انتهت حلول الأرض، الأمر متروك لقزم الحظ

البشر ينجذبون في الغالب تجاه الجديد غير المعتاد ونتيجة لذلك فإن المنشورات والتغريدات ذات المحتوى المبتكر لها احتمالية أكبر في أن تلاحَظ وتُقرأ.
الجمعة 2020/10/23
هذا القزم.. لا تتجاهله

“هذا قزم الحظ لا تتجاهله وسيحدث لك شيء رائع غدا” عبارة صاحبت صورة انتشرت كالنار في الهشيم على مواقع التواصل لكائن صغير شبيه بالبشر تبدو عليه علامات الشيخوخة استطاع أن يجد لنفسه مكانا وسط طوفان الترندات.

لندن- شارك الملايين عبر العالم على مواقع التواصل صورة لما أطلقوا عليه “قزم الحظ”، الذي قالوا إن مشاركة صورته تجلب حظا سعيدا.

وفي أحد المنشورات على فيسبوك حصلت صورة لقزم الحظ مصحوبة بتعليق “هذا قزم الحظ.. لا تتجاهله وسيحدث لك شيء رائع” على أكثر من 1.4 مليون مشاركة. وقد حظي هذا المنشور بالآلاف من التعليقات، فيما قال العديد من مستخدمي مواقع التواصل إنهم فعلا “وجدوا حظا عظيما”.

ومع ذلك، فإن ما يسمونه قزم الحظ ليس قزما حقيقيا ولكنه دمية مصنوعة يدويا لشخصية خيالية من مشعوذات إحدى الغابات التي أطلق عليها اسم “ساحرة الماندريك” ويبلغ طولها 32 سنتيمترا وتحمل في يدها نبات “الماندريك” الشهير الذي يعرفه كل من شاهد سلسلة أفلام “هاري بوتر”.

والدمية من تنفيذ فنانة روسية تدعى تاتيانا كاتروشوف. وذكر موقع “BABIKI” الروسي، أن تاتيانا تبلغ من العمر 48 عاما، وتقضي أغلب وقتها في صناعة الدمى. يأمل البعض أن مشاركة صورة الدمية سيضفي لمسة من اللون في حياتهم الرمادية.

وتساءل معلقون “لكن كيف يمكن لمشاركة الصورة أن تغير المصير؟”  يقول مستخدمو فيسبوك إن “الصورة لا أساس لها من الصحة، إنها مجرد شائعة. ومع ذلك تغير المصير؟ لأن أولئك الذين يشاركون الصورة يتم تعزيز ثقتهم في لحظة. إنهم يؤمنون بصدق أن شيئًا جيدًا سيحدث لهم غدًا”.

وتشرح معلقة “هل تفهم مدى قوة الإيمان؟ الإيمان بنفسك أصعب شيء في العالم. إذا كنت تعتقد أن شيئًا جيدًا سيحدث لك، أو أنك تستطيع أن تفعل ما لم يكن بإمكانك فعله من قبل، يمكنك أن تفعله اليوم؛ ثم لا يمكن لأي قوة في العالم أن توقفك”.

وتتسبب المعتقدات علميًا في زيادة الهرمونات في خلايا دماغنا، مما يسمح لنا بالعمل بجدية أكبر. لذلك فإن أولئك الذين يشاركون صور قزم الحظ ليسوا غير متعلمين أو مؤمنين بالخرافات، فهم يوسعون إيمانهم فقط.

وقد شاركها العديد من الأطباء والمهندسين والأشخاص الحاصلين على درجة الدكتوراه في الفيزياء أملا في الحصول على الحظ السعيد. عربيا، ذهب آخرون إلى التحذير من “قزم الحظ” من جانب ديني. وقال معلق:

واستقبل آخرون الصورة بالسخرية. فقالت معلقة:

Sara Hamzaoui

خليه يوزعه على حاله الأول يا عيوني، ويطول وما يظل قزم يا عيوني، وبعدها يجي يفرق علينا إحنا يا عيوني.

وتهكم مغرد:

وعلى طريقة عبارة “انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء” المنسوبة لرئيس الوزراء الإيطالي جوسيبي كونتي التي تبين كذبها، قال مغرد:

ahmadstwittor@

انتهت حلول الأرض، الأمر متروك لقزم الحظ. هذا قزم الحظ لا تتجاهله وسيحدث لك شيء رائع غدا وعن تجربة.

وانتقدت معلقة:

وفي الغالب ينجذب البشر تجاه الجديد غير المعتاد، ونتيجة لذلك فإن المنشورات والتغريدات ذات المحتوى المبتكر لها احتمالية أكبر في أن تلاحَظ وتُقرأ. ويجري تجاهل المعتاد والمألوف، في حين تقابَل الأخبار الجديدة أو المدهشة، بالقبول من خلال الإعجاب والمشاركة وإعادة التغريد.

عربيا، يعتبر معلقون أن “قزم الحظ” نمط جديد يعوض المنشورات ذات الصبغة الدينية التي لم تعد تنطلي على كثيرين وملّها نشطاء مواقع التواصل. ولا يعتمد منشور “قزم الحظ” على صيغة تهديدية، بل يميل إلى الجزاء الأكيد.

وتتخذ تلك المنشورات ذات الصبغة الدينية، التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي، أساليب مختلفة، فتأتي أحيانا بصفة الرجاء والترغيب “انشرها ولك الأجر.. لن تأخذ من وقتك الكثير”، وأخرى تكتسي طابع التهديد والتخويف الصريح أو الضمني “لا تبخل على نبيك بحركة زر”، “لا تهمل هذه الرسالة إنه موضوع جدّي”، “انشرها وإلا فالويل لك” أو مقرونة بأدوات الشرط المختلفة التي تنتج عنها عواقب إن لم يطع المستخدم الأمر بالنشر “أنشرها بقدر حبك للرسول وإن لم تفعل فقد فعلت قدر حبك له” أو “إن لم تفعل فاعلم أن الشيطان منعك.. إن لم تنشرها فستموت”.

ورغم إفراطها في السذاجة، تضع المعلومات الموجودة في هذا النوع من الخطابات متلقيها أمام خيارين، ولكل خيار احتمالان، إن نفَّذت الطلب وأرسلت الرسالة إلى العدد المطلوب، إما يتحقق الوعد بالحظ السعيد أو الرزق الوفير، وإما لا يحدث شيء، بينما إن تجاهلتها، إما أن تتحقق اللعنة أيضًا وتصاب بالحظ السيء، وإما لا يحدث شيء كذلك.

قزم الحظ ليس قزما حقيقيا ولكنه دمية مصنوعة يدويا لشخصية خيالية من مشعوذات إحدى الغابات التي أطلق عليها اسم "ساحرة الماندريك"

وبعد تصفية الاحتمالات، يجد ضحية الرسالة أنه أمام خيارين أساسيين: الحظ في النشر والنحس في عدم النشر. فماذا يفعل شخص لا يملك يقينًا أو معلومة مؤكدة تجاه رسالة تتنكر في رداء أسطورة؟ سيختار الحل الأسلم بالطبع، لن يخسر شيئًا بنشر الرسالة، بل قد يكسب حظا وفيرًا، غير أن الأمر ربما يكون حقيقيًّا، ويصيبه الحظ السيء إن لم يُعِد نشرها.

ويقول منتقدون إن هذه العبارات بقدر ما تعكس تفاهة أصحابها بقدر ما تخفي وراءها تساؤلات عميقة، فهي جزء من واقع مأزوم يستسلم بسهولة أمام قوة التنويم المغناطيسي الممارس عليه بوعي أم دون وعي من أطراف تستغل جهل زوار المواقع من أجل السخرية منهم.

19