انتكاسة التغيير في الجزائر تنعش الهجرة السرية نحو أوروبا

الجزائر - عادت ظاهرة الهجرة السرية بشكل لافت خلال الأسابيع الأخيرة في الجزائر، بعد أشهر من الهدنة التي عاشتها سواحل البلاد، إذ تتحدث تقارير يومية عن مغادرة العشرات من الشبان نحو أوروبا، أو إجهاض مصالح الأمن لمغامرات القوارب الخشبية، وذلك وسط جدل حول تأثير مخارج الأزمة السياسية في تحطيم آمال الشباب الجزائري في تحقيق التغيير السياسي المنشود.
وأثار اللاعب أمين بلغيث من مدينة تلمسان وحارس المرمى رضا بن سايح، لغطا كبيرا على شبكات التواصل الاجتماعي، بعد ظهورهما في تسجيلات بمدينة إسبانية قد وصلاها بعد رحلة على قارب خشبي من بين العشرات من القوارب التي تغادر البلاد معبّأة بشبان جزائريين. وفي اعتذاره للعائلة أكد بن سايح، على أن شعوره بالظلم وبحرمانه من قبل محيطه من ممارسة مهنته وهوايته، هو الذي دفعه إلى الهجرة، في حين ذهب بلغيث إلى أسباب مماثلة في شرح أسباب لجوئه إلى مغامرة ركوب مخاطر البحر. وأظهر تسجيل آخر أحد الناشطين والمناصرين المعروفين بالعاصمة لنادي مولودية الجزائر العريق، وهو يستقل أحد القوارب الخشبية، متجها إلى الساحل الإسباني، مما يعطي الانطباع بأن الظاهرة ماضية في التوسع والتمدد الاجتماعي.
ويعرف الوسط الرياضي والكروي تحديدا في الجزائر، ارتياحا ماديا لدى ممارسيه حتى ولو كان أصحابه في الأقسام الدنيا، حيث يتقاضون رواتب محترمة ويحوزون على عقود تعتبر حلما لباقي العاطلين عن العمل والمهمشين.
وأخذت ظاهرة الهجرة في الجزائر أبعادا اجتماعية جديدة، بعدما انضمّ المسنون والعائلات والرضع إلى قوافل الناقمين على الأوضاع الداخلية والحالمين بالوصول إلى أوروبا على القوارب الخشبية في مغامرات مثيرة ومأساوية، وذلك بعد شهور من الهدنة التي عاشتها سواحل البلاد. وربط مختصون تفاقم الظاهرة مؤخرا، بتبدد آمال وأحلام الشباب في مآلات التغيير السياسي بالبلاد، بعد قرابة العام من الاحتجاج الشعبي ضد السلطة القائمة، حيث لا تزال الأوضاع في مربع الصفر، ولا شيء في الأفق يوحي بتحقيق حلم التغيير الذي خرج إليه الجزائريون منذ شهر فبراير الماضي.
وذكر تقرير أمني، أن “شبكات الهجرة السرية تستغل تفرغ مصالح الأمن للأوضاع الاستثنائية في البلاد، لتفعيل نشاطها الذي يدر عليها أرباحا طائلة لاسيما وأن تكلفة الرحلة غير المضمونة لا تقل عن مبلغ الألف أورو”.
وأظهرت تسجيلات على شبكات التواصل الاجتماعي، قوافل من القوارب الخشبية تحمل العشرات من المهاجرين السريين، وهي على وشك الوصول إلى السواحل الإسبانية خلال الأسابيع الأخيرة. ولم يتطرق التقرير إلى الأسباب الاجتماعية الحقيقية لعودة الظاهرة بشكل مثير بعد شهور من الاستقرار على سواحل البلاد، حيث عرفت الأشهر الأولى لانطلاق الحراك الشعبي تقلصا كبيرا في الظاهرة، حيث لم تسجل حينها إلا حالات محدودة جدا، قبل أن تعود بقوة في الآونة الأخيرة. ويرى أستاذ علم الاجتماع بوعلام صديقي، في تصريح لـ”العرب”، أن “تفاقم الظاهرة بهذه الوتيرة ينطوي على حالة نفسية واجتماعية، تنمّ عن خيبة أمل في أحلام تعلق بها هؤلاء خلال الأشهر الماضية، لما ساد الاعتقاد بأن الحراك الشعبي سيحقق التغيير المنشود في مختلف المجالات”.
وأضاف “توجيه الظاهرة إلى منحى معين ، يعتبر من أسباب تفاقم الهجرة السرية، فالبطالة والظروف الاجتماعية القاهرة وغياب التكفل الحقيقي بالمجتمع، ليست وحدها ما يدفع هؤلاء إلى الهجرة، لأن تكلفة الرحلة نفسها بإمكانها فتح مصدر رزق لصاحبها، وإنما هناك أسباب أخرى تتصل بالإقصاء والتهميش والمظالم وتوسّع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية”.
وشكلت الفئات الاجتماعية المهمشة التي تمثل حاضنة الهجرة السرية، الوعاء الرئيسي للحراك الشعبي الجزائري، حيث لا يتردد أسبوعيا هؤلاء في الخروج بقوة للتنديد بالنظام السياسي القائم والدعوة إلى التغيير الشامل الذي يعيد الثقة والسيادة إلى المجتمع، خاصة بعد كسر حواجز الخوف التي فرضتها السلطة خلال العشريات الماضية.