انفتاح مصر على الإعلام الأجنبي يمهد لتدفق المعلومات

عبّرت الجلسة الأخيرة للحوار الوطني في مصر التي استمرت لأكثر من ثلاث ساعات وحضرها أكثر من 20 وسيلة إعلام عربية وأجنبية بأن هناك رغبة مصرية في الانفتاح على الإعلام الخارجي، أكثر من أي وقت مضى، لتوضيح صورة أقرب إلى الواقع للأوضاع الداخلية الاقتصادية التي تشغل حيزاً سلبيا في الإعلام الدولي.
القاهرة - استبق المنسق العام للحوار الوطني في مصر ضياء رشوان انطلاق جلسات الحوار المباشرة الأحد المقبل وعقد اجتماعاً مطولاً مع وسائل إعلام عربية وأجنبية عديدة ووعد بإتاحة الفرصة أمامها لتغطية الجلسات دون صعوبات أو محاذير، في خطوة تستهدف التسويق لأجندة النظام المصري خارجيًا، ما قد ينتج عنه السماح بتدفق المزيد من المعلومات أمام وكالات الأنباء والصحف العالمية.
وأوضح رشوان في تصريحات إعلامية، عقب انتهاء اللقاء، مساء الأربعاء، أن قدر الاقتناع بجدوى الحوار وما يشهده الداخل من تفاعلات أكبر مما ظهر في لقاءات أخرى مع وسائل الإعلام الدولية، وأن ذلك يرجع للانفتاح والحضور الإعلامي الذي شهدته الجلسة الأولى من الحوار.
ووجّه حديثه إلى الإعلام الأجنبي قائلا “الأبواب مفتوحة وانقلوا ما ترون وحللوا ما ترغبون فيه”، كما أن وسائل الإعلام المصرية سيكون بإمكانها الحضور للتغطية دون توجيه دعوات إليها مع الاكتفاء بإظهار بطاقات النقابات وخطابات المؤسسات للدخول والتغطية، وأن الإعلام خلال السنوات العشر الماضية أصبح بوابة السياسة والاقتصاد ما يجعل هناك حاجة إلى الاهتمام به على نحو أكبر.
ويشغل ضياء رشوان أيضَا منصب رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة حكومية تختص بالتواصل مع الإعلام الأجنبي، ما يجعل مهمته أكثر سهولة بفعل منصبه الذي يحمل شقين أحدهما إعلامي والآخر سياسي.
الإعلام الدولي يولي اهتماما أكبر بقضايا الاقتصاد المصري والسياسة الخارجية والملف الحقوقي والسياحة والآثار
وترسل هذه النوعية من التصريحات إشارات إعلامية مفادها أن القاهرة تتوجس كثيراً من تغطيات وسائل الإعلام الأجنبية الراهنة للأوضاع الداخلية، وترى بأن وجهة نظر الطرف الرسمي غائبة في الجزء الأكبر منها.
كما أن الأجواء التي تحيط بالحوار الوطني وتجمع الكثير من السياسيين والاقتصاديين والشخصيات والنخب المصرية المختلفة فرصة سانحة لتواصل مبنيّ على أرضية وطنية مع الإعلام الأجنبي.
وتتكرر اللقاءات التي يعقدها رئيس الهيئة العامة للاستعلامات مع ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية ومندوبيها، لكن ذلك لم يؤد في النهاية إلى تحسن ملموس في الأدوات التي تساهم في إتاحة حرية المعلومات.
ويعد قانون تداول المعلومات على رأس الملفات التي سيتم النقاش حولها في الحوار باعتباره حقًا دستوريا لم يتحول بعد إلى تشريع قابل للتنفيذ على الأرض.
ويشكل ذلك مناسبة مهمة للتأكيد على جدية الحكومة المصرية في تغيير رؤيتها بشأن التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية أيضا.
ويؤكد خبراء الإعلام أن توجيه رسائل إيجابية للإعلام الأجنبي مع بدء مرحلة جديدة تدفع فيها السلطة نحو تعزيز دور الكيانات الإعلامية للقيام بدور التغطية المباشرة لجلسات الحوار والانفتاح على أكبر قدر من الصحافيين والإعلاميين بمن فيهم الذين لديهم رؤى معارضة تطور إيجابي تنتظر الحكومة أن يلقى تجاوبا في الخارج.
الأجواء التي تحيط بالحوار الوطني وتجمع الكثير من السياسيين والنخب المصرية المختلفة فرصة سانحة لتواصل مبنيّ على أرضية وطنية مع الإعلام الأجنبي
ومن وجهة نظر هؤلاء الخبراء فإن الحكومة تستهدف تخفيف حدة التقديرات السلبية للأوضاع الاقتصادية الصعبة، والتأكيد على وجود مسارات إصلاح متوازية إعلامية وسياسية وأمنية، وقد تطال الاقتصاد الذي يشكل هاجسا في الداخل والخارج.
وأوضح أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم أن التطمينات الجديدة منطقية وضرورية، لأن الرسالة الإعلامية للحوار يجب أن تتناسب مع مخرجاته في ظل مساع رسمية لإنجاحه بما يخفف من حدة الأزمات في الداخل، وأن متابعته بشكل يتسم بالشفافية من جانب وسائل الإعلام يدعم تسويقه خارجيا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن النظام المصري لديه رغبة ملحة في تحسين صورته في الخارج، ما يتطلب اتباع مجموعة من الخطوات على رأسها إيجاد مسارات جيدة للتواصل الفاعل مع الإعلام الأجنبي وإثراء النقاش في مجالات مختلفة بالداخل، بما يشي بوجود حراك إيجابي، وأن الخطوة المقبلة يجب أن تتمثل في إزاحة الكثير من القيود التي تعترض قدرة الإعلام المحلي والأجنبي على الوصول إلى المعلومات ومصادرها وإتاحة أكبر قدر من الحرية أمام الصحافيين.
وذكر أن المشكلة الرئيسية التي تجابه الانفتاح الحالي تتمثل في ضعف الأدوات التي تعزز من فاعلية التواصل مع الإعلام الأجنبي، فهناك قناعة بوجود دعاية سياسية مضادة للدولة المصرية تقودها بعض وسائل الإعلام الأجنبية، ما يزيد اقتناع الأطراف الحكومية بعدم جدوى الانفتاح، وهي ذاتها لا تجيد التعامل مع ممثلي الصحف والوكالات الأجنبية ومندوبيهما، كما أن نجاح التواصل مع الخارج سيكون في حاجة إلى أدوات نشطة للتواصل مع المواطنين المصريين عبر وسائل الإعلام المحلية.
وكان ضياء رشوان أشار في لقائه مع بعض وسائل الإعلام الأجنبية إلى أن الشعب المصري في حالة ترقب لجلسات الحوار أكثر من الإعلام الدولي.
الحكومة تستهدف تخفيف حدة التقديرات السلبية للأوضاع الاقتصادية والتأكيد على وجود مسارات إصلاح متوازية إعلامية وسياسية وأمنية
ويبرهن ذلك على أن الجهات المختصة بالتواصل مع الإعلام الأجنبي لم تقم بأدوارها أو لم تستخدم الأدوات الفاعلة التي تصل بها إلى الرأي العام الأجنبي، وأن ما يحدث في الداخل سوف يبقى أسيرا للجدل والنقاش المحليين، في وقت تراجعت فيه الثقة بالكثير من وسائل الإعلام المصرية ولم تحقق الأهداف المرجوة منها.
وحسب دراسة بحثية صدرت مؤخراً للهيئة العامة للاستعلامات، فإن الإعلام الدولي يولي اهتماما أكبر بقضايا الاقتصاد المصري والسياسة الخارجية والملف الحقوقي والأمني والسياحة والآثار.
واتسمت غالبية التغطيات لهذه الملفات بالحياد، وانحصر التناول السلبي في نسبة لا تتجاوز 15 في المئة مما تم نشره، وتركز على موضوعات متعلقة بالملف الحقوقي، والتي يتم تناولها استناداً إلى بيانات منظمات دولية ثبت أن تقاريرها لا تخلو من تسييس.
ولفتت الدراسة إلى أن الإعلام الأوروبي هو الأكثر اهتماما بتغطية القضايا المصرية، وجاء في المركز الأول بنسبة 36 في المئة من إجمالي التغطية، يليه في المرتبة الثانية الإعلام العربي بنسبة 25 في المئة، ثم في المرتبة الثالثة الإعلام الأميركي بنسبة 18 في المئة، ولوحظ ضعف التغطية في الإعلام الأفريقي الذي جاء في المرتبة السادسة والأخيرة بنسبة 4 في المئة فقط، سبقه في الترتيب الإعلام الآسيوي وإعلام دول الجوار بنسبة 9 في المئة.
وتؤكد هذه الأرقام أن وكالة الأنباء الأجنبية ذات الشهرة الواسعة هي الأكثر اهتماماً بما يجري في الداخل المصري، ما يتطلب أدوات أكثر احترافية ودقة وسرعة في التجاوب مع مراسليها بمصر، ولن يكون كافيا عقد مؤتمرات صحافية أو حتى الإجابة التي تأتي غالبا متأخرة على تساؤلات تطرحها، وسيكون ذلك في حاجة إلى تسهيل مهمة الوصول إلى المعلومات وتدريب الكوادر المتعاملة مع الإعلام الأجنبي على كيفية تقديم رسائل متطورة ومقنعة.