بحث بايدن عن توازن في مفاوضات فيينا يصطدم بتصعيد نووي إيراني

إدارة بايدن تُحاول إيجاد توازن دقيق بين تقديم تنازلات وممارسة ضغوط وصولا إلى تهديدات عسكرية لإقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي.
السبت 2021/11/06
إيران توسع أنشطتها النووية

طهران – زادت إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة إلى 25 كيلوغراما، في خطوة تبدو تحديا للجهود التي يبذلها الرئيس الأميركي لإيجاد توازن في المفاوضات التي من المرتقب استئنافها في فيينا من أجل إحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع طهران.

وتُحاول إدارة بايدن إيجاد توازن دقيق بين تقديم تنازلات وممارسة ضغوط وصولا إلى تهديدات عسكرية لإقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، لكن مراقبين يرون أن طهران تلقفت الرسالة التي تحفزها على التمادي في توسيع برنامجها النووي.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية الجمعة أن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة إلى 25 كيلوغراما.

كيلسي دافنبورت: واشنطن لا تملك أي خيار جيد باستثناء العودة لاتفاق فيينا
كيلسي دافنبورت: واشنطن لا تملك أي خيار جيد باستثناء العودة لاتفاق فيينا

ونقلت وسائل الإعلام عن المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بهروز كمالوندي قوله “لقد أنتجنا حتى الآن 25 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة، والتي لا تستطيع أي دولة إنتاجها باستثناء الدول التي تمتلك أسلحة نووية”.

ونفت إيران في السابق سعيها لامتلاك أسلحة نووية، قائلة إنها تعمل على تخصيب اليورانيوم لاستخدامات الطاقة المدنية فقط، وذكرت أن انتهاكاتها يمكن العدول عنها إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات وعاودت الانضمام إلى الاتفاق.

ويسلط إعلانها عن زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب الضوء على محاولات طهران الضغط على إدارة بايدن الساعية لإعادة إحياء الاتفاق النووي من أجل انتزاع مكاسب على غرار رفع العقوبات.

وأعلنت إيران والاتحاد الأوروبي استئناف المفاوضات في التاسع والعشرين من نوفمبر في فيينا بعد تعليقها لنحو خمسة أشهر، سعيا لإحياء الاتفاق المبرم عام 2015 والهادف إلى منع إيران من حيازة السلاح النووي.

وأتاح الاتفاق رفع الكثير من العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران، في مقابل خفض أنشطتها النووية وضمان سلمية برنامجها. لكن مفاعيله باتت في حكم اللاغية منذ أن قرر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب سحب بلاده أحاديا منه عام 2018.

غير أن الوضع تبدل كثيرا منذ تعليق المفاوضات في يونيو؛ فقد تولى رئيس محافظ ومتشدد هو إبراهيم رئيسي السلطة في إيران وأكد دعمه للمسار الدبلوماسي لرفع العقوبات، إلا أنه شدد على أن بلاده لن تفاوض “من أجل التفاوض”، ولن ترهن وضعها الاقتصادي “برغبة الأجانب”.

وفي هذه الأثناء أعرب الغربيون عن قلقهم “الشديد والمتنامي” حيال أنشطة طهران النووية، بينما تراجعت إيران عن تنفيذ الكثير من التزاماتها الأساسية بموجب الاتفاق النووي، بعد حوالي عام على انسحاب ترامب منه ومعاودة فرضه عقوبات عليها انعكست أزمة اقتصادية حادة.

ولئن أبدى الرئيس الأميركي في مطلع العام ثقة في قدرته على إحياء الاتفاق فإنه لم يعد يخفي قلقه، وتعمل واشنطن على وضع خطة بديلة في حال الفشل في العودة إلى اتفاق فيينا.

وتهدف المفاوضات التي ستجري في فيينا، بين إيران وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي وبمشاركة أميركية غير مباشرة، إلى تحديد العقوبات التي سترفع عن طهران ووضع جدول زمني لعودتها إلى الالتزام بتعهداتها.

وقالت كيلسي دافنبورت -مديرة جمعية الحدّ من الأسلحة “أرمز كونترول أسوسييشن”- “سيتحتم على إدارة بايدن السير على حبل مشدود بإثباتها لإيران أنها ستجني منافع من رفع العقوبات في حال إعادة إحياء الاتفاق، دون الرضوخ للضغوط الإيرانية”.

وتطرح مسألة العقوبات التي أعادت الإدارة الأميركية السابقة فرضها معضلة حقيقية إذ تشكل شبكة تصعب حلحلتها، وازدادت تعقيدا بعد العقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأميركية الحالية، على غرار العقوبات المفروضة على برنامج إيران للطائرات دون طيار.

وأبعد من هذه المسائل يطالب القادة الإيرانيون بضمان أن أي تسوية يتم التوصل إليها لن تسقط إثر انتقال السلطة في الولايات المتحدة.

وهذه ضمانة لا يمكن لبايدن تقديمها، إذ حذر الجمهوريون من أنهم سينسفون الاتفاق في حال تسلمهم السلطة مجددا. غير أن الرئيس الديموقراطي وعد في إعلان مشترك مع نظرائه الأوروبيين بأنه “سيواصل احترام الاتفاق طالما أن إيران تحترمه”.

وأثنى المفاوض الروسي ميخائيل أوليانوف على “تقدم هام نحو الضمانات والتأكيدات التي تطالب بها إيران”.

المفاوضات التي ستجري في فيينا تهدف إلى تحديد العقوبات التي سترفع عن طهران ووضع جدول زمني لعودتها إلى الالتزام بتعهداتها

لكن السؤال الحقيقي الذي يراود الغربيين هو: هل أن رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي يريدان فعلا إنقاذ الاتفاق؟

وقد يخلص الأميركيون إلى أن ذلك غير صحيح إذا وصل مفاوضوهم الإيرانيون في التاسع والعشرين من نوفمبر إلى العاصمة النمساوية حاملين مطالب تعتبر غير واقعية.

وصعدت الولايات المتحدة النبرة بشكل ملفت إذ حذر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن في منتصف أكتوبر من أن بلاده مستعدة للنظر في “كل الخيارات” في مواجهة مثل هذا الاحتمال، وهو ما يمثل تهديدا ضمنيا بالخيار العسكري، فيما لوح نظيره الإسرائيلي يائير لبيد صراحة باستخدام القوة خلال مؤتمر صحافي مشترك.

وبعد بضعة أيام مضى الدبلوماسي السابق دينيس روس، الذي عمل مستشارا لرؤساء ديمقراطيين، إلى حد التأكيد على أن التهديد بالحرب بات “الوسيلة الوحيدة للتوصل إلى السلام مع إيران”.

وكتب في مقال في مجلّة “فورين بوليسي” أن “طهران لم تعد تنظر بجدية إلى واشنطن. ولإحياء الاتفاق النووي يجب أن يكون التهديد بتصعيد عسكري مطروحا على الطاولة”، معتبرا أن “الإشارة الروتينية إلى خيارات أخرى غير كافية”.

ورأى أنه “إن أرادت الولايات المتحدة الحد من خطر اندلاع نزاع وإعطاء الدبلوماسية فرصة للنجاح، سيتحتم على إدارة بايدن أن تبثّ مجددا في إيران الخوف من رد فعل أميركي، وتمارس ضغوطا أكثر فاعلية بكثير”.

لكن كيلسي دافنبورت ترى أن “التهديدات العسكرية قد تنقلب ضدنا”؛ إذ إنها تدفع إيران إلى السعي فعليا لصنع قنبلة نووية دفاعا عن نفسها.

وأقرت الخبيرة بأن المشكلة هي أن “الولايات المتحدة لا تملك أي خيار جيد” باستثناء العودة إلى اتفاق فيينا.

ويبدو تشديد العقوبات -مثلما ذكر النائب الديمقراطي آدم شيف- صعبا؛ ذلك أن العقوبات المفروضة حاليا صارمة في حين أن باقي العالم لن يبدي تجاوبا بعدما استاء من تبدل الموقف الأميركي في عهد ترامب.

ولإبقاء الباب مفتوحا أمام الدبلوماسية اقترحت كيلسي دافنبورت أن تطرح إدارة بايدن على طاولة البحث مطالبها الأخرى القاضية بوقف إيران تدخلاتها في الشرق الأوسط والحد من برنامج الصواريخ البالستية.

لكنها لفتت إلى أن “مفاوضات طويلة ومتشعبة قد تستغرق وقتا، وقد يتطور البرنامج النووي الإيراني” في هذه الأثناء إلى الحد الذي يجبر إسرائيل على تنفيذ تهديداتها العسكرية، مع “خطر حصول تصعيد حربي”.

5