باتيلي ينعى مبادرته ويوجه أصابع الاتهام إلى الفرقاء السياسيين

رمى المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا عبدالله باتيلي بفشل مبادرته في حل الأزمة الليبية على الأطراف الأساسية في المشهد، على غرار رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة والقيادة العامة للجيش، معتبرا أنها لا تملك الرغبة الحقيقية لتجاوز الخلافات السياسية وتمهيد الطريق أمام الانتخابات.
طرابلس - حملت إحاطة المبعوث الأممي الى ليبيا عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن الكثير من المؤشرات عن فشل مبادرته التي كان أطلقها في الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، ولقيت دعما دوليا متزايدا، لكنها اصطدمت بصلابة جدار العناد السياسي لدى الفرقاء الأساسيين ممن تشملهم المبادرة، والذين نجحوا في تهميشها والدفع بها إلى أن تكون مجرد ملف يضاف إلى رفوف أرشيف الأمم المتحدة.
وقال باتيلي إن “الأطراف المؤسسية الليبية الرئيسية غير راغبة في حل المسائل العالقة محل الخلاف السياسي لتمهيد الطريق أمام الانتخابات التي طال انتظارها في ليبيا” رغم استكمال الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات من قبل اللجنة المشتركة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدول “6+6” في العام 2023 والمصادقة عليه لاحقا من قبل مجلس النواب، في عملية استغرقت أكثر من 11 شهرا، وأضاف أن الأطراف الرئيسية مستمرة في وضع الشروط المسبقة لمشاركتها في الحوار الذي دعا له في نوفمبر 2023 “كوسيلة للحفاظ على الوضع القائم، وهو ما يبدو أنه يناسبهم”.
وأعاد باتيلي استعراض مواقف الفرقاء الأساسيين التي سبق أن تطرق إليها بالتفصيل في إحاطته السابقة في ديسمبر الماضي، حيث قال “إن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يشترط أن يناقش الاجتماع الخماسي تشكيل حكومة موحدة، والمشاركة في الاجتماع فقط في حال إما مشاركة الحكومتين أو استبعادهما معًا”، في إشارة إلى الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة برئاسة عبدالحميدالدبيبة، وهو موقف يؤيده كذلك المشير خليفة حفتر.
عبدالله باتيلي اعتبر أن حل المسائل التي حالت دون إجراء الانتخابات يستلزم تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية الرئيسية
واستعرض باتيلي موقف الدبيبة الذي “يصر على أنه لن يتنحى عن منصبه الحالي إلا بعد إجراء الانتخابات، ما يعني أن حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها ستشرف على العملية الانتخابية المقبلة”، بينما يرفض محمد تكالة القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب ويطالب بالعودة إلى المسودة التي اتفق عليها أعضاء لجنة “6+6” في بوزنيقة المغربية، ويرى أن الاجتماع الخماسي “ينبغي أن يركز النقاش على تنقيح القوانين الانتخابية لإعادتها إلى ما يسميه النسخة الأولية من النص”، في حين لا يريد محمد المنفي أن يكون طرفا بين تلك المؤسسات ويبدي استعداده للعب دور الميسر للاجتماع الخماسي.
ويرى مراقبون أن باتيلي نعى بالفعل مبادرته، ووجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين عن ذلك وهم رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة والقائد العام للجيش، لاسيما بعدما بات عاجزا عن مواصلة مهامه بعد عام وستة أشهر من تكليفه برئاسة البعثة الأممية وتمثيل الأمين العام للمنتظم الأممي، حيث لا يزال يراوح مكانه دون أي بوادر حل، رغم أن الكثير كانوا يعلقون عليه آمالا عريضة بصفته أول دبلوماسي من القارة الأفريقية يتولى الإشراف على الملف الليبي، مشيرين إلى أنه سيضاف إلى قائمة المبعوثين الأمميين الذي اضطروا إلى الاستقالة أو تمت إقالتهم بعد ثبوت فشلهم.
وفي محاولة للتهرب من تحمل المسؤولية عن الفشل، اعتبر باتيلي أن الموقف العام “يستلزم حل جميع المسائل التي حالت دون إجراء الانتخابات في عام 2021 من خلال المفاوضات والتوافق على تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية الرئيسية”، حاثا جميع الأطراف المؤسسية على المشاركة في الحوار دون شروط مسبقة، مشددا على ضرورة معالجة بواعث القلق والشواغل التي أعرب عنها بعض أصحاب الشأن الرئيسيين، من خلال إيجاد آلية مؤقتة للإدارة الشفافة والتوزيع العادل للموارد، وتوفير ضمانات لإيجاد أرضية تنافس متكافئة بين جميع المرشحين، وضمانات بألاّ تفرز الانتخابات سيناريو يستأثر فيه الفائز بكل شيء على حساب الآخرين، وأن تتضمن التسوية السياسية المتوخاة أيضًا خطوات بجدول زمني صارم يفضي في النهاية إلى يوم الاقتراع.
وأكد باتيلي أنه “لن يدعم أيّ مبادرة من شأنها تأجيج الصراع أو إشعال فتيل حرب تتسبب في إزهاق أرواح الليبيين.. حيث لا يمكن للمبادرات الموازية أن تكون ذات فائدة إلا إذا دعمت جهود الأمم المتحدة، لئلا تستغلها الأطراف الليبية كوسيلة لإدامة الوضع القائم”، وأعرب عن استعداده “للنظر في أيّ “مقترحات يمكن أن تفضي إلى حل يقوم على تسوية سلمية وشاملة بين الأطراف المعنية”، داعيا مجلس الأمن والمجتمع الدولي بالضغط على الأطراف الليبية إلى المشاركة بشكل بنّاء في هذه العملية التي تيسرها الأمم المتحدة.
باتيلي وجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين عن ذلك وهم رؤساء المجلس الرئاسي ومجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس الدولة والقائد العام للجيش
ووجه المبعوث الأممي انتقادات غير مباشرة إلى مواقف فرنسا والاتحاد الأوروبي عندما دعا من جديد إلى “اتباع نهج موحد ومنسّق من جانب كل أعضاء المجتمع الدولي”. وقال إنه سمع في مشاوراته مع شرائح المجتمع الليبي الأخرى، بما في ذلك الأحزاب السياسية، والأعيان، والجهات الأمنية الفاعلة، والمجتمع المدني، والمكونات الثقافية، والنساء والشباب، ومجتمع رجال الأعمال من شرق ليبيا وجنوبها وغربها، ما يعبّر عن مدى الإحباط الذي يشعرون به إزاء الوضع القائم وإزاء عجز قادتهم عن القيام بما هو مطلوب لوضع البلاد على طريق السلام والتقدم المستدامين، مردفا أنه التقى مؤخرا مع جهات أمنية مختلفة من الشرق والغرب حيث قال “كما التقيت مع الأطراف المتعارضة في المشهد الأمني بالمنطقة الغربية، ويبدو جليا أن لهم تأثيراً على المشهد السياسي، وإن قبولهم للعملية ضروري لإجراء الانتخابات، وكذلك التزامهم بالديناميكيات الحقيقية لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني”.
وأكد باتيلي على أن قبول الجهات الأمنية للعملية السياسية أمر ضروري لإجراء الانتخابات، وكذلك التزامهم بالديناميكيات الحقيقية لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني، منبها إلى أن استمرار انقسام المؤسسات سينجم عنه “عدم وجود ميزانية وطنية معتمدة يسترشد بها الإنفاق العام، مما يؤدي إلى إدامة غياب الشفافية في استخدام التمويل العام والتوزيع غير العادل لثروات البلاد. كما أنه يزيد من هشاشة الاقتصاد الليبي في مواجهة الاضطرابات الداخلية والخارجية”.
وبعد انتهاء باتيلي من تقديم إحاطته، تداول ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن على أخذ الكلمة والتعبير عن مواقف بلدانهم التي لا تزال تدور حول نفس التوجهات والرؤى منذ سنوات دون أن يكون لها تأثير على الواقع أو دور في تكريس الحل السياسي.
فقد أكد المندوب الأميركي في مجلس الأمن الدولي أن بلاده ملتزمة بدعم الاستقرار في ليبيا وضمان تنفيذ حظر الأسلحة وتقديم الخدمات للشعب الليبي، وقال إن الولايات المتحدة تؤيد القادة الليبيين في الجهود التي يبذلونها بدعم من لجنة “5+5″، لأجل تنفيذ وقف إطلاق النار وانسحاب المرتزقة من البلاد، داعيا إلى شفافية توزيع موارد النفط وعدم توجيهها لمكاسب خاصة.
المبعوث الأممي وجه انتقادات غير مباشرة إلى مواقف فرنسا والاتحاد الأوروبي
واعتبرت ممثلة المملكة المتحدة أن التنازل من كل الأطراف الليبية “ضروري لنجاح العملية الانتخابية”، مشيرة إلى أن زيارتها الأخيرة إلى ليبيا أكدت على الجمود السياسي الذي تشهده البلاد، ودعت الأطراف الليبية كافة إلى المشاركة بجدية في دعوة باتيلي للحوار دون شروط مسبقة وتسوية المسائل العالقة، مستنتجة أنه “زيادة على الجمود السياسي الذي تشهده البلاد فإن الشعب الليبي يعاني من عديد الانتهاكات في حقوق الإنسان”.
وأشار نائب مندوب روسيا إلى أنه “لا تلوح في الأفق أيّ بوادر تسوية سياسية دائمة للأزمة في ليبيا”، مؤكدا أنه “دون وجود حكومة موحدة تجمع كل الليبيين لن يتحقق أيّ تقدم” في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، ورأى إن المخرج الوحيد للخروج من المأزق الحالي في ليبيا “يكمن في إجراء الانتخابات”، مشددا على ضرورة مشاركة الأطراف الفاعلة كافة في ليبيا في جهود حل الأزمة، حاثا الأمم المتحدة على أن تضطلع بدور أكبر للدفع بالعملية السياسية قدما إلى الأمام.
ودعت مندوبة فرنسا الأطراف الليبية إلى التوصل لاتفاق يفضي لتشكيل حكومة موحدة من أجل توحيد السلطة التنفيذية والمضي قدما نحو العملية الانتخابية، مشيرة إلى أن الوضع الأمني في البلاد أصبح هشا للغاية ويفضي إلى عدم الاستقرار في المنطقة، وأكدت على ضرورة استكمال تنفيذ بنود اتفاق وقف إطلاق النار لاسيما سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، مشيرة إلى أن فرنسا تدعم جهود الأمم المتحدة لتنظيم انتخابات شاملة في ليبيا وستعمل على توحيد المؤسسة العسكرية بالتعاون مع اللجنة المشتركة “5+5” التي تضم ضباطا رفيعي المستوى يمثلون مناطق شرق وغرب ليبيا والذين سبق أن أسهم اتفاقهم في التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة.
وبيّن مندوب اليابان لدى الأمم المتحدة رئيس لجنة العقوبات الدولية بشأن ليبيا السفير يامازاكي كازويوكي أن اللجنة ستنظر في خطة استثمار قصيرة الأجل قدمتها المؤسسة الليبية للاستثمار في وقت سابق إلى اللجنة، وذلك ضمن مساعي الصندوق السيادي الوطني للحفاظ على الأموال والأصول المجمدة بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
وأشار إلى أن لجنة العقوبات الدولية قررت رفع حظر السفر عن أرملة العقيد الراحل معمر القذافي، صفية فركاش، لكنها لا تزال خاضعة لقرار تجميد الأصول، مردفا أن لجنة العقوبات الدولية التي تأسست في العام 2011 لن تسمح بتبديد الأصول الليبية المجمدة بموجب قرارات مجلس الأمن الدولي.
باتيلي حض السلطات المعنية كافة على رفع الحظر المفروض على أنشطة المفوضية العليا للانتخابات
وردا على تصريحات باتيلي أمام مجلس الأمن حول “توجيه 11 مكتبا ميدانيا للمفوضية في مناطق تحت إدارة حكومة حماد بتعليق عملياتهم وإغلاق مقارهم”، نفت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة أسامة حماد ذلك، وأكدت أنه “لم يحدث بشكل رسمي أو غير رسمي” وأن “الفروع موجودة على رأس عملها”، ووصفت تلك التصريحات بأنها “مستقاة من حكومة الوحدة الوطنية (…) ومجانبة للحقيقة”، مقدمة دليلين للنفي وتأكيد تعاونها مع مفوضية الانتخابات.
واستشهدت الحكومة في هذا السياق بكتاب وجهه رئيس مفوضية الانتخابات عماد السايح في 11 فبراير الجاري إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يستفسر فيه عن الأمر “دون أن يؤكده بشكل واضح”، وتابعت أن رئيس جهاز الأمن الداخلي في رده “الشائعات التي تتهمه بإصدار تعليمات بإغلاق فروع المفوضية”، مبديا “استعداده لتوفير المناخ الأمني المناسب لدعم نجاح العملية الانتخابية”.
و ذكرت حكومة حماد بمخاطبتها من رئيس المفوضية في 21 يناير و21 ديسمبر الماضيين لتقديم الدعم المادي له للتحضير للعملية الانتخابية، مشيرة إلى تخصيصها ما يفوق ثمانية ملايين دينار لإنجاز انتخاب 14 مجلسا محليا للبلديات الواقعة تحت سيطرتها الإدارية.
واتهمت حكومة حماد باتيلي بـالانحياز إلى حكومة الدبيبة، ودعت إلى إبعاده عن المشهد الليبي نهائيا واختيار خلف مناسب له يكون همه الأول “حل الانسداد السياسي وليس مصالحه الشخصية أو التشبث بآرائه الخاصة، والتي لا تعكس إرادة هيئة الأمم المتحدة في تيسير وتسيير الحوار في ليبيا ولمّ شمل الليبيين”.
وتحدث باتيلي عن “توجيه 11 مكتبا ميدانيا لمفوضية الانتخابات في مناطق تحت إدارة الحكومة التي عينها مجلس النواب بتعليق عملياتهم وإغلاق مقارهم”، معتبرا أن “هذا تدخل غير مقبول في عمليات هذه الجهة ذات السيادة”، ودعا في إحاطته حكومة الوحدة الوطنية إلى اعتماد الميزانية اللازمة للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات حتى تستطيع التعجيل بالاستعداد للانتخابات المحلية.
وحض باتيلي السلطات المعنية كافة على رفع الحظر المفروض على أنشطة المفوضية العليا للانتخابات، داعيا حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة إلى اعتماد الميزانية اللازمة للمفوضية، وأوضح “يوم الأول من فبراير الجاري، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن عقد انتخابات محلية في 97 بلدية في أنحاء البلاد هذه السنة، وهذا القرار لاقى ترحيبا من المواطنين في المدن والبلديات في أنحاء ليبيا، ولكن حكومة الوحدة الوطنية لم تعتمد ميزانية لهذه المهمة”.
من جانبه، أبرز مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة طاهر السني أنه “لا يوجد أيّ تقدم في المسار السياسي، وما زلنا ندور في حلقة مفرغة”، ونادى بضرورة أن تقوم البعثة الأممية “بدعم الملكية الليبية للحل”، بالإضافة إلى كشف المعرقلين للحل السياسي في ليبيا سواء كانوا محليين أو دوليين، لافتا إلى أنه “لا يوجد تقدم في المسار السياسي يمكن الحديث عنه وسؤال المواطن ماذا بعد لقاءات المبعوث الأممي مع القيادات والفاعليات؟”. وأوضح السني أنه “لا مبادرات حقيقية تدور في الأفق”، في حين ينتظر الليبيون الخروج من الأزمة وإجراء الانتخابات العامة وإنهاء الانقسام، لافتا أن “التحليل والتشخيص والإحاطات عن الوضع في ليبيا لم تقدم أيّ جديد”.