انفتاح مصري على الإعلام الأجنبي: تغيّر في القناعات أم ضرورة مؤقتة

الحكومة تدرك أن التعامل بريبة مع الإعلام الأجنبي لن يحقق نتائج إيجابية.
الثلاثاء 2022/01/25
تغيير يخدم صورة مصر في الخارج

تتجه السلطات المصرية إلى تغيير نهج تعاملها مع وسائل الإعلام الأجنبية ومحاولة عدم الاكتفاء بالإعلام المحلي الذي يظل قاصرا عن تغطية مساحات جماهيرية كبرى خارجيا. وانقسمت الآراء حول التحوّل الحاصل بعد سنوات من الفتور، حيث يعتبره البعض دليلا على تغيّر في قناعات الرئيس عبدالفتاح السيسي وتوجهاته فيما يراه آخرون ضرورة مؤقتة تتزامن مع زيادة حجم الشائعات الضارة بصورة مصر خاصة في ما يتعلّق بالملف الحقوقي.

القاهرة- طرح الحوار الذي أجراه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع مراسلي وسائل الإعلام العربية والأجنبية مؤخرا وما أعقبه من لقاء، الأول من نوعه، لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، تساؤلات حول مدى تغير قناعات النظام المصري بشأن التعامل مع الإعلام الأجنبي، وهل هناك رغبة في الانفتاح على منصات وصفتها صحف محلية بأنها “معادية” لمصر.

أوحت لغة الحوار في لقاء السيسي أولا على هامش منتدى شباب العالم، ثم رئيس حكومته مع الـ’بي.بي.سي’، بأن هناك دراية بصورة التحكم في المحتوى الإعلامي الذي يناقش الوضع المصري، وأن التقوقع الداخلي والتعامل بالمزيد من الريبة والشك والقلق مع الإعلام الأجنبي لم يحقق تقدما على مستوى نقل التطورات المصرية للخارج، وثمة حاجة للتواصل بين المسؤولين ووسائل الإعلام بعيدا عن المصادر الثانوية.

لا عداء مع الإعلام الأجنبي

عصام كامل: انقطاع التواصل مع الإعلام الغربي زاد من حجم الشائعات ضد مصر

اعترف السيسي بأن بلاده “لا تستطيع أن تقول للإعلام الأجنبي ماذا يقول، لكن علينا أن نقبله، ولا نفرض عليه ما يقول”، مضيفا خلال لقاء جمعه مع وسائل الإعلام الأجنبية “يجب أن نقبل كل شيء، ومن الممكن أن يكون لهم وجهة نظر، وهذا الأمر يحتاج قوة دفع، فعلينا أن نحترم ذلك”.

وتؤكد هذه النوعية من الرسائل أنه لا عداء مع الإعلام الأجنبي مع ضرورة أن تكون هناك نقاشات موضوعية لما يجري في الداخل، وحملت إجابات السيسي ومدبولي إشارات إلى وجود منصات إعلامية حاولت توظيف حالة السيولة التي مرت بها الدول السنوات الماضية لخدمة أهداف معادية، وشكلت مقاومة لعملية البناء في مصر.

وشدد رئيس الوزراء خلال حواره مع الإعلامية نوران سلام مقدمة برنامج “بلا قيود” على أن الدولة المصرية تحاول صنع التوازن على الساحة الإعلامية، حيث توجد منصات إعلامية موجهة ضد القاهرة، قائلا “نحن نحاول أن نشرح الوضع الحقيقي من خلال بعض المنصات التي تشرف عليها الدولة”.

وأدت النقاشات غير الموضوعية عن طبيعة الأوضاع في مصر من جانب وسائل إعلام محسوبة على قوى إقليمية وتعامل القاهرة مع الإعلام الأجنبي ككتلة واحدة وتعاملها مع الإعلام الغربي كخصم إلى توتر العلاقة بين الطرفين، في حين أن الخسائر الأكبر انصبت على مصر التي تحاول إقناع المجتمع الدولي بالجهود الحثيثة التي تقوم بها.

وبدلا من أن تلعب الهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة مسؤولة عن التعامل مع الصحافة الأجنبية، دورا في تقريب وجهات النظر بما يدعم بناء جدار الثقة المفقودة تسببت انتقاداتها للإعلام الغربي في زيادة الهوة على نحو أكبر، الأمر الذي يؤكد على عدم استبعاد حدوث مراجعات شاملة على طريقة التعامل مع الإعلام الخارجي.

وبدأت إرهاصات التحول في التعامل مع الإعلام الأجنبي منذ أزمة السفينة الجانحة بقناة السويس “إيفر غيفن” في أغسطس الماضي، ووقتها وجدت القاهرة نفسها بحاجة إلى تواصل مستمر وفاعل مع الإعلام الغربي.

وعقد الرئيس السيسي في ذلك الحين مؤتمرا صحافيا حضره عدد كبير من وسائل الإعلام الأجنبية طغى عليه العامل الاحتفالي بانتهاء الأزمة، لكنه كشف عن تغيّر في الرؤية السابقة، وإدراك لأهمية اتباع مقاربات مختلفة مع الإعلام.

وقال رئيس تحرير صحيفة “فيتو” الخاصة عصام كامل إن الحكومة المصرية تعاملت مع المرحلة السابقة باعتبارها فترة بناء داخلي تتطلب الانزواء إلى حين تحسن الأوضاع الداخلية والقدرة على مواجهة الإعلام الغربي، وهي قناعة لها مبررات منطقية وإن كانت لا تتماشى مع السياسات الناجحة في التعامل مع وسائل الإعلام.

حسن علي: التغيير محاولة لضبط منظومة التعامل التي أدت إلى قصور الإعلام المحلي

وأضاف لـ”العرب” أن إنجاز الكثير من المشروعات التنموية وتحسن الأوضاع يؤشران على إمكانية تغير أسلوب التفاعل مع القنوات والصحف الدولية، فهناك دوائر حكومية عديدة اقتنعت بأن انقطاع التواصل مع الإعلام الغربي ثغرة واضحة قادت لزيادة حجم المعلومات المغلوطة والشائعات التي تستهدف الدولة المصرية.

وأوضح أن الانتقادات الرسمية للإعلام الأجنبي مردود عليها بأن الحكومة لم تتح المعلومات للمراسلين والصحافيين، وأن الكثير من طلبات التواصل مع المسؤولين يجري تجاهل الرد عليها، بما أدى إلى غلق كافة القنوات الرسمية أمامهم.

تخفيف للضغوط

يذهب متابعون للمشهد الإعلامي إلى التأكيد على أن تراجع حملات هجوم القنوات والصحف المحلية على وسائل الإعلام الأجنبية مؤخرا يبرهن على وجود تغير في اتجاهات الحكومة، وبدا أن هناك تفرقة بين التعامل مع إعلام تابع لتنظيم الإخوان مباشرة يمكن وصفه بـ”الدكاكين الصغيرة” للهجوم فقط على الدولة وبين وسائل الإعلام الغربية التي تحظى بوعاء حكومي أو دولي ولديها موضوعية في نقاشاتها.

وذكر كامل لـ”العرب” أنه من الواجب أن يكون الانفتاح جزءا من السياسة المصرية، مع ضرورة فتح المجال أمام المسؤولين للتعاطي مع وسائل الإعلام المختلفة وتوفير المعلومات الرسمية من قنواتها الشرعية، وأن تصبح الأبواب مفتوحة للمراسلين لممارسة عملهم من دون تضييق، وسرعة تدارك أخطاء السياسة السابقة التي شيطنت وسائل الإعلام وقادت لخسارة صحف وقنوات لها جمهور عريض.

ولم تحقق شركات العلاقات العامة التي توسعت الحكومة المصرية في التعاقد معها لتحسين صورتها بالخارج الأهداف المرجوة منها، وبدا تأثيرها وقتيا دون أن ينعكس على الصورة العامة وفشلت في وقف الحملات الإعلامية التي تنطلق من قاعدة التقارير الحقوقية الدولية التي تنتقد أوضاع حقوق الإنسان، وهو ما يدفع للبحث عن أساليب أخرى قد تكون أقل في التكلفة المادية وأكثر في الجدوى المعنوية.

وحظيت أوضاع الحقوق السياسية والمدنية على قدر واسع لدى السيسي ومدبولي عندما خاطبا الإعلام الغربي، بما يشي بأن الدولة تدرك خطورة التعامل معها من منظور البيانات الصحافية الصماء التي تصدرها وزارة الخارجية المصرية أو الهيئة العامة للاستعلامات، وثمة حاجة ملحة للنقاش وإقناع الآخر بوجهة النظر المصرية التي تولي اهتماما أكبر بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية.

تراجع حملات هجوم القنوات والصحف المحلية على وسائل الإعلام الأجنبية مؤخرا يبرهن على وجود تغير في اتجاهات الحكومة

وقال أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس، شرق القاهرة، حسن علي إن التواصل الحالي مع الإعلام الغربي نتيجة الضغط الهائل الذي تقوده وسائل إعلام دولية عبر تسليط الضوء على الأوضاع الحقوقية وتتجاهل الحديث عن باقي الملفات.

وأوضح لـ”العرب” أن وسائل الإعلام المحلية أخفقت في لعب دور يدحض ما يتبناه الإعلام الغربي عمليا، والتوجه الحالي قد يكون متنفسا لتخفيف الضغوط ومحاولة ضبط منظومة التعامل التي أدت إلى قصور الإعلام المحلي.

وتضمنت اللقاءات الإعلامية الأخيرة لكل من الرئيس المصري ورئيس حكومته التطرق إلى قضايا شائكة لا يستطيع الإعلام المحلي مناقشتها بهذا القدر من الحرية، مثل أوضاع حرية الإعلام وشركات الجيش وملف المحبوسين، ولا يزال الانفتاح على الخارج يحتاج لساحة حوار حقيقية في الداخل ورفع سقف الحريات.

16