انقسام حول عودة معارضي الخارج إلى مصر

بين رافض ومساند لدعوات عودة المعارضين للنظام المصري من الخارج تنقسم آراء السياسيين المصريين وسط صمت حكومي رسمي. ويعتبر شق من المصريين أن رجوع من لم تتعلق بهم أحكام قضائية ضروري ويخدم المصالحة الوطنية بينما يقر آخرون بأن الخطوة ستمثل ثغرة تسهم في إعادة تدوير الإخوان.
القاهرة - أثارت مبادرة أطلقها عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان ورئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات بعنوان “عودة آمنة للمصريين بالخارج” جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية، وبدت كأنها خطوة مبهمة في ظل تجاهل رسمي تام لها، بينما واجهت هجوماً من بعض الشخصيات القريبة من الحكومة.
وأشار السادات في مبادرته التي أطلقها السبت إلى أنها حظيت بترحيب رسمي من مؤسسات الدولة المختلفة، وربط بينها وبين الحوار الوطني قائلاً “جرى وضع رؤية لاحتواء شباب المصريين المتواجدين بالخارج ممن حكمت الظروف بتواجدهم لأسباب مختلفة سواء أكانوا باحثين أو صحافيين أو عاملين بشكل عام”.
وعلمت “العرب” من مصادر مطلعة أن السادات، وهو نائب سابق في البرلمان المصري، لم ينسّق مع أي جهات رسمية مثلما أكد في بيانه، والحديث عن عودة المعارضين من عدمها متروك للنقاش في جلسات المحور السياسي والحقوقي داخل الحوار الوطني، و”مثل هذه المبادرات التي تخرج عن أشخاص يمكن وصفها بأنها شخصية قد تضع عقبات أمام الحوار الذي يتلمس خطواته الأولى”.

طارق العوضي: هناك إشارات طمأنة للمعارضة بعيداً عن تنظيم الإخوان
ولدى البعض من السياسيين قناعة بأن أزمة المبادرة التي طرحها السادات تجور على إحدى مهام الحوار الوطني الذي يبتغي الوصول إلى صيغة مقبولة من الجميع تجاه التعامل مع المعارضين، وعلى رأسهم معارضو الخارج، وهو ما يفسر الهجوم الذي لاقته مبادرة السادات من دوائر قريبة من الحكومة ترى أن هناك “من يضعون العراقيل،عن قصد أو بدونه، أمام المؤتمر لخدمة أطراف معادية”.
ويحرص النظام المصري على أن تكون خطواته نحو فتح المجال العام معلنة وتأتي غالبا من رئيس الدولة أو أجهزة حكومية أو كيانات تشكلت بإشراف الرئيس عبدالفتاح السيسي مثل “لجنة العفو الرئاسي”، وهو ما أثار تساؤلات حول مبادرة عبرت عن رغبة شخصية من مقدمها، استناداً إلى عضويته بالمجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) وتقدير سياسي غير دقيق يستثمر مسألة الانفتاح الراهن على المعارضة.
وأوضح عضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي أن التعامل مع معارضي الخارج وبحث الحالات الخاصة بعودة بعضهم يندرجان “ضمن إطار عمل اللجنة، ولم يحدث تنسيق مع رئيس حزب الإصلاح والتنمية بشأن هذا الملف في الفترة الماضية، ولم يحدث تنسيق مماثل مع أجهزة الدولة بشأن التطرق إلى وضعية معارضي الخارج”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الدولة لا توجه دعوات للمعارضين من أجل العودة، فمن يرغب في ذلك يتواصل مع الجهات الرسمية للتعرف على موقفه القانوني، وهناك دراسة لكل حالة على حدة لشخصيات لديها رغبة في العودة، كما أن المعارضين الذين عادوا في الفترة الماضية لم يتعرضوا لملاحقات أمنية”.
وعاد إلى مصر البعض من المعارضين، أبرزهم الناشط السياسي وائل غنيم الذي كان ضمن الأسماء الفاعلة قبيل انطلاق شرارة ثورة يناير 2011 ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأستاذ العلوم السياسية عمرو حمزاوي الذي عاد إلى القاهرة ووافق على المشاركة في جلسات الحوار الوطني.
وتوقع العوضي أن تشهد الأيام المقبلة المزيد من الانفتاح على المعارضة والاستماع لمطالبها، والإعداد لقوائم عفو جديدة، وسط حرص أجهزة رسمية على إرسال إشارات طمأنة لجميع أطياف المعارضة بعيداً عن تنظيم الإخوان، وتأكيد أن الدولة تجاوزت صعوبات أمنية كثيرة، وانتصرت في معركتها على الإرهاب، وتريد تدشين نقلة في عملية الانفتاح السياسي.
وبدت مبادرة السادات متماشية مع هذه التوجهات، حيث وضع شروطاً للعودة لمن يرغب، منها عدم مخالفة دستور البلاد وألا تكون صادرة ضده أحكام وألا يكون متورطا في عنف وألا ينتمي إلى جماعة إرهابية أو محظورة، وطالب الراغبين بالتواصل وإرسال تاريخ مغادرتهم البلاد وصورة من جوازات سفرهم.
واستهدفت مبادرة محمد أنور السادات كل مصري مقيم بالخارج ويود الرجوع بشرط أن تكون عودته مرتبطة بعدم مخالفته القوانين والتشريعات الوطنية ودستور البلاد في حال رجع إلى ممارسة العمل السياسي وأي نشاط اجتماعي أو مدني آخر.

أمينة النقاش: الدعوة إلى عودة معارضي الخارج يصعب رفضها بشكل كامل
وتتعامل الحكومة المصرية بتوجس مع ملف معارضي الخارج لأن عددا كبيرا منهم انخرط في تبنى خطابات وشعارات رفعها تنظيم الإخوان، المصنف إرهابيًا في مصر، ولدى بعضهم قناعة بوجود تفاهم ضمني بين المعارضين وبين جماعة الإخوان عند العودة، في حين أن النظام المصري يريد طمأنة المشاركين في الحوار، وهو على استعداد لإفساح المجال أمام عمل المعارضة الوطنية بعيدا عن الإخوان.
وأطلق معارضو الخارج من المدنيين دعاوى تظاهر ضد النظام المصري في سنوات سابقة وظهروا كأطراف تعمل على تأليب المواطنين نيابة عن جماعة الإخوان التي لم تعد مواقفها محل تأثير وأسهم تفكك خطابها في إضعاف أذرعها المختلفة.
وقالت القيادية بحزب التجمع اليساري أمينة النقاش إن الدعوة إلى عودة معارضي الخارج يصعب رفضها بشكل كامل، لكن المهم ألا تبقى ثغرة تفتح المجال لحديث جديد عن مصالحة مع الإخوان، “لأن النظام المصري يدرك أن التنظيم في الوقت الحالي يعيش حالة كمون وينتظر اللحظة السانحة لمعاودة الهجوم بشكل أكثر شراسة”.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك حالات فردية لأشخاص معارضين ليست لهم صلات بتنظيم الإخوان ولا تشكل عودتهم خطراً على الأمن القومي، بل بالعكس لا يفيد بقاؤهم خارج القاهرة، وقد يشكلون إزعاجاً سياسيا وإعلاميا للأوضاع الداخلية عبر ترويج الشائعات والمبالغات أثناء التطرق إلى طبيعة ما يحدث في الداخل”.
وأشارت إلى أنها تقدمت بمقترحين إلى لجنة إدارة الحوار الوطني بشأن ضرورة فسح المجال أمام عودة الإعلامي باسم يوسف والسماح له بالعمل مجدداً، وأنه لا يوجد ما يستدعي التخوف من تقديم برنامجه الذي يقوم على الكوميديا وإن حوى انتقادات ومبالغات، وتضمن المقترح الثاني إتاحة الفرصة لعودة المطرب حمزة نمرة الذي له أغان وطنية أدّاها في الخارج ولا يستطيع تقديمها أمام جمهوره المصري.
ومؤخرا لمّح الفنان حمزة نمرة، الذي واجه اتهامات عديدة بالانضمام إلى تنظيم الإخوان، إلى إمكانية عودته لمصر، ونشر صورة له في مدينة الإسكندرية في ظل معلومات ترددت حول التجهيز لمشاركته في حفل غنائي بأحد المنتجعات المصرية قريبا.