اﻷﺳﺒﺎﻧﻲ ﻓﺎﻟﺲ رﺋﻴﺲ وزراء ﺟﺪﻳﺪ ﺑﻤﻮاﺟﻬﺔ اليمين اﻟﺼﺎﻋﺪ

تبدو فرنسا اليوم، في أطوار جديدة، بعد أن جرّبت عهود شيراك وساركوزي ثم عادت من جديد إلى الاشتراكيين مع هولاند، فقد فاجأ الجميع صعود اليمين الفرنسي المتطرف في الانتخابات، بسبب المبالغة في سياسة هولاند في فرض الضرائب والتقشف الاقتصادي، وهو ما لا يريده الشعب، وأخيرا عيّن الرئيس الفرنسي وزير الداخلية مانويل فالس رئيسا جديدا لـ”حكومة مقاتلة” كما سمّته الصحافة، خلفا لجان مارك إيرولت الذي قدم استقالته بعد الهزيمة في الانتخابات البلدية.
فشل حكومة إيرولت
ولن يتعب القارئ كثيرا في تتبع أوجه الشبه الكبيرة ما بين خطاب زين العابدين بن علي عشية الثورة التونسية حين قال للتونسيين” أنا فهمتكم” وخطاب هولاند بعد ظهور نتائج الانتخابات، إذ قال هولاند: “عهدت إلى مانويل فالس بمهمة قيادة حكومة فرنسا”، مؤكدا أنه تلقى “بوضوح” رسالة الفرنسيين، واعدا بفريق حكومي مصغر وبتخفيف الضرائب قبل العام 2017، وأضاف أنه قرر تعيين فالس لرئاسة “حكومة مقاتلة” تكون مهمتها الرئيسية “إنقاذ الاقتصاد الفرنسي”، معترفا بفشل حكومته في مواجهة الأزمة الاقتصادية في البلاد خصوصا لجهة خفض البطالة والضرائب، واعتبر أنه من حق الفرنسيين أن يكون لديهم “الكثير من التساؤلات حول قدرة البلد على الخروج من أزمته على الرغم من أن لديه رصيدا كبيرا” وتعهّد بالعمل على استعادة موقع فرنسا "وتأثيرها في أوروبا والعالم".
الداخلية للضبط أم الإنقاذ
وقد تم اختيار مانويل فالس المهاجر الأسباني المولود في برشلونة، في تأكيد عاصف على مبادئ مغايرة لمبادئ اليمين الفرنسي المتعصب، وكذلك في إشارة إلى أن هولاند مستعد لتطبيق ما يطلبه الاتحاد الأوروبي نحو الإصلاحات الاقتصادية المؤيدة للأعمال وخفض الإنفاق العام، ويعدّ تحول 155 بلدة إلى حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية لتيار اليمين والوسط وإعلان حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف فوزه في 11 منها، تغيرا كبيرا في مزاج الفرنسيين الذين صوتوا لهولاند برغبة حقيقية في التغيير، فقد اعتبر كثيرون أن الانتخابات الأخيرة أظهرت أن الفرنسيين لا يثقون بقدرة الحكومة على خفض معدل البطالة الذي يتجاوز 10 بالمئة.
يريد هولاند أن يصلح الصورة التي لحقت بعهده، الشخصية منها والرسمية، التي عكست فوضى عارمة في الإدارة، وهو مصر على أن فرصته ستكون في تصويت البرلمان منتصف نيسان ـ أبريل، على حزمة “اتفاق المسؤولية” بقيمة 30 مليار يورو لخفض الضرائب على الشركات.
ولكن السؤال ينصبّ على الدور الذي سيلعبه وزير للداخلية، بمواجهة أزمات اقتصادية ومجتمعية ونهوض للمعارضة في الشوارع، فهل سيكون دور رئيس الوزراء الجديد ضبط الشارع والمتظاهرين كاستمرار لعمله السابق في الداخلية، أم أن هناك ما يمكنه فعله خارج هذا الإطار؟
المؤرخ والاستحقاق الحكومي
فالس ابن الستينات، هو ثالث رئيس حكومة فرنسي من أصول غير فرنسية، بعد بيار باراغوفوي الأوكراني الأصل ورئيس الحكومة الفرنسية في عهد ميتران، وإدوارد بالادور الأرمني التركي، كان قد درس التاريخ وحصل على الجنسية الفرنسية في العشرين من عمره في بداية الثمانينات، ورغم حبه الشديد لفرنسا، إلا أنه يحرص على إظهار اعتزازه بأصوله، ولم يسبق له أن حاول إخفاءَها، متحمس للاشتراكية، ويعدّ من اليمين الاشتراكي، ويوصف بأنه ” توني بلير” آخر، في أفكاره وأسلوبه، وكذلك ثوريته التي عبّر عنها برغبته في تغيير اسم الحزب الاشتراكي، مع استمراره في نقد مسيرته، كان والده خافيير فالس رساما من كاتالونيا، وكان ابنه مانويل معارضا شديدا لزعيم الاشتراكيين ميتران، ولا تنطبق على فالس صفة مؤرخ لأنه درس التاريخ وحسب، بل لأنه ينظر إلى مسيرته السياسية كجزء من تغيير تاريخ اليسار الفرنسي برمّته.
تظهر استطلاعات الرأي أنه في الوقت الذي تراجعت فيه شعبية هولاند إلى مستوى تاريخي قارب 23 بالمئة، تبين أن فالس يحظى بشعبية جيدة، تم تقديرها بنسبة 56 بالمئة. ووصف فالس بـ"نائب الرئيس"، رغم عدم وجود مثل هذا المنصب في فرنسا
معاناة هولاند السابقة مع فالس
قبل أزمة الانتخابات كانت لهولاند حزازات كثيرة مع الشخص الذي اختاره اليوم لترؤس حكومته، وربما كان لزجّه باسم فالس دوافع أخرى تتعلق بالانتخابات الرئاسية القادمة التي رشّح المراقبون أن فالس هو من سيفوز بها في حال استمرّ صعوده الشعبي، وخاصة حين صنفته الصحافة الفرنسية بالرجل الأكثر شعبية في فرنسا.
ومع ذلك فقد كان لفالس فضل كبير في الدفاع عن سمعة الرئيس هولاند، وقال في معالجته لمشكلة تهجير إحدى الفتيات الغجريات وعائلتها من فرنسا والامتناع عن منحها حق اللجوء: ” أعتقد أن الانتقادات الموجّهة إلى الرئيس غير عادلة تماما” وتظهر استطلاعات الرأي أنه في الوقت الذي تراجعت فيه شعبية هولاند إلى مستوى تاريخي هو 23 بالمئة، تبيّن أن فالس يحظى بشعبية جيدة، تم تقديرها بنسبة 56 بالمئة. ووصفت مجلة “الأوبسيرفر” الفرنسية فالس على غلاف أحد أعدادها بـ “نائب الرئيس″، رغم عدم وجود مثل هذا المنصب في فرنسا.
ولد فالس في برشلونة وحصل على الجنسية الفرنسية في سن العشرين، وكان أكثر أعضاء اليسار حماسا للتغيير، حتى أنه طالب بتغيير اسم الحزب الاشتراكي ومساره وانتقد تاريخه
وقالت دير شبيغل الألمانية إن “هولاند يعلم أنه لا يستطيع أن يستغني عن وزيره الوحيد، الذي لا يزال بمقدوره حشد الحماسة. فهو يريد من فالس أن يدرأ الجبهة الوطنية الشعبوية اليمينية، التي قد تصبح القوة الأبرز في الانتخابات الأوروبية والمجتمعية عام 2014″ الأمر الذي حدث فعلا.
مقامرة هولاند الأخيرة
واعتبرت صحيفة “اللوموند” أن تكليف مانويل فالس برئاسة حكومة باريس يشكل “مقامرة” بالنسبة إلى هولاند، لأن فالس لم يحصل سوى على 5.6 بالمئة في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في عام 2011 “في الوقت الذي أصبحت ولاية الرئيس (هولاند) التي تستمر خمسة أعوام مهددة بأن تتحول إلى مأساة”، ويعتبر مانويل فالس أفضل ممثل لليسار الليبرالي اقتصاديا، واليسار الجمهوري أو الأمني من حيث المبادئ العامة، لذلك فهو ليس النموذج الديمقراطي – الاجتماعي الذي كان يمثله الرئيس هولاند، ولكن ربما أصبح اليوم هناك توازن مع تعيين مانويل فالس مع اليمين، وتنتبه اللوموند إلى أن فارق العمر ما بين فالس وسلفه إيرولت والذي يقدر بـ13 عاماً، قد يجذب انتباه الناخبين، والرأي العام الفرنسي، سيما بعد أن نجح فالس في جميع المهام التي كلّف بها من قبل، وخاصة عندما كان يشغل منصب مسؤول الاتصال مع رئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان في أواخر التسعينات في قصر ماتينيون.
اعتبرت صحيفة "لوموند" أن تكليف مانويل فالس برئاسة الحكومة يشكل "مقامرة" بالنسبة إلى هولاند، لأن فالس لم يحصل سوى على 5.6 بالمئة في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي في عام 2011 "في الوقت الذى أصبحت ولاية الرئيس هولاند التي تستمر خمسة أعوام مهددة بأن تتحول إلى مأساة"
مخاوف المعارضة من فالس
وربما بدأ هولاند يحصد ثمار قراره بتعيين فالس رئيسا للحكومة، وهو الذي يريد إشغال الأطراف كلها بعضها ببعض، فقد طرح حزب “أوروبا البيئة – الخضر” العضو في الغالبية الحاكمة الحالية شروطا صعبة لقبول حكومة فالس، وقالت إيمانويل كوس زعيمة الخضر إن حزبها “ينتظر منذ اليوم توضيحا من رئيس الوزراء حول توجه الحكومة الجديدة”، وندد جان لوك ميلانشون زعيم حزب اليسار المتشدد باختيار فالس معتبرا أن هولاند اختار تعيين “أكبر شخصية خلافية في اليسار” فيما قال بيار لوران زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي أن فالس “لا يسمع إلا بإذنه اليمنى”، أما مارين لوبن رئيسة حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) فرأت أن التعديل الحكومي “لن يغير شيئا لأن ما ينتظره الفرنسيون هو تغيير في السياسة وليس صفقة حكومية”.
فالس والمهاجرين العرب
إلا أن المهاجر الأسباني الذي أصبح رئيسا لوزراء فرنسا، والمنحاز للمهاجرين دوما، لا يظهر أنه يحوز إعجاب المهاجرين العرب، سيما أولئك المغاربة منهم، فقد خطب إمام مسجد بمدينة “إيفري” ضاحية العاصمة الفرنسية، وهو مواطن فرنسي من أصل مغربي أمام جموع من المصلين بعد صلاة الجمعة، مذكرا إياهم بمعاداة وزير الداخلية مانويل فالس للإسلام والمسلمين، وتحقيره إياهم، وذلك قبيل أيام من الانتخابات المحلية الفرنسية، وقد حث الإمام المنتخبين على عدم التصويت للحزب الاشتراكي، والذي ينتمي له الوزير “لفالس″، مذكرا إياهم بما قاله وزير الداخلية الفرنسي قبل سنوات حين انتخب رئيسا لبلدية إفري، حسب تصريح الخطيب على لسانه قائلا: “إنني انتخبت في مدينة فرنسية يشكل المسلمون 60 بالمئة من سكانها، لكن ذلك لن يغير شيئا من مساندتي الدائمة واللامشروطة لإسرائيل”.