كورونا يهدم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تركيا

من المتوقع أن تؤدي كورونا إلى انهيار نموذج الشراكة بين القطاع العام والخاص واستنزاف الموازنة.
الخميس 2020/03/26
كتابات لا تداوي الاقتصاد المرتبك

ظل نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص على مدى نحو 20 عاماً محرّكا لنموذج الحكومة التركية التنموي القائم على مشروعات البُنى التحتية الضخمة، والتي تشمل المستشفيات والمطارات وشبكات النقل. فقد وفّر هذا النموذج للشركات الخاصة دخلاً من تلك المشروعات، تضمنه الخزانة.

ومع تفشّي جائحة فايروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19)، من المتوقّع أن يؤدي هذا النموذج إلى استنزاف الميزانية التركية، وأن يصل باقتصاد البلاد إلى مرحلة الانهيار.

ووفقاً لاستراتيجية رسمية وتقرير ميزانية للرئيس رجب طيّب أردوغان حول نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فإن المدفوعات بالعملات الأجنبية –والمضمونة من الخزانة– للمستثمرين في مشروعات الشراكة ستصل إلى 71.5 مليار دولار خلال السنوات العشرين القادمة.

ويقول التقرير إنه لو كانت الدولة تولّت المشروعات ذاتها بنفسها، لتمكّنت من إتمام تلك المشروعات بتكلفة تصل إلى 67.5 مليار دولار. لكن بدلا من تبنّى الدولة لهذا النهج، فإنها لجأت إلى شركات البناء المقرّبة من الحكومة، والتي ستحصل على 71.5 مليار دولار خلال 20 عاما.

الجزء الأكبر من هذا المبلغ –ويصل إلى 41 مليار دولار– جرى التعهد به للشركات التي تولّت مشروعات النقل، مثل مشروع مطار إسطنبول الضخم الذي افتُتح بشكل كامل العام الماضي. وسيذهب نحو 11.5 مليار دولار من الضمانات إلى “المدن” الطبيّة، التي جرى تشغيل 20 منها إلى الآن. ولم يُطلق مصطلح “المدن” الطبية على مجمعات المستشفيات الضخمة هذه بسبب موقعها في المدن التركية فحسب، وإنما أيضاً لأنها منشآت ضخمة تمتد على مساحات واسعة تجعلها تبدو كمدن في حدّ ذاتها.

في نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، يُحسب الدخل المضمون من مشروعات النقل –مثل المطارات والجسور والطرق السريعة– بعدد المسافرين أو السيارات. وتدفع الخزانة فارق القيمة إذا لم يحقق المشغّلون حجما مستهدفا من حركة المرور كل عام.

وبالنسبة للمستشفيات، فإن الضمان يُحسب على أساس عدد المرضى. ويضم كل مستشفى من المستشفيات الجديدة ما لا يقل عن ثلاثة آلاف سرير، وهي سعة استيعابية مرتفعة للغاية جعلت المستشفيات القديمة في الكثير من المدن تُغلق أبوابها. وأُغلق 13 مستشفى في أنقرة وحدها لإفساح المجال أمام المشروعات الجديدة.

لكن هذه المستشفيات أثارت الجدل من جديد بعد هجوم شنّته القوات الحكومية السورية، أدى إلى مقتل العشرات من الجنود الأتراك وجرح عدد كبير منهم في إدلب شمال غربي سوريا في السابع والعشرين من فبراير، وانتشار جائحة فايروس كورونا المستجدّ (كوفيد-19) في تركيا هذا الشهر.

ولم تحلّ المستشفيات الجديدة محلّ المستشفيات الحكومية القديمة فحسب، وإنما حلّت أيضا محل المستشفيات العسكرية، التي أُغلقت في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في 15 يوليو 2016. غير أن هناك شكوكا كثيرة أثيرت بشأن قدرة تلك المستشفيات على العمل في حالات الحروب والجوائح.

ويقول فيكرت شاهين، الطبيب والنائب في البرلمان عن حزب المعارضة الرئيس، حزب الشعب الجمهوري، إن هجوم إدلب وجائحة كورونا أظهرا مخاطر وجود منشأة طبية واحدة للتعامل مع الآلاف من المرضى المحتمل أن تكون انتقلت إليهم عدوى منتشرة، أو مع الجنود الجرحى.

وقال شاهين إن الملاحظة الأولى أن المسافة بين أطراف المجمعات الطبية الضخمة قد تصل في بعض الأحيان إلى كيلومترات، بينما تُبنى المستشفيات ذاتها في الغالب على مساحة بعيدة عن مراكز المدن.

أضاف “في مجال الصحة، الذي قد تفصل فيه ثوان بين الحياة والموت، فإن صعوبة الوصول إلى المستشفيات التي بُنيت على بعد كيلومترات من المدن تجعل التدخلات لإنقاذ الحياة أكثر صعوبة، وتزيد مخاطر وفاة المرضى. قلنا من البداية إن هذا النموذج خطأ، وإنه حوّل المستشفيات إلى مراكز تجارية، وحوّل المرضى إلى زبائن مضمونين من قبل الخزانة… والآن، قد أظهرت الأحداث التي هزّت المجتمع في الآونة الأخيرة بصورة مؤلمة أننا كنّا على حق”.

والأمر الأكثر خطورة على المجتمع التركي، البالغ تعداده 83 مليون نسمة، هو تفشّي فايروس كورونا، حيث وصل عدد الحالات إلى 359 حالة وفقا لبيانات وزارة الصحة حتى مساء الخميس الماضي، مقارنة مع عدد قليل من حالات العدوى التي اكتُشفت الأسبوع الماضي.

وشكّكت الرابطة الطبية التركية في البيانات الحكومية في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقالت إنها فحصت عددا قليلا من الأشخاص مقارنة مع عدد الحالات المكتشفة. وتفاعل الكتّاب الموالون للحكومة بغضب مع هذا البيان، ومع انتقاد الرابطة لنقص تجهيزات حماية العاملين في القطاع الصحي. ودعا بعض هؤلاء الكتّاب إلى شطب كلمة “التركية” من اسم الرابطة.

ومن أخطر تحذيرات أعضاء الرابطة، ذلك الذي أطلقته البروفيسورة أوليم آزاب، المتخصّصة في العدوى، حيث قالت إن حجم المدن الطبية سيجعل من الصعب للغاية استخدامها كمراكز لمحاربة عدوى فايروس كورونا.

وأشارت الطبيبة إلى أن تعقيم هذه المجمّعات الطبية الضخمة والحفاظ على نظافتها مهمة صعبة للغاية في حدّ ذاتها. أضافت أنه على الرغم من التركيز على إجمالي عدد أسرّة المستشفيات، فإن القضية الرئيسة في انتشار الجائحة هي الطاقة الاستيعابية لوحدات الرعاية المركّزة فيها.

فضلا عن ذلك، فقد ذكرت الرابطة في تقرير حول المدن الطبية، صدر قبل وقت طويل من انتشار كورونا، أن تَرَكُّز عدد كبير من منشآت الصحة العامة في مكان واحد يثير مخاطر كبيرة في حالة تفشي الوباء، نظراً إلى أن هذا قد يجعل المستشفيات مناطق محظورة على المرضى الذين يعانون من أمراض أخرى.

لكن هناك خطرا آخر منفصلا تشكّله هذه المستشفيات ونموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص، سلّطت الضوء عليه جائحة كوفيد-19. ففي الوقت الذي شرعت فيه الحكومة في اتخاذ بعض الإجراءات، مثل إغلاق المطارات والشركات ومطالبة الناس بملازمة بيوتهم –شأنها في ذلك شأن بلدان أخرى في أنحاء العالم– فإن منشآت البنية التحتية التي تأسست وفقاً لهذا النموذج لم تعُد مستخدمة إلى حدّ كبير. يعني هذا أن التكلفة التي تتحملها الخزانة، نتيجة لضمان الدولة العائد من أعداد المسافرين والزبائن بالعملة الأجنبية، آخذ في الارتفاع.

وجنّبت الحكومة 18.8 مليار ليرة (3.1 مليار دولار) في ميزانية 2020 لهذه المدفوعات المضمونة. لكن الدولار واليورو آخذان في الارتفاع بقوة مقابل الليرة، بينما المطارات والطرق والجسور باتت خاوية على عروشها في أنحاء البلاد. وفي ظل هذا الوضع، ستكون الخزانة مسؤولة عن دفع أضعاف هذه المبالغ.

10