"باس أوفر".. شابان أسودان ينتظران حدوث معجزة

رغم مرور ثلاثة عقود على غياب المفكر والكاتب المسرحي الأيرلندي صامويل بيكيت، فالبشرية ما تزال تحفظ له أروع ما قدّم في مسرح العبث وهي رائعة “في انتظار غودو”، والتي باتت تعتبر من الأعمال الخالدة بمزاجها السوداوي وسخريتها وعبثها وأفكارها التي تحاول تخليص الإنسان المعاصر من خيباته. وأخيرا أعيد مرة أخرى اقتباس مسرحيته هذه في حلة أميركية حولتها إلى عمل ضد التمييز العرقي.
نيويورك - افتُتح الأربعاء أول عمل مسرحي يُعرض على مسارح برودواي منذ أن أغلقت جائحة كورونا عام 2020 المسارح في مدينة نيويورك، في ما تعين على الجمهور الحصول على التطعيم ووضع الكمامات من أجل الحضور.
وبيعت جميع تذاكر العرض الأول لمسرحية “باس أوفر” للمخرجة دانيا تيمور، وهي معالجة عصرية لمسرحية “ويتينج فور غودو” أو “في انتظار غودو” للكاتب الأيرلندي الراحل صامويل بيكيت، على مسرح أوجست ويلسون في مانهاتن.
ضد العنصرية
تحكي المسرحية، التي كتبتها أنطوانيت تشينوني نواندو، قصة شابين من السود يقفان لساعات في زاوية شارع يدعوان أن تحدث لهما معجزة.
نالت المسرحية استحسان النقاد بما تتضمنه من خصائص تقنية تجعل من السهل عرضها في هذه الفترة المحفوفة بالمخاوف من فايروس كوفيد – 19، إذ يتكون فريق العمل من ثلاثة ممثلين، ويستمر العرض 85 دقيقة دون انقطاع.

"باس أوفر" أول مسرحية في برودواي بنيويورك منذ الإغلاق الطويل بسبب كورونا بطلاها شابان أسودان
ولكن أبرز ما يشد إلى هذا العمل المسرحي الجديد هو ما قام عليه من أصداء حول الوقائع التي حدثت مؤخرا، ومن بينها الجريمة العنصرية التي راح ضحيتها الرجل الأسود جورج فلويد أثناء محاولة إيقافه من قبل الشرطة، والتي أدانها الأميركيون ومختلف أقطار العالم، وخرجت ضدها العديد من المظاهرات المناهضة لها.
والمسرحية من بطولة سود خائفين من الموت على أيدي الشرطة في الشارع، في إسقاط غير مباشر لإثارة قضية الجريمة والعنصرية والتمييز العرقي.
الحادثة التي أبهرت المتفرجين، هي بسيطة وفي غاية التعقيد والإرباك: شخصان ينتظران ثالثا. ويبدو السأم سيد الموقف.. إنها فن التحدث عن الملل بتسلية عالية تقتل الملل.
التقاطعات في المسرحية كثيرة مع النص الأصلي لبيكيت “في انتظار غودو” والذي يعد أكثر أعماله شهرة وسطوة وتأثيرا.
المسرحية رسخت قلم بيكيت المميز بالبساطة والجوهرية، ووفقا لبعض تفسيراته، أنه كلما كان يكتب أعماله وفقا للإنسان المعاصر كان بالفعل يميل إلى التشاؤم. وقد نجح بيكيت في شرح هذا التشاؤم بأسلوب “الفكاهة السوداء” في أعمال اتسمت بالإيجاز والاختصار.
ودخلت مسرحيته “في انتظار غودو” الإرث العالمي والإنساني فأصبح لكل شخص الحرية في التصرف والاقتباس منها والنسج على منوالها، لكن “الأصل التجاري” يبقى للأيرلندي الشهير بيكيت، الذي أتحف القراء والمتفرجين بروائع على شاكلة “نهاية اللعبة” و”شريط كراب الأخير” و”المسرحية الصامتة”.
وما العمل الأميركي المعروض مؤخرا سوى تأكيد على أهمية مسرح بيكيت، المفكر والفيلسوف الذي كان شديد الاهتمام بالحداثة بالفنون البصرية، وعلى أنه يمكن قراءته من أكثر من زاوية، ويمكن إسقاط مسرحيته على أحداث وقضايا معاصرة، وهو ما نجح فيه العرض، الذي رغم أنه لعب على الملل في نسخته الأصلية فإنه في القراءة الجديدة لدانيا تيمور حاول أن يتجاوز رتابة الإيقاع، وذلك عبر ما تطرحه الشخصيتان الرئيسيتان من أفكار في حوارهما.
عودة برودواي

أشار منتجو العمل، ومن بينهم الكاتبة أنطوانيت تشينوني نواندو، إلى أن العرض يأتي في ظل تحسن الحالة الصحية العامة مع ضرورة الاحتياط.
وتلزم القواعد التي أعلنتها مسارح برودواي الأسبوع الماضي الجمهور والممثلين والعاملين في المسرح بالحصول على تطعيم كامل، وكذلك بوضع الكمامات طوال فترة العرض. وتسمح القواعد للمسارح باستقبال طاقتها القصوى من الجمهور.
وقالت المخرجة دانيا تيمور “الأجواء مذهلة. أجرينا بروفة وكان لدينا نحو 500 شخص هنا. الفرح الملموس وامتنان الجمهور جعلاني أبكي”.
بعد نجاح عرض هذه المسرحية من المقرر معاودة افتتاح معظم عروض برودواي ومنها مسرحيات موسيقية كبيرة
وسيلي العرض الأول لمسرحية “باس أوفر” حفل مجاني في الشارع خارج المسرح.
وقالت تيمور إن الممثلين وطاقم العمل اتبعوا بروتوكولات السلامة بصرامة. مضيفة “نحن جميعا نضع كمامات. والجمهور نفس الشيء. لذا فإن الوضع آمن تماما فيما يتعلق بكوفيد – 19”.
ومن المقرر معاودة افتتاح معظم عروض برودواي، ومنها مسرحيات موسيقية كبيرة مثل “هاميلتون” و”ذا لايون كينج” أو (الأسد الملك) و”ويكد” أو (الشرير) ، في سبتمبر بعد إغلاق المسارح منذ مارس 2020 عندما تفشى الوباء في نيويورك لأول مرة.
وقالت تيمور “آمل أن يكون هذا التجمع احتفالا ليس فقط للفرقة ولكن أيضا للجمهور الذي لديه ثقة كبيرة بدرجة تجعله يجلس في الداخل مع ألف شخص ويثق في أنها (المسرحية) ستكون آمنة، إنها فرصة للاحتفال بذلك وبمعاودة افتتاح برودواي”.
وكان نجم موسيقى الروك بروس سبرينجستين دشن افتتاح مسارح برودواي لأول مرة بعد كورونا بعرضه المنفرد “سبرينجستين أون برودواي” في يونيو الماضي، لكن أمام عدد محدود من الجمهور.
