انطلاق الإحصاء العام للسكان ببعد وطني تعميقا لسيادة المغرب

الرباط - يشهد المغرب انطلاقا من بداية شهر سبتمبر الجاري، حتى الـ30 منه، عملية إحصاء عام للسكان والسكنى، بمشاركة عدد من الباحثين الذين جرى تكوينهم خلال الشهور الماضية. وأكد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، في ندوة صحفية، الخميس، أن "الإحصاء عملية سيادية وذات بُعد وطني، ويجب ألا تخضع للمزايدات السياسية، بحكم أنه قرار وطني يشمل جميع التراب الوطني والسكان من أهل البلد المقيمين والأجانب”، معتبرا أن "البلاد تعلن عدد سكانها وتوزيعهم بكيفية تصير مرجعا لمعرفة المجموعة الوطنية المغربية على الصعيد الدولي".
وحسب المندوب السامي للتخطيط، فإن العملية الإحصائية ليست حكومية ولا للمعارضة، وليست فئوية، كما أنها ليست يمينية ولا يسارية، لأنها قرار وطني يشمل مجموع السكان على مجموع التراب الوطني، كما تُعد مرجعًا وطنيًا ودوليًا يهدف إلى تحديد عدد السكان في المغرب، مبرزًا التزام البلاد بتطبيق المعايير الدولية التي تعتمدها هيئة الأمم المتحدة، دون إضفاء أيّ خصوصية مغربية على هذا الإطار، حيث أن أجوبة المواطنين على الأسئلة الواردة في استمارة الإحصاء مبنية فقط على تصريحاتهم، وأنها محمية بوسائل التشفير المعتمدة من قبل المندوبية.
وأكد رشيد لزرق، رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث و تقييم السياسات العمومية، أن “الإحصاء العام للسكان الذي تشرف عليه المندوبية السامية للتخطيط، يشكل حاجة ضرورية للدولة وتمكن صانع القرار من تقييم السياسات العامة في جميع المجالات وتحديد الخصائص الجغرافية والسوسيو-اقتصاديه للسكان ولظروف سكن الأسر المغربية، ولهذا فهي عملية سيادية ينبغي إبعادها عن أيّ تأثيرات أو مزايدات سياسية لأحزاب المعارضة أو الأغلبية على مستوى استغلال البيانات لأغراض انتخابية أو دعائية".
واعتبر في تصريح لـ”العرب” أن "العناية الملكية بهذا الإحصاء بكل تمظهراته ومختلف إجراءاته، تضمن تحصين هذه العملية من أيّ تدخل تقني أو سياسي أو حقوقي يستهدف استغلال البيانات لأهداف غير بريئة، وبالتالي هذا ما دفع الحليمي للتشديد على المنطق السيادي في كل مراحل الإحصاء حتى وصول المعطيات إلى الجهات المختصة للاستفادة منها في التخطيط الإستراتيجي للمملكة المغربية، هو ما يجعل العملية عصية على أيّ اختراق".
وأبرز المندوب السامي للتخطيط خلال حديثه في الندوة المنعقدة بمقر المندوبية بالرباط، أنه "تم اختيار المراقبين والباحثين على أساس استيعابهم لمعطيات الاستمارة والمفاهيم التي تتضمنها والمصطلحات المستعملة فيها، ولكن أيضا على قدرتهم على التواصل، بما فيها أننا وظّفنا أناسا باحثين يتحدثون الأمازيغية في المناطق التي تتكلم لهجات هذه اللغة الوطنية المعتمدة في منهجيتنا للإحصاء هذه السنة، والأمر ذاته تم في المناطق التي تتحدث كل لهجة محلية مثل تَريفيت، وكل ثقافة محلية نحاول في حدود المستطاع وفق ما يتوفر من أطر وباحثين”، مشددا على أن “الإحصاء يعتمد اللغة الأصلية، لأننا لا ننجز إحصاء إثنيا أو قَبَلِيّ الطابع مثل الهند أو أميركا، لأن الكل مغاربة".
ومع ذلك خرج ناشطون أمازيغ ينتمون للتنسيقية الوطنية لمجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، لانتقاد المندوبية كونها "لم تتشاور مع خبراء في اللسانيات وفي قضايا حساسة مثل الهوية والتحولات السوسيو-ثقافية التي يشهدها بلدنا".
ورغم الانتقادات التي وجهت لمشاركة المدرسين في عملية الإحصاء، قال المندوب السامي للتخطيط، إن “فئة الأساتذة لها حافزان للمشاركة؛ فهُمْ أولا يشاركون ويسهمون دائما في عمليات الإحصاء، خصوصا خلال سنتيْ 2004 و2014، كما أنهم من السبّاقين للدفاع عن تقدم المغرب ومبادرات التنموية؛ ومنها إنجاز الإحصاء كل 10 سنوات… فضلا عن عامل ثان هو التأقلم مع مضامين التعلم الرقمي واستعمال التكوين عن بُعد بحكم تزويدهم باللوحات الإلكترونية، وأرى أن مشاركة الأساتذة أمر إيجابي جدا".
وبخصوص الجدل الذي لاحق مشاركة رجال ونساء التعليم، أوضح المندوب أن نسبة الأساتذة تمثل 32 في المئة من مجموع المشاركين فيه البالغ عددهم 50 ألفا، مضيفا أن رجال التعليم كانوا دائما في طليعة المدافعين عن القضايا الوطنية وعن تقدم المغرب، وفي طليعة المنخرطين في كافة المبادرات الوطنية ولهم خبرة في التواصل مع السكان، لتسهيل جمع معطيات دقيقة حولهم مثل العمر، الحالة الصحية، مستوى التعليم، والوضعية الاقتصادية، التي تُستخدم لتحليل البنية الاجتماعية لتوجيه سياسات التنمية المستدامة في البلاد.
وتعد العملية الجديدة للإحصاء العام للسكان والسكنى السابعة منذ عام 1960، وتهدف إلى أن تكون مختلفة عن سابقاتها خلاقة وطموحة، وفق ما جاء في رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى رئيس الحكومة عزيز أخنوش يوم 20 يونيو الماضي، مشددا على أن عملية الإحصاء العام للسكان برسم 2024، يجب أن يتم “تنظيمها على نطاق واسع يشمل موضوعات جديدة، خاصة الحماية الاجتماعية، ما يجعل المشاركة أمرا واجبا على السكّان لكي تمر في أحسن الظروف وتكتمل أهدافها".
واعتمدت المندوبية استمارتين، الأولى مختصرة وموجهة إلى كافة السكان وتضم المعطيات المتعلقة بالبنيات الديمغرافية وبعض الظواهر النادرة كالهجرة الدولية والوفاة، وأخرى مفصلة ستوجه لعينة من 20 في المئة من الأسر وتغطي مواضيع كالتغطية الصحية واستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والبيئة، وأوردت المندوبية أن هذه المنهجية، التي تستخدم لأول مرة في المغرب، تتيح تعميق المعرفة بمواضيع مثل الخصوبة والأمية والتعليم والنشاط الاقتصادي والتنقل والإعاقة وظروف السكن.
ومكنت الأشغال الخرائطية التي أُنجزت من أبريل 2023 إلى مايو 2024، من تقسيم التراب الوطني إلى 37109 منطقة إحصاء، و10958 منطقة مراقبة، و935 منطقة إشراف، كما تم التوطين الجغرافي لأكثر من 4.1 مليون بناية في الوسط الحضري، وما يزيد عن 33 ألف جوار في الوسط القروي.