بايدن يسعى إلى تتويج مسيرته السياسية بدخول البيت الأبيض

يسعى جو بايدن، أحد الثوابت في الحياة السياسية بالولايات المتحدة على مدار نصف قرن شغل خلاله مقعدا في مجلس الشيوخ ومنصب نائب الرئيس، لتتويج رحلته الطويلة بالصعود إلى قمة الهرم السياسي رغم أن الرحلة شهدت محاولتين فاشلتين للوصول إلى مقعد الرئاسة.
واشنطن - يضع المرشح الجمهوري جو بايدن نصب أعينه طموحا قلما حمله سياسيون في الولايات المتحدة، إذ أنه سيكون الأكبر سنا على الإطلاق بين من فازوا في انتخابات الرئاسة في حال تغلب على منافسه الجمهوري دونالد ترامب في الاقتراع الثلاثاء.
وعمل بايدن البالغ من العمر 77 عاما، الديمقراطي القادم من ولاية ديلاوير على تصوير تجربته السياسية على أنها مزية معتبرا نفسه زعيما يتمتع بالخبرة قادرا على أداء مهمة إبراء شعب أنهكته الجائحة وتحقيق الاستقرار.
ولدى قبوله ترشيح الحزب الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة في أغسطس الماضي شدد على أهمية التراحم وآداب المعاملة في مسعى للظهور بصورة النقيض لترامب المشاكس. وقال حينها “سأكون حليفا للنور، لا للظلام”.
ولم يفوت ترامب تلك الفرصة عندما سخر منه فدأب على وصفه بعبارة “جو النعسان”. وقال إن “قدراته الذهنية مستهلكة” تارة وقال عنه تارة أخرى إنه “سيصبح ألعوبة في يد اليسار المتطرف في الحزب الديمقراطي”، في الوقت الذي سعى فيه حلفاء الرئيس لتصوير بايدن في صورة “المسن المصاب بالخرف”.
وفي انتخابات الرئاسة في عامي 1988 و2008 حاول بايدن دون جدوى الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي إلى أن تحقق له ما يريد بحصوله على مباركة الحزب هذا العام بتأييد قوي بين الناخبين السود.
وقد حقق في مسيرته السياسية مزيجا من المؤهلات العمالية والخبرة في السياسة الخارجية وقصة حياة آسرة تقترن بمأساة عائلية تمثلت في فقدان زوجته الأولى وابنته في حادث سيارة ووفاة ابنه بالسرطان.
ووصل بايدن إلى واشنطن شابا حديث العهد بالسياسة وانتُخب في العام 1972 وهو في سن التاسعة والعشرين عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير وظل عضوا في المجلس على مدار 36 عاما قبل أن يصبح نائبا للرئيس من 2009 إلى 2017 في عهد باراك أوباما أول رئيس أسود للولايات المتحدة.
وبعد أن شغل منصب نائب الرئيس، استقر بايدن على عدم ترشيح نفسه في العام 2016 ليشهد الهزيمة التي ألحقها ترامب بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. واستهدف بايدن ترامب في معرض الإعلان عن عزمه خوض انتخابات 2020 في أبريل العام الماضي.
وقال بايدن “نحن في معركة من أجل روح هذه الأمة” مضيفا أن ترامب إذا أعيد انتخابه “سيغير طابع هذا الشعب وهويتنا تغييرا جوهريا وإلى الأبد. وأنا لا يمكنني أن أقف موقف المتفرج وذلك يحدث”.
بايدن مرشح الرئاسة الأميركية لم ينكر جذوره كونه من الطبقة العاملة للتواصل مع الأميركيين العاديين
وأسفرت محاولة من جانب ترامب للنبش في تصرفات بايدن عساه أن يجد ما يلوث سمعته عن توجيه الاتهام للرئيس في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون في ديسمبر الماضي.
وكان أساس التهمتين وهما إساءة استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس هو طلب قدمه الرئيس الجمهوري إلى أوكرانيا للتحقيق في اتهامات بالفساد لا سند لها في تصرفات بايدن وابنه هنتر.
وفي فبراير الماضي، برأ مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون الرئيس من التهمتين بعد أن رفض استدعاء أي شهود. وخلصت وكالات المخابرات الأميركية ومدير مكتب التحقيقات الاتحادي هذا العام إلى أن روسيا تمارس حملة لتشويه صورة بايدن وتعزيز فرص نجاح ترامب في الانتخابات وفي الوقت نفسه بث الفرقة في الولايات المتحدة وذلك بعد أن تدخلت في انتخابات 2016 للإضرار بفرص هيلاري كلينتون منافسة ترامب.
ولم تسر المحاولتان السابقتان لبايدن لخوض انتخابات الرئاسة على ما يرام فقد اضطر للانسحاب من السباق في 1988 بعد ادعاءات بأنه سرق بعض السطور في خطبه من خطب لزعيم حزب العمال البريطاني نيل كينوك. وفي 2008 لم يحصل على تأييد يذكر وانسحب من السباق ليختاره أوباما بعدها نائبا له.
وكثيرا ما يشير المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، المعروف بصراحته الشديدة في الحديث وزلات اللسان في بعض الأحيان إلى جذوره في الطبقة العاملة من أجل التواصل مع الأميركيين العاديين. وكان أيضا أول نائب لرئيس أميركي من الطائفة الكاثوليكية.
وفي عهد باراك أوباما أدى بايدن مهام لحل مشاكل صعبة تتعلق بالحرب والشؤون الخارجية وفي قضايا داخلية مثل تقييد امتلاك الأسلحة والسياسة المالية. ولم يأخذ الرئيس الديمقراطي السابق دائما بنصيحة نائبه. فقد أصدر موافقته على الغارة التي أسفرت عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في باكستان عام 2011 رغم تحذير بايدن له من خطورتها.
ورغم سنوات من العداء الحزبي في واشنطن ظل بايدن مؤمنا بالتعاون بين الحزبين الرئيسيين فخلال الفترة التي أمضاها في مجلس الشيوخ اشتهر بايدن بعلاقات العمل الوثيقة مع بعض زملائه من الجمهوريين، وبالإضافة إلى ذلك أيد عدد من الجمهوريين الساخطين بايدن في الانتخابات لانزعاجهم من احتمال فوز ترامب.
وخلال فترة عمله في مجلس الشيوخ تخصص بايدن في الشؤون الخارجية، بل ورأس في وقت من الأوقات لجنة العلاقات الخارجية. وقد أيد في تصويت بالمجلس تفويض اجتياح العراق في العام 2003 قبل أن يصبح منتقدا لأسلوب الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش في إدارة الحرب.
ويتكلم بايدن بكل صراحة عن المآسي التي شهدتها عائلته ومنها وفاة زوجته الأولى نيليا وطفلته ناعومي البالغة من العمر 13 شهرا في حادث سيارة بعد أسابيع من انتخابه عضوا في مجلس الشيوخ. وكاد أن يهجر الحياة السياسية لرعاية ابنيه الصغيرين اللذين نجيا من الحادث لكنه واصل المسيرة واعتاد أن يتنقل بالقطار بين ديلاوير وواشنطن لتفادي اقتلاعهما من البيئة التي نشأ الاثنان فيها.