه البحث عن كتاب “فن اللامبالاة” للأميركي مارك مانسون.
قد يتساءل أحدهم لم فن اللامبالاة؟ الإجابة ببساطة أن هناك أشخاصا رغبوا في البحث عن وصفة سحرية تعلمهم اللامبالاة في وجه ما يدور حولهم من أحداث مستفزة. هكذا ظن العديد من قراء الكتاب إن لم يكن أغلبهم، وأنا منهم، حين قرأته قبل نحو خمسة أعوام، أنه سيعلمنا اللامبالاة بالألم وبالآخرين وبما لا يعجبنا في الحياة.
“فن اللامبالاة” ليس كتابا يعلمك كيف تنظر للحياة والبشر من حولك بلامبالاة، كأن تصرف النظر عما يجري في سوريا، وعن القصص والحكايات الموجعة واللاإنسانية التي تأتينا صورها ومشاهدها من السجون السورية ومعتقلات النظام السابق، إنه فن اختيار ما تبالي به من أجل حياة تختار فيها “آلامك” بدقة، فالكاتب يؤكد أن “لدينا كثرة زائدة إلى حد يجعلنا غير عارفين بالشيء الذي يجب أن نمنحه اهتمامنا”.
نحن بالفعل نعيش في عالم مليء بكل شيء، إن نظرت إلى الاستهلاك وجدتنا نمضي ساعات وربما أياما لا نعلم أي قميص نشتري وأي أكل هو الأفضل وأي منتج نستهلك في أي مجال كان، إن نظرت إلى الأخبار ستجد أنها كثيرة من السياسة إلى المنوعات والرياضة، كل لحظة تقريبا هناك خبر جديد، معلومة مختلفة تخص خبرا قديما متجددا، حتى في العلاقات صارت مواقع التواصل الاجتماعي تطرح عليك “كتالوغا” لتختار من تريد التواصل معه، هناك معلومات وخيارات وعلاقات كثيرة تزيد عن حاجة الإنسان وتوقعه في فخ المبالاة بكل شيء.
هذا الانتباه المفرط لكل شيء وأي شيء هو ما يرهقنا فكريا ونفسيا ويجعلنا مشتتين، لا نرضى على ما نحن عليه أبدا، هناك دائما شعور بالنقص لدينا، نريد المزيد والمزيد من كل شيء، والأهم أننا لا نريد الشعور بالألم، ألمنا وألم الآخر. هذا ما يفسر ركض البعض لقراءة “فن اللامبالاة” كلما أجبر على متابعة الألم المتفجر في مناطق الصراع.
لكن مانسون يؤكد في كتابه الصادم للكثيرين أن “السؤال الذي يجعلك تفكر والذي لا ينتبه إليه أكثر الناس، هو: ما الألم الذي تريده في حياتك؟ الذي تظن أنك مستعد للكفاح من أجله؟ ما الألم الذي أنت راغب في تحمله أو قادر على تحمّله؟”.
تقرأ الكتاب بحثا عن أشياء تعلمك السعادة، لكنك تنسى أن الطريق إلى السعادة مفروشة بالأشواك والخيبات. تلك سنة الحياة، ولا تحتاج فيها أن تتعلم اللامبالاة وإنما أن تتعلم اختيار بماذا تبالي، ومانسون سيعلمك في “فن اللامبالاة” أن “السؤال الأكثر إثارة للاهتمام هو سؤال الألم. ما الألم الذي أنت راغب في عيشه؟ فالمرونة والسعادة والحرية تأتي من معرفة ما يجب الاهتمام به، والأهم من هذا أنها تأتى من معرفة ما ينبغي عدم الاهتمام به.”