انسياق الأمهات وراء التقليد الأعمى يسبب لهن الضغوط ويؤذي أطفالهن

أمهات يحولن التقليد إلى منهج حياة دون وعي مما يؤدي إلى طمس معالم شخصيتهن.
الاثنين 2020/06/15
لكل أسرة خصوصياتها

تسعى الكثير من الأمهات إلى التقليد غير الطبيعي لأمهات أخريات يرون أنهن القدوة في كل شيء ويشمل أبسط التفاصيل. وأكد علماء النفس أن التقليد الأعمى دليل واضح على ضعف الشخصية وافتقادها للثقة في النفس لأنه غير مبني على قواعد تتفق مع شخصيتها وعائلتها التي تنتمى إليها.

القاهرة – تعاني أمهات كثيرات من ضغوط اجتماعية تجعلهن يبحثن عن المثالية في تنشئة أطفالهن، ولا تؤثر هذه الضغوط على الأمهات فحسب بل على الأبناء والأسرة بصفة عامة، وتجد البعض منهن في تقليد الأمهات الأخريات سبيلا للتخلص من هذه الضغوط التي تؤرقهن، إلا أن ذلك يؤثر سلبا عليهن وعلى حياتهن الأسرية وعلى الأبناء ومستقبلهم.

وأكد المختصون أنه “من الطبيعي أن يتأثر الإنسان بما حوله وبمن حوله من أشخاص وأحداث، فالإنسان المتوازن يتأثر ويؤثر، وأحيانا يترجم التأثر بالآخرين تقليدا لتصرفاتهم وثيابهم وأسلوب حياتهم، وهذا يعد نوعا من التكيف الاجتماعي أو القدوة، ولكن المشكلة تبدأ عندما يتحول التقليد إلى منهج حياة، دون وعي أو تقييم لمدى مناسبته للشخص المقلد، ففي هذه الحالة يتحول الأمر إلى تقليد أعمى وهو المعنى المرضي للتقليد، لأنه لا يقوم على منطق أو تفكير عقلاني، وإنما هو انجراف لسلوك قد يناسب صاحبه، ولكنه لا يناسب الجميع”.

وتصر أمهات على الاستفادة من تجارب الأخريات قبل الإقدام على أيّ شيء في حياتهن لأن تجاربهن قد تختصر عليهن الكثير من التساؤلات حول بعض المواضيع، ويجعل قراراتهن محصورة بتجاربهن، إلا أن اختلاف الظروف والوقت والحالة النفسية قد تؤدي إلى حدوث نتائج سلبية.

وقالت إحدى الأمهات “لدي أشخاص أعتبرهم مصدر إلهام لا أنكر ذلك، إلا أن التقليد الأعمى ليس من هواياتي أبدا ودائما أريد أن أكون سيّدة اختياري وسيدة ذوقي وصاحبة الفكرة الأولى، فالمشي على خطى غيري بطريقة عمياء وغبية دون أي مجهود لا أرضاها على نَفسي أبدا”.

 وأشار الخبراء إلى أن ضرر التقليد يكمن في حالة التوتر التي يخلقها لدى الشخص نتيجة تشتته وتغيير قناعاته وثوابته، تغيير المنظومة القيمية لدى الفرد، والتي تنظم سلوك الفرد وتصرفاته، وتلعب دورا مهما في عملية إصداره للأحكام وتفاعله مع مجريات الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

يجب على كل أم أن تحذف من قاموسها تماما المقارنة لأنها تخلق شعورا بالدونية عند الطفل وتفقده ثقته في نفسه

ونبهوا إلى أنه من أبشع سمات الإنسان الضعيف هو التقليد الدائم للآخرين في كل شيء في الآراء أو في طريقة التفكير أو الملابس وأسلوب الحياة، مما يؤدي إلى طمس معالم شخصية.

وأشاروا إلى أن أكثر شيء يؤرق الأمهات إحساسهن بأنهن يجب أن يكن مثاليات، وحتى إذا لم تؤمن الأمّ بذلك هناك من حولها من يلومها بأنها غير مثالية. المقارنة بين الأمهات اللاتي في الإطار العائلي في طرق تعاملهن مع أطفالهن أسلوب محبط وقاتل لأن كل أم لها ثقافتها وأسلوب تتعامل فيه مع أطفالها بما يناسبهم.

وأطلقت مجموعة من طالبات الإعلام بجامعة مصر الدولية حملة توعية بعنوان “حكاية أم” لتخفيف الضغوط المجتمعية عن الأمهات. وتناقش الحملة الضغط المجتمعي الناشئ بين الأفراد وخاصة تأثيره على الأمهات والأطفال كما أنها تركز على تشجيع الأم لتكون صاحبة قرارها الأول والأخير وترى الأنسب لحياتها ولحياة طفلها دون أي ضغوط من المجتمع أو الأصدقاء.

ولفتت المشرفات على الحملة إلى أن الأم هي صاحبه القرار خاصة في بيتها، وفي كل ما يتعلق بمصير طفلها وهو بالتأكيد يعتبر عاملا مهما في تشكيل حياته وشخصيته.

ومن ضمن أهداف الحملة خلق ثقة عند الأم في نفسها وفي قراراتها وجعلها تؤمن باستمرار بأنه لا يوجد أي شخص يفهم ابنها مثلها. وهذا يعني أن قراراتها يجب أن تكون نابعة من أحاسيسها ورؤيتها وواقعها، وليس مجرد انسياق أعمى وراء أصدقائها أو معارفها.

أكثر ما يؤرق الأمهات إحساسهن بأنهن يجب أن يكن مثاليات
أكثر ما يؤرق الأمهات إحساسهن بأنهن يجب أن يكن مثاليات

وأشرن إلى أن الحملة سوف تأخذ 3 مراحل أساسية يكشفون من خلالها مناطق الضغط الذي ينشأ بين الأمهات ومدى تأثيره عليهن وعلى أطفالهن.

وتتمثل المنطقة الأولى في الضغط المادي الذي تعيشه بعض الأمهات، موضحين أن الأم دائما تسعى إلى ألا تكون هي وأسرتها أقل ممن حولها سواء أصحابها أو أقاربها، وهذا بكل تأكيد نابع من حبها لأبنائها وعائلتها، إلا هذا الأمر لو زاد عن حده في بعض الأحيان من الممكن أن يسبب ضغطا كبيرا لها ولأسرتها رغما عنها.

وقالت يارا حازم إحدى المشاركات في المبادرة إن تقليد الأم لمن حولها بإعطاء الأطفال أموالا كثيرة كي تسعدهم، وفي الحقيقة من السهل جدا بهذا التقليد الأعمى أن تؤذي أولادها.

كما بين المشرفون على الحملة أن هدفهم يتمثل في إيصال رسالة للأم بأنها ليست مطالبة بأن توفر لأسرتها كل متطلباتها وأفضل الأشياء في الحياة ولكن الأهم أن توفر لها ولهم الأنسب في إطار قدراتها المادية وقناعاتها أيضا.

أما المنطقة الثانية فتشمل الضغط الرياضي، حيث نبهوا إلى أن الرياضات كثيرة جدا وكل رياضة لها فوائدها المختلفة عن غيرها وهنا يأتي دور الأم في اختيار الرياضة الأنسب لطفلها والتي تتوافق مع قدراته وميولاته. مؤكدين أن هدفهم يتمثل في منع الأم من أن تتأثر بأي كلام سواء من صديقاتها أو معارفها ويجعلنها ترى الأنسب لطفلها وتتبع قناعتها وخبراتها مع طفلها ولا يوجد أي مانع أكيد من استشارة المختصين لأن دفع الطفل إلى الطموح الضار الذي لا يتوافق مع قدراته واهتماماته يقتل موهبته ويستنزف طاقاته.

وفي هذا السياق قالت يارا “كل أم ترغب في أن ترى طفلها يتمتع بصحة جيدة ولياقة بدنية، فتحرص على أن يمارس أكثر من رياضة، ويدخل الطفل في ماراتون التدريبات الرياضية الكثيرة، إلى جانب الدراسة، وذلك لترضي نفسها بأن ابنها يمارس أكثر من لعبة رياضية، مثل صديقة لها أو قريبة”.

وأضافت “لكن هل الطفل يحب كل هذه الرياضات؟ أم أنها تفرض عليه ما لا يحبه، هدفنا في حملتنا، أن تفكر الأم في ابنها دون التقليد الأعمى وتحدد ما الذى يقدر أن يحقق نجاحه، أنه بالكيفية وليس بالكمية”.

وتتمثل المنطقة الثالثة في ضغط التعليم، وأوضحت الطالبات أن هدفهن هو توعية الأم حول أهمية مساندة طفلها في كل ما يحبه وتشجيعه، وبالإضافة إلى ذلك يجب على كل أم أن تحذف من قاموسها تماما المقارنة لأنها تخلق شعورا بالدونية عند الطفل وتفقده ثقته في نفسه وتجعله دائما يرى نفسه أقل من المحيطين به.

وقالت حازم “إذا تكلمنا عن التعليم سوف نجد أن كل الأمهات تقريبا لهن جملة واحدة، أريدك أن تكون مثل فلان، وهذا طبعا ناجم عن حبها لابنها دون أن تفكر في هل أن ابنها له نفس قدرات الطفل الثاني؟ وما هي ميولاته الدراسية”، وأضافت هدفنا أن نقول للأم اهتمي بابنك أولا وركزي على شخصيته وقدراته، فحبك له لا يعني أنك تقلدين أي إنسان آخر يعيش ظروفا وحياة تختلف عنك وعن ابنك”.

وأوضحت “حددنا فئة الأمهات لحملتنا من سن 25 إلى 35 سنة، ويتم التواصل معهن عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال حملات توعية، ومقاطع فيديو دارمية تعبر عن حملتنا، كما سيتم إنجاز مسلسل درامي صغير على موقع اليوتيوب يحكي عن المواقف التي يمكن أن تقع فيها الأم دون أن تعرف”.

كما أشارت إلى أن الحملة سوف تكون لمدة سنة كاملة بدأت في أول يونيو 2020 وستنتهي أول يونيو 2021، وهدفها تغيير التفكير السلبي والتقليد الأعمى للأمهات دون تفكير”.

21