انخراط مصري لافت في الجهود الأميركية لحل الأزمة الليبية

تفاهمات مصرية أميركية تثير تساؤلات بشأن علاقة القاهرة بموسكو.
الثلاثاء 2020/10/06
مرونة مصرية غير معهودة

القاهرة - يثير انخراط مصر في الجهود التي تقودها الخارجية الأميركية، ممثلة في سفارتها في طرابلس والمبعوثة الأممية بالنيابة الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، استغراب المتابعين للشأن السياسي الليبي باعتبار أن الخارجية الأميركية معروفة بمواقفها الداعمة لتيار الإسلام السياسي، الخصم الأول للسلطات في الشرق حليفة القاهرة في ليبيا.

وظهر خلال الفترة الماضية انقسام واضح في المواقف بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية، ففي حين رحب مجلس الأمن القومي الأميركي بالمبادرة المصرية لحل الأزمة الليبية ووقف إطلاق النار استمرت وزارة الخارجية ولو بشكل غير مباشر في تشجيع تركيا على إطلاق تهديدات بالهجوم على سرت.

وتبدي القاهرة مرونة غير معهودة إزاء الخطة الأميركية التي ينظر إليها كثيرون بعين الريبة، خاصة ما يتعلق بإنشاء منطقة منزوعة السلاح تبدأ من سرت إلى أجدابيا، ما يعني إنهاء سيطرة الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر على المناطق الإستراتيجية، بعد أن كانت حتى فترة غير بعيدة تلوح بالتدخل العسكري المباشر للتصدي لتهديدات تركيا بالسيطرة على تلك المنطقة.

وسرّعت الولايات المتحدة تحركاتها الدبلوماسية في ليبيا، وحرصت على زيادة وتيرة التعاون مع مصر لضبط بعض المفاصل الرئيسية في المنطقة الشرقية على وجه الخصوص الخاضعة لسيطرة الجيش.

وأوفدت سفيرها في طرابلس ريتشارد نورلاند، الأحد، وذلك للمرة الثانية خلال أسابيع قليلة، للتنسيق مع المسؤولين في القاهرة، والتفاهم على بعض الترتيبات الخاصة بضمان تدفق النفط مقابل الحد من سطوة الميليشيات.

وكشفت مصادر سياسية في القاهرة، لـ”العرب”، أن زيادة انخراط واشنطن في الأزمة، وقيامها بممارسة ضغوط مباشرة على كل من رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لهما علاقة بتقارير أميركية حول تدفق المرتزقة، وحذرت من تنامي دور روسيا في ليبيا، واقترابها من منطقة الهلال النفطي، ورغبتها في استمرار عدم ضخ النفط الليبي لفترة طويلة.

محمد عامر العباني: واشنطن تتعاون مع مصر لأجل المساعدة على تدفق النفط الليبي
محمد عامر العباني: واشنطن تتعاون مع مصر لأجل المساعدة على تدفق النفط الليبي

ولفتت المصادر إلى أن الولايات المتحدة تريد استئناف تصدير النفط سريعا، وتتجه نحو القاهرة للاستفادة من علاقتها بأطياف العملية السياسية والعسكرية في شرق ليبيا، مقابل تقديم تعهدات بعدم تجاوز قوات حكومة الوفاق لخط سرت – الجفرة.

وقال عضو مجلس النواب الليبي، محمد عامر العباني، لـ”العرب”، إن الولايات المتحدة أدركت حاجتها إلى ضمان تدفق النفط مع سيرها باتجاه فرض المزيد من العقوبات على إيران، وتأمل أن يعوّض النفط الليبي جانبا من الهزات المتوقعة في السوق العالمية، وما تحمله من انعكاسات على الاقتصاد الأميركي.

وأضاف أن واشنطن تجد في التعاون مع مصر فرصة لضبط هذه الجزئية لما تتمتع به الثانية من علاقات جيدة مع المنطقة الشرقية التي يتواجد فيها النفط بكثافة.

وألمح إلى حاجة مصر الملحة لتوفير سبل الأمن والاستقرار في شرق ليبيا، وهو ما يجعل الأدوار المصرية والأميركية منسجمة، وتلتقي عند مسألة التخلص من الميليشيات والمرتزقة، ومنع تمادي تركيا في تدخلاتها العسكرية.

وأكدت السفارة الأميركية في ليبيا أن ريتشارد نورلاند التقى رئيس المخابرات الحربية المصرية اللواء خالد مجاور وعدد من المسؤولين عن الملف الليبي في القاهرة، لدعم تثبيت وقف إطلاق النار، ومناقشة آليات الحل السياسي.

ويثير التقارب الأميركي المصري التساؤلات بشأن التحالف غير المباشر بين مصر وروسيا في ليبيا، حيث ظلت القاهرة لسنوات طويلة وحتى قبل أشهر أقرب إلى موسكو من واشنطن.

وشكر نورلاند مصر على استضافة محادثات في الغردقة، حضرها عسكريون ينتمون إلى الجيش وحكومة الوفاق، نهاية الشهر الماضي، وقال على موقع تويتر “سنتبادل الآراء حول أفضل السبل لدعم منتدى الحوار السياسي الليبي القادم”.

وتضمنت مباحثات الغردقة، المطلة على البحر الأحمر، الإسراع بعقد اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة، المعروفة بـ”5+5″ وعقد لقاءات مباشرة هذا الأسبوع، واتخاذ تدابير عاجلة في بعض الملفات الحيوية قبل نهاية أكتوبر، من خلال تشكيل لجان مختصة، وإحالة مسؤوليات حرس المنشآت النفطية إلى اللجنة العسكرية.

وطلب نورلاند الاجتماع في القاهرة مع رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح، لإجراء مباحثات حول بعض التطورات العسكرية، إلى جانب التباحث بشأن بعض الترتيبات السياسية.

وأوضح الباحث في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية بالقاهرة أحمد عليبة، لـ”العرب”، أن واشنطن تريد القيام بدور فاعل خلال المرحلة المقبلة، التي من المرجح أن تشهد تغيرات في البنية السياسية للسلطة الحاكمة في طرابلس، ما جعلها تنخرط بشكل أكبر في متابعة استعدادات عقد الاجتماع الشامل في جنيف.

وتشهد القاهرة نشاطا مكثفا على مستوى التعاطي مع الترتيبات المقبلة في ليبيا، وتتواجد وفود عديدة، سياسية وعسكرية واجتماعية، من الغرب والشرق، وهناك تسريبات عن ترتيب لقاء بين عدد من القوى الليبية في القاهرة قبل الذهاب إلى جنيف.

وتنطوي زيارة ريتشارد نورلاند للقاهرة على أبعاد عسكرية، حيث ستشهد العاصمة المصرية بعد أيام اجتماعات جديدة للجنة العسكرية المشتركة لتثبيت وقف إطلاق النار، والشروع في وضع خطة عمل جديدة لتفكيك الميليشيات.

وعلمت “العرب” أن الولايات المتحدة ستقوم بدور محوري في الترتيبات الخاصة بعقد هذا الاجتماع، ومساندة الأطراف المختلفة على تنفيذ مخرجاته عمليا، بما يحقق مصالحها في ليبيا.

وأكد أحمد عليبة أن لقاء ريتشارد نورلاند بعقيلة صالح استهدف الترتيب للحوار السياسي الشامل، والدخول على خط اجتماعات تمهيدية ستجري في القاهرة قريبا، على رأسها اجتماع اللجنة الدستورية، والمنوط بها تقنين الهياكل السياسية، المتوقع أن تتولى دفة القيادة بعد إعادة تشكيل الحكومة والمجلس الرئاسي.

1