انتقام الرجل المخلوع من زوجته نزعة ذكورية أم حب في الامتلاك؟

الأزواج يعتبرون جرأة المرأة على طلب الطلاق إهانة لهم ومسّا برجولتهم.
الخميس 2021/07/29
الرجل الشرقي يشعر أنه صاحب الحق في إنهاء العلاقة الزوجية

تسهم التقاليد عند بعض الأسر المحافظة وأعراف المجتمع عموما في تصاعد غضب الرجال من الزوجة التي تقرر الخلع أو تطلب الطلاق. ويدعم البعض من الأسر الانتقام من المرأة بزعم أنها تجرأت على المس من الرجولة وحطت كرامة الرجال. وتنظر بعض الأسر إلى المرأة التي تخلع زوجها على أنها متمردة مهما امتلكت من مبررات وأعذار، ما يغذي التحريض بالانتقام عند الرجل الذي يتم نعته بأسوأ العبارات والتوصيفات إذا قبل على نفسه أن يكون مخلوعا.

القاهرة - تعكس حوادث انتقام الأزواج من الزوجات اللاتي يقدمن على رفع دعاوى طلاق بالخلع في أوساط عربية عديدة أن الرجل الشرقي لم يتقبل بعد إمكانية تطليقه ومازال يتمسك بأن يكون صاحب الكلمة الوحيد في تقرير مصير الحياة الزوجية دون مراعاة لحق الزوجة في اختيار الحياة التي تتناسب معها وتلبي احتياجاتها.

وصارت أشكال الجريمة التي يرتكبها الزوج المخلوع بحق زوجته كثيرة ومتعددة، فهناك من ينتقم بالقتل، وهناك من يشوه الجسد والوجه كي لا تستطيع المرأة الزواج من غيره، وثالث يقوم بفضحها من خلال نشر صورة خاصة لها أثناء العلاقة الحميمة، ورابع يهدد بخطف الأبناء ويلوّح بإمكانية الخلاص منهم ليحرق قلبها عليهم.

وأقدم زوج مصري مؤخرا على حرق زوجته وتشويه وجهها بماء النار أثناء خروجها من عملها لمجرد أنه علم برفعها قضية خلع ضده لأنه لا يستطيع إنجاب أبناء، ومع كثرة الخلافات وصلت الزوجة إلى حالة من النفور وانعدام العاطفة تجاه زوجها فقررت تطليقه بعدما رفض الانفصال عنها ما جعله يشعر بالإهانة.

وقبل أيام استيقظ سكان أحد الأحياء في العاصمة السعودية الرياض على صوت إطلاق نيران وصراخ في الشارع لرجل يرغب في الانتقام من زوجته التي رفعت ضده دعوى طلاق، لكنه لم يتقبل ذلك على نفسه، ورصدت كاميرات مراقبة أن الرجل كان في حالة جنون من الصدمة التي تعرض لها منذ أخبرته محكمة الأسرة باقتراب خلعه.

عنان حجازي: الرجل المخلوع يزيد غضبه لكون زوجته قررت إنهاء العلاقة

وكانت الواقعة الأشهر في القاهرة عندما أقدم رجل خمسيني على قتل زوجته أمام المارة في الشارع، لأنها رفعت ضده قضية خلع فقرر الانتقام منها بدم بارد وجلس إلى جوار الجثة يشرب السجائر بعدما قام بإبلاغ الشرطة بقيامه بقتل زوجته، وقال لهم إنه ينتظرهم بجوارها وسط ذهول المارة الذين فشلوا في تهدئته وإنقاذ الزوجة.

ولم تعد حوادث انتقام الرجل من زوجته التي قررت خلعه حوادث فردية أو دخيلة على المجتمعات العربية بقدر ما صارت ظاهرة تصعب السيطرة عليها.

واللافت أنه بعد ضبط المتهمين في هذه الوقائع لا يبدون الندم والحسرة والتسرع على أفعالهم، بل قد يتباهون أمام جهات التحقيق بأنهم انتصروا لكرامتهم ورجولتهم وحافظوا على كيانهم أمام العائلة.

ولا يتحمل الرجل الشرقي أن ينظر إليه الأقارب والأصدقاء وزملاء العمل بطريقة ساخرة تحمل قدرا من الاستهداف والحط من كيانه لمجرد أنه حمل لقب “المخلوع”، ودائما ما يشعر بأنه تعرض للكسر وضرب رجولته في مقتل وزوجته كانت أشبه بـ”رجل البيت”، وكثيرا ما يتم نعته بتوصيفات لا يتحملها فيقرر الانتقام.

وقال (س.م)، وهو موظف مصري قررت زوجته خلعه بعدما رفض طلبها المتكرر بالطلاق، إنه تقدم بطلب لنقله من عمله إلى مكان خارج النطاق السكني الذي عاش فيه طوال حياته بسبب التعليقات الساخرة والمهينة التي كانت تطارده منذ علم الأقارب والأصدقاء بأنه صار مخلوعا، وفكر في الانتقام من أم أولاده، لكنه تراجع أمام نصائح بعض المقربين منه.

وأضاف لـ”العرب” أنه كان يرفض تطليق زوجته حتى لا يتسبب في خراب البيت، وبعض الأزواج يتمسكون بالزوجات لذات السبب، غير أن قانون الخلع فتح الباب على مصراعيه وربما لدوافع واهية من السيدات لإنهاء العلاقة الزوجية، فالرجل المخلوع يعاني نفسيا بطريقة لا يتخيلها بشر ويوصم بأن رجولته اهتزت ولم يعد يصلح للزواج من امرأة ثانية.

وتقدم هذا الموظف لأكثر من فتاة للزواج منها وفي كل مرة كان يواجه طلبه بالرفض، بدعوى أنه طالما أن زوجته خلعته فهو كثير المشكلات ويصعب تحمل طباعه والحياة معه محفوفة بالمخاطر، وهذه صورة ذهنية شائعة عن الرجل المخلوع، أما المطلق فلا تطارده النظرات الجارحة ولا يحتاج إلى رد اعتباره ورجولته ويمكنه تكوين أسرة جديدة بسهولة.

أزمة الكثير من الأزواج أنهم لا يقتنعون أن رفضهم تطليق الزوجة عندما تطلب ذلك لا يمثل عبثا برجولتهم وكرامتهم أيضا، لأن الرجل يفترض ألا يعيش مع امرأة تبغضه ولا تطيق رؤيته وعليه فراقها بإحسان طالما أن مشاعرها تجاهه انعدمت ولم تعد ترغب فيه ولجوؤها للخلع صار النافذة الوحيدة أمامها للهروب من هذا السجن.

وصحيح أن بعض الأزواج يتمسكون بعدم الطلاق مهما بلغت الخلافات للحفاظ على كيان الأسرة من الانهيار، لكن ذلك لا يعني أسر المرأة وحرمانها من الحد الأدنى للحرية والاستقلال وحق تقرير مصيرها، فطالما امتلكت وسيلة للخلاص من هذه الزيجة فلن تتأخر وفكرة الانتقام لن تثنيها عن موقفها لأن تداعيات ذلك لن تكون أكثر ضررا من إذلالها.

أشكال الجريمة التي يرتكبها الزوج المخلوع بحق زوجته كثيرة ومتعددة، فهناك من ينتقم بالقتل، وهناك من يشوه الجسد والوجه كي لا تستطيع المرأة الزواج من غيره

ورغم مرور سنوات طويلة على إصدار قوانين الخلع في دول عربية عديدة، إلا أن الأسر نفسها ترفض الفكرة وتنظر إلى المرأة التي تخلع زوجها باعتبارها متمردة مهما امتلكت مبررات وأعذارا، ما يغذي التحريض بالانتقام عند الرجل الشرقي الذي يتم نعته بأسوء العبارات والتوصيفات إذا قبل على نفسه أن يكون مخلوعا.

ويقود ذلك إلى أن تقاليد بعض الأسر الشرقية أو أعراف المجتمع عموما هي التي شحنت غضب الرجال تجاه الزوجة التي تقرر الخلع أو تطلب الطلاق، وهناك أسر تدعم الانتقام منها بزعم أنها تجرأت على رجولته وحضت من كرامته وفرضت عليه واقعا أسريا لم يرسمه بنفسه وجعلته مرفوضا من باقي النساء، باعتبار أنه بالخلع فقد فرصة الزواج السهل من أخرى.

وقالت عنان حجازي استشارية العلاقات الزوجية بالقاهرة لـ”العرب” إن الرجل المخلوع تتملكه مشاعر الغضب من كون زوجته استحوذت على قرار إنهاء العلاقة، وليس هو، وغالبية الأزواج مهما بلغت مشاكلهم، يشعرون بالكمال وعدم النقص، وبسبب الكبرياء والشعور بأن الزوجة قد تذهب لرجل آخر يطفو على السطح الانتقام.

وأضافت أن الإهانة المعنوية التي يشعر بها الرجل الذي قررت زوجته خلعه، ليس بالأمر الهيّن على الشخصية الشرقية، ويتعامل مع الأمر وكأنه نهاية الحياة، فيصبح مرفوضا من غالبية النساء خشية نفس المصير معهن، ويراوده إحساس بالهزيمة الشخصية والتقليل من رجولته ما يجعله يجاهد لرد الاعتبار أمام العائلة.

ولأن الكثير من العائلات ترفض تزويج بناتها لرجل مخلوع، فإنه يفكر في الانتقام من مطلقته كي لا تستطيع الزواج مرة ثانية. وفي الحالتين يكون الأبناء الحلقة الأضعف في صراع شريكي الحياة وسعي كليهما لإثبات الذات، وتستمر حلقة الصراع وتقف المرأة عاجزة عن حماية نفسها خاصة أن أسرتها قد تتبرأ منها.

ومهما كانت العقوبات التي تطال الرجل المخلوع بسبب انتقامه من مطلقته غليظة وقاسية فإنها لن تردع باقي المخلوعين، فالأهم من العقوبة نشر ثقافة أن المرأة ليست ملكية خاصة للزوج ويحق لها الطلاق إذا كانت الحياة مع الشريك مستحيلة وتقبل موقفها إذا لجأت للخلع وإقناع الرجل بالاستجابة لرغبتها في الانفصال قبل أن تنهار رجولته ويحمل لقب المخلوع.

21