انحياز الإعلام التركي الصارخ لأردوغان يقلب الكفة لصالح المعارضة

تقدم وسائل الإعلام التركية المنحازة للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية خدمة غير مباشرة لأحزاب المعارضة المقصية من المشهد، حيث انعدمت ثقة المشاهد بالإعلام المحلي وتراجعت معدلات توزيع الصحف وضعفت قنوات الدعاية الحكومية.
أنقرة - تولى حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب أردوغان السلطة في عام 2002، واضعا نصب عينيه السيطرة على وسائل الإعلام التركية وإحكام قبضته عليها.
واليوم، بعد سبعة عشر عاما، بات من المستحيل القول إنه حقق هذا الهدف بالكامل، وخلال تلك الفترة، استخدم أردوغان الدولة والسلطة السياسية والاقتصادية لطرد قادة وسائل الإعلام المستقلين، ودعم أولئك الذين يتمسكون بخط حزبه بمساعدات مالية كبيرة.
ودأب التلفزيون الرسمي “تي.آر.تي”، بشكل روتيني وصريح على خرق القواعد المهنية بتغطية منحازة بشكل صارخ لصالح الحزب الحاكم. ومع ذلك، لم يقم المجلس الأعلى للانتخابات أو المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون بأي إجراء للحيلولة دون ذلك.
وبدلا من ذلك، فرض المجلسان الخاضعان لسيطرة أعضاء حزب العدالة والتنمية وحلفائه المتطرفين في حزب الحركة القومية، غرامات وحظرا على البث وعقوبات أخرى على وسائل الإعلام المعارضة.
وتم إجبار الحرس القديم لأقطاب وسائل الإعلام على الخروج تدريجيا من القطاع منذ تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الأمور في البلاد. وكانت آخر مجموعة مستقلة هي مجموعة أيدين دوغان التابعة لمجموعة دوغان الإعلامية، والتي تم بيعها في مارس الماضي إلى مجموعة ديميرورن المؤيدة للحكومة.
وقامت ديميرورن، مثلها مثل غيرها من الشركات الصديقة للحكومة والأقطاب الذين استحوذوا على قطاع الإعلام، بتمويل عملية الشراء من خلال ائتمان بمليارات الدولارات من البنوك العامة، وحصدت المزيد من المكافآت من خلال مناقصات عامة مربحة.

ويمكن للمرء أن يتخيل مدى الرضا الذي حققه هذا الأمر لأردوغان، الذي كان في يوم من الأيام قد شغل عناوين الصحف في عام 1999 إثر إعلانه أنه لن يشغل أي منصب عام مرة أخرى، بعد سجنه بسبب قراءة قصيدة اعتبرت حينها أنها “تحريض على الكراهية الدينية أو العنصرية”.
ومع استمرار وسائل الإعلام في التخلي عن سمعتها التي تسير نحو الحضيض، ربما أصبحت مصدر أكبر ضرر للحكومة التي تسيطر عليها.
فالصحف تستخدم نفس العناوين الرئيسية تقريبا يوميا، وانخفض توزيعها لأكثر من النصف منذ عام 2002، لتصل بشق الأنفس الآن إلى 3 ملايين نسخة على الرغم من ارتفاع عدد السكان بـ15 مليون نسمة. وتضررت تقييمات التلفزيون بشكل مماثل، وحتى المسلسلات الأكثر مشاهدة وجدت نفسها ملغاة بعد عدد قليل من الحلقات.
أما صحيفة حرييت المرموقة فقد استحوذت عليها مجموعة دوغان الإعلامية بعد أن كانت ذات يوم توزع مليون نسخة يوميا، وقد تراجع توزيعها إلى 60 ألف نسخة وتوزع الآن مجانا في العديد من الأماكن.
وعندما كتب تيومان كاديو أوغلو الشهر الماضي عن سقوط صحيفة حرييت، وذلك في مقال نشرته صحيفة بوستا اليومية التابعة لمجموعة ديميرورن، تم طرده على الفور من الصحيفة التي كان يعمل فيها لمدة 15 عاما.
مصداقية منافذ الإعلام المؤيدة للحكومة تآكلت إلى حد أنها لم يعد بمقدورها تشكيل الرأي العام بشكل فعال
وبدوره فإن الصحافي المخضرم فاروق بيلديريجي، الذي كان بمثابة أمين المظالم في صحيفة حرييت، أُجبر أيضا على ترك الصحيفة هذا الشهر بعد انتقاد التقارير المنحازة التي أصبحت تمثل القاعدة العامة في الصحيفة.
وأحد الأمثلة الصارخة على هذه التقارير المنحازة جاء في وقت سابق من مارس الحالي، عندما تلاعبت صحيفة حرييت بتعليقات الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد سيزاي تيميلي، حيث نقلت عنه “إن حزبه سوف يسيطر على إسطنبول وأنقرة إذا فاز في رئاسة البلديات مرشحون من حزبه الذي يمثل المعارضة الرئيسية في الانتخابات المحلية التي تجري في الحادي والثلاثين من مارس”.
وفي واقع الأمر، قال تيميلي إنه “يتعين على مرشحي حزب الشعب الجمهوري أن يأخذوا في الاعتبار رغبات الناخبين الأكراد إذا فازوا في أكبر مدينتين في تركيا، لأن الحزب يقدم لهم الدعم بشكل غير رسمي”.
وعملت صحيفة حرييت ومنافذ ديميرورن الأخرى على تلفيق “تهديد” تيميلي. وقد أثار هذا التشويه الواضح إدانـة واسعة، وكذلك رفض القنوات التلفزيونية المواليـة للحكومة إعطاء وقـت بث دون رقابـة لمرشحي المعارضة.
وعندما ظهر مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على قناة “أولك. تي.في” الموالية للحكومة، كانت المقابلة تُقطع كثيرا بفواصل الإعلانات، وأثناء وجوده على الهواء كان يسمح له المذيع بالتحدث بصعوبة بالغة.
وجاءت الانتقادات من أشخاص غير متوقعين، بمن فيهم عمر توران، وهو شخصية إعلامية مؤيدة للحكومة بشدة وهو عادة لا يعطي أي حق للمعارضة، لكنه هذه المرة أعطى لمرشح حزب الشعب الجمهوري حقه.
وقال توران في تغريدة على تويتر أثناء بث المقابلة “إذا شاهدت أي شيء آخر من هذا القبيل، فقد أبدأ التفكير في التصويت لصالح إمام أوغلو… إنه عار. أكثر ما يميز أردوغان هو المعارضة، والمعارضة هي حزب العدالة والتنمية ووسائل الإعلام المحلية”.

وعلى الرغم من كل الدعم المُقدم لمرشحي حزب العدالة والتنمية من وسائل إعلام موحدة ومنحازة، والحظر الإعلامي والتشويه الذي يواجهه مرشحو المعارضة، فقد تآكلت مصداقية المنافذ الإعلامية المؤيدة للحكومة إلى حد أنها لم يعد بمقدورها تشكيل الرأي العام بشكل فعال.
ووفقا لبحث أجرته مؤسسة استطلاعات الرأي التركية الكبرى كوندا، فإن نسبة الأتراك الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما والذين يقرأون الصحف اليومية قد انخفضت من 72 في المئة في عام 2008 إلى 22 في المئة العام الماضي. وخلال نفس الفترة، ارتفعت أعداد مستخدمي الهواتف الذكية من 90 في المئة إلى 100 في المئة ونسبة مستخدمي الكمبيوتر من 42 في المئة إلى 70 في المئة. ويتابع أغلب الأتراك الأخبار على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي باستخدام الهواتف الذكية، وبالتالي فإن محاولات وسائل الإعلام لاستبعاد مرشحي المعارضة غير فعالة.
وسئم القراء من نبرة الصحافيين الذين يقولون نفس الآراء في الصحف التقليدية والقنوات التلفزيونية، وتراجعت معدلات التوزيع وضعفت قنوات الدعاية الحكومية.
ومن الإشارات الأكثر وضوحا على بحث الأتراك عن الأصوات البديلة قناة “فوكس.تي.في” صاحبة الشعبية المتزايدة، وهي واحدة من القنوات القليلة المتبقية التي تتبنى موقفا ناقدا وغير متحيز، وتجاوز أداء البرامج الإخبارية للمحطة القنوات المؤيدة للحكومة وحتى المسلسلات التلفزيونية التي تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة.
وهذا هو السبب في أن فاتح بورتاكال، المذيع في قناة “فوكس.تي.في”، والذي ما زال يتجرأ على انتقاد أردوغان، أصبح هدفا متكررا لغضب الرئيس. وطالما استمرت الصحافة الموالية للحكومة في استبعاد جميع الأصوات الناقدة وفي التحدث بصوت واحد، حتى مع قوتها مجتمعة، فلا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بقدرة صحافي واحد مثل بورتاكال على الإقناع، وهذا هو السبب في أن أكبر ضرر تسببه قد يستهدف الحكومة التي تخدمها.