انتهاك حقوق المعينات المنزليات يتفاقم في غياب القوانين

منظمات حقوقية تونسية تطالب بوضع تشريعات تنظم عمل المعينة المنزلية وترتقي بمكانتها في المجتمع.
الثلاثاء 2019/08/06
الفقر يدفع أسرا للتضحية ببناتها

تتعرض المعينات المنزليات للعديد من أشكال العنف والاعتداء على حقوقهن بدءا من تشغيلهن وهن في سن الطفولة بقرار من أولياء أمورهن وصولا إلى استغلالهن من قبل الأسر المشغلة بجانب تعرضهن للنظرة الدونية من المجتمع التونسي رغم أهمية الدور الذي يلعبنه، الأمر الذي دفع العديد من الجمعيات الحقوقية للمطالبة بوضع قوانين وتشريعات تضمن حقوق المعينات المنزليات وتحمي القاصرات من الاتجار بهن وتعريضهن للاستغلال الاقتصادي.

تونس – أوصت دراسة، صدرت مؤخرا عن مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة “الكريديف” في تونس، بضرورة ضبط نص قانوني ينظم مهنة المعينة المنزلية ويحفظ لها حقوقها ويحدد واجباتها.

وشددت الدراسة التي تناولت موضوع “عاملات المنازل: المسارات والمعيش والمتوقع الاجتماعي” على وجوب أن يحدد هذا القانون أوقات العمل والراحة بالنسبة لعاملات المنازل وطرق احتساب أجورهن، كما يضبط مسؤوليات مختلف الأطراف وخاصة المعينة المنزلية وصاحب العمل فضلا عن ضمان تمتيع هذه الفئة بالتغطية الاجتماعية.

وطالبت الدراسة بتكوين جمعيات ونقابات توفر الحماية لهذه الشريحة من المجتمع وتحافظ على حقوقها، خاصة وأنها معرضة للعديد من الانتهاكات مثل العنف بشتى أنواعه من قبل المشغلين أو اتهامها بالسرقة أو الإهمال وغيرهما.

وأشار الباحث الاجتماعي  لسعد العبيدي إلى أن الدراسة شملت عينة تتكون من 60 معينة منزلية تتوزع على ولايات تونس الكبرى وسوسة وصفاقس، وتتراوح أعمارهن بين 21 سنة و57 سنة، وهي تهدف إلى توفير معطيات علمية حول واقع وحياة المعينات المنزليات والتغيرات التي شهداهما في السنوات الأخيرة.

وقال العبيدي إنه من الضروري تمكين هذه الشريحة، التي يقدر عددها في تونس بـ40 ألف معينة، من دورات تدريبية تمكنها من اكتساب مهارات تساعدها على إنجاز العمل المطلوب منها بسهولة أكثر خاصة في ما يتعلق بكيفية استخدام الآلات والتجهيزات المنزلية وبتربية الأبناء وبالاهتمام بالأطفال والرضع والمرضى والمسنين.

المعينة المنزلية تقدم خدمة كبيرة للمجتمع ولولاها لما خرجت العديد من النساء للعمل

ودعا العبيدي إلى تنظيم حملات إعلامية وتوعوية واسعة النطاق للقطع مع النظرة الدونية للمعينة المنزلية وإعطائها المكانة التي تستحق نظرا للدور الكبير الذي تضطلع به في المجتمع، مضيفا “إن المعينة المنزلية تقدم خدمة كبيرة للمجتمع هو في حاجة أكيدة إليها فلولاها لما خرجت العديد من النساء للعمل”.

وأوضح المختص في العلوم الاجتماعية وأحد المشرفين على إعداد الدراسة، معز بن حميدة، أن الدراسة مكنت من الوقوف على التطور الكبير الذي يشهده عمل المعينة المنزلية خلال السنوات الأخيرة.

وأردف قائلا “أصبحت المعينة المنزلية تتمتع بمكانة اجتماعية هامة، نظرا لدورها داخل الأسرة، وبمستوى دراسي محترم وبمدخول مالي يحقق لها الاستقلالية ويخول لها أخذ القرار ويمكنها من مساعدة عائلتها الموسعة”.

وأكد بن حميدة أنه رغم هذا التطور الإيجابي، الذي مكن المعينات المنزليات من الاضطلاع بوظائف هامة داخل الأسرة لا تقتصر على القيام بالشؤون المنزلية بل تتجاوز ذلك ليلعبن أحيانا دور مدرسات للأطفال ومرافقات لكبار السن وغيرها، إلا أنه لا يتوفر في تونس إطار قانوني يحميهن من الانتهاكات التي يتعرضن لها من قبل بعض العائلات المشغلة.

وأكدت نتائج الدراسة، حسب وسائل إعلام تونسية، أن عددا من معينات المنازل يتعرضن إلى العنف الجنسي سواء كن مقيمات في مقرات العمل أو غير مقيمات.

من جانب آخر أظهرت النتائج الأولية للدراسة أن رحلة عمل بعض المعينات المنزليات تنطلق عادة منذ عمر الـ13 سنة نتيجة لضعف الإمكانيات المادية للأسرة، فتضطر العائلة إلى إرسال بناتها للعمل في المنازل مرورا بوسطاء مختلفين.

وتتحرج غالبية المستجوبات ضمن الدراسة بحسب الأستاذ الجامعي معز بن حميدة، من الحديث في موضوع العنف الجنسي بشكل مباشر، لافتا إلى أن المعينات المقيمات هن الأكثر عرضة لهذه الممارسات. وكشفت الدراسة أن الفاعل الرئيسي لهذه الممارسات هو الزوج في ظل غياب زوجته، مشددا على أن التحرش الجنسي بالمعينة يتم عبر الترهيب أو الترغيب أو استخدام السلطة أو الإكراه أو المراودة.

رحلة عمل بعض المعينات المنزليات تنطلق عادة منذ عمر الـ13 سنة نتيجة لضعف الإمكانيات المادية للأسرة، فتضطر العائلة إلى إرسال بناتها للعمل في المنازل مرورا بوسطاء مختلفين

وعندما تقرر المعينات المنزليات، ضحايا هذه الاعتداءات، كشف ما حدث لهن، فإنهن يتعرضن للتهديد والضغط لذلك غالبا ما يخترن إنهاء العلاقة مع الأسرة المشغلة، وبحسب إحصائيات رسمية فإن عدد المعينات المنزليات في تونس بلغ 78 ألف تونسية، ويعد العمل بالمنازل القطاع الثاني المشغّل للنساء في البلاد بعد قطاع النسيج.

وكانت وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن نزيهة العبيدي أقرت في حديث لوكالة تونس أفريقيا للأنباء بوجود ما يشبه “السوق الأسبوعية”، على حد تعبيرها، بإحدى المناطق بالشمال الغربي التونسي وقع فيها المتاجرة بفتيات قاصرات من قبل سماسرة لتشغيلهن كمعينات منزليات.

وأكدت الوزيرة أنها صدمت خلال تنقلها في فترة سابقة مع مسؤولين من وزارة المرأة إلى أحد الأسواق الأسبوعية في تلك الجهة بوجود سماسرة عرضوا فتيات قاصرات للعمل كمعينات منزليات في مدن أخرى. وقالت إنها أجرت سابقا مكالمة هاتفية مع أحد السماسرة عبر الهاتف لمعرفة إن كان الأمر يتم بتلك البساطة للحصول على معينة منزلية من فئة الفتيات القاصرات وتبين لها أن الظاهرة موجودة ولا غبار عليها. وأضافت أن السماسرة يعرضون خدمات الفتيات القاصرات بموافقة أوليائهن وبمرتب شهري زهيد، مؤكدة أنها قدمت جميع أرقام هواتف أولئك السماسرة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر التي تترأسها القاضية روضة العبيدي.

وتابعت العبيدي أن الوزارة قامت بالعديد من الحملات التوعوية على عين المكان لدى العائلات التي تقوم بإرسال بناتها للعمل في ظروف قاسية وغير محسوبة العواقب، إضافة إلى حملات مضادة للعائلات التي تستقبل هؤلاء الفتيات لتحذيرها من المسؤولية القانونية والعقوبات الردعية المنجرة عن تشغيل القاصرات.

وكانت دراسة سابقة حول “التعهد والتعاطي القضائي مع ملفات قضائية في مجال الاتجار بالأشخاص”، كشفت أن بحثا ميدانيا شمل 20 محكمة ابتدائية خلال شهر نوفمبر 2018 رصد 31 حالة شبهة اتجار بالبشر موزعة بين جرائم الاستغلال الاقتصادي وجرائم الاستغلال الجنسي، ومنها 16 قضية تهم الأطفال، تندرج ضمنها قضايا تشغيل القاصرات وتعرضهن للعنف وسوء المعاملة.

21