انتقاد البرلمان المصري لأداء الحكومة يستهدف تهدئة الشارع

القاهرة - لجأ أعضاء البرلمان المصري إلى استخدام خطاب يبدو معارضا للحكومة يومي الثلاثاء والأربعاء، في أول انعقاد له عقب انخفاض قيمة الجنيه، وحملت تعليقات للنواب اتهامات مباشرة للحكومة بعدم قدرتها على ضبط الأسواق وفشلها في تبني سياسات تحصن السوق المصرية من تقلبات الأزمات الخارجية دون استخدام الحقوق الرقابية والتشريعية أو استدعاء رئيسها من أجل التعرف على خططه لمواجهة زيادات السلع.
وشن عدد من الأعضاء هجوما على الحكومة وأكدوا أن حزمة الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها ليست كافية أمام الغلاء الذي يئن منه المواطنون، وحذروا من خطورة استمرار ارتفاع الأسعار.
وطالب نواب ينتمون إلى المعارضة، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، بضرورة إقالة الحكومة الحالية، والتي كان من المتوقع تغييرها أكثر من مرة سابقا، لكن في كل مرة يتعطل هذا المسار، على الرغم من استقالة أو إقالة وزيري الدولة للإعلام والصحة.
وطالب النائب ضياء الدين داوود (معارض) رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة جديدة، وأن البرلمان يقتضي أن يحدد موعد دور الانعقاد الثاني ولا يخاطب ببيان من الحكومة.
وهناك جملة من المبررات تقتضي تعديل الحكومة، فالسياسات الاقتصادية التي تبنتها في السنوات الماضية لم يثبت جدواها على مستوى التحول من الاستهلاك إلى الإنتاج، وقضت وقتا طويلا في إنجاز مشروعات عمرانية دون أن تهيئ البيئة للاستفادة منها.
ولم يعد المواطنون يثقون في خطواتها، ولم تحصنهم من الأزمات الخارجية بعد إقدامها على اتخاذ إجراءات تقشفية قاسية وتخفيض دعم سلع وخدمات أساسية.

وأكد عضو مجلس الشيوخ المصري والخبير السياسي عبدالمنعم سعيد أن المطلوب في تلك المرحلة تعزيز المكون الاقتصادي داخل الحكومة عبر دعمها بخبرات متنوعة، فهي لا تضم بتشكيلتها الحالية سوى وزير أو اثنين ممن يملكون رؤى اقتصادية، ولا يكفي ذلك لتصويب سياساتها.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الصعوبات التي تواجه الحكومة على مستوى تنفيذ رؤيتها الاقتصادية وتعاملها مع الزيادات المضطربة في الأسعار ترجع إلى معالجاتها العاجلة ذات التأثير المحدود، ولا تتعامل مع جذور المشكلة، وتظهر حلولا بنكية بلا سياسات اقتصادية لمواجهة التضخم”.
وأشار إلى أن البرلمان يساير اهتمامات المواطنين في الشارع ويعمل على تصعيد موجة انتقاد الحكومة استجابة لمطالبهم في حين أن دفع الحكومة نحو ضبط الأسواق بأساليب أمنية يؤدي إلى اختفاء السلع وزيادة أسعارها وبيعها في السوق السوداء.
كما أن أجهزة الدولة استنفرت جهودها لتقديم سلع بديلة بأسعار منخفضة، ولم يراع بعض النواب الأسباب الموضوعية الداخلية والخارجية التي قادت إلى الزيادات الحالية.
ولم يتجاوب نواب الأغلبية مع مطالبة بعض النواب بإقالة الحكومة وتشكيل أخرى تضم كفاءات اقتصادية، ما يوحي بأن الهدف الرئيسي من الهجوم يتمثل في توصيل رسائل ّإلى الشارع مفادها أن البرلمان يدرك حجم السخط الشعبي على زيادة الأسعار بلا نية لتغييرها، وقد يكون ذلك ممكناً في المستقبل حال تضاعفت حدة الغضب.
ويقول متابعون إن توجهات النواب تستهدف تهيئة الأجواء السياسية لسحب الثقة من الحكومة حسب تطور الأوضاع، لكن ذلك لا يشكل هدفاً على المدى المنظور، لأن توالي الانتقادات في أزمات مختلفة يعبر عن الحاجة إلى سد الفراغ الناتج عن غياب نواب المعارضة الذين طالما قاموا بتلك الأدوار في الماضي.
وتكمن الأزمة الرئيسية في أن البرلمان لا يتعامل مع إخفاقات الحكومة وأزماتها وفق رؤية واضحة، وأحيانا يذهب باتجاه تصعيد الهجوم على وزير بعينه دون أن يكون لذلك تأثير واضح على مستوى تصويب ما اتخذه من إجراءات أو حتى الذهاب باتجاه سحب الثقة منه، وأحيانا أخرى يكون الشارع متململاً من مشكلات عديدة ويصم آذانه عنها لأنه فقد الأمل في إمكانية حدوث تغيير في الحكومة استجابة لمطالبه.

ولم ينجح حزب مستقبل وطن المؤيد للحكومة وصاحب الأغلبية الكاسحة بالبرلمان في إقناع المواطنين أو نواب المعارضة بجدوى هجوم طال هذه المرة وزراء التموين والقوى العاملة، واقتصر الحديث على ضرورة وضع تقديرات يمكن اتخاذها حال تفاقم الأزمات، وبدا أن المستهدف تحصين الحكومة وتقديم مبررات لعدم كسرها.
وأكدت أستاذة العلوم السياسية في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حنان أبوسكين أن البرلمان بتركيبته الحالية لن يتحرك لإقالة الحكومة أو إدخال تعديلات عليها لأن الأحزاب المساندة لسياساتها تشكل أغلبية، في حين أن الأحزاب المحسوبة على المعارضة معالمها غير واضحة، ويؤدي تراجع دور البرلمان الرقابي إلى صعوبة المضي في مسألة الإقالة أو التعديل على نحو مباشر.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “اتجاه النواب نحو السخونة السياسية في البرلمان يعود إلى مواجهتهم ضغوطا شديدة من جانب المواطنين في دوائرهم الانتخابية، ومساعيهم للحفاظ على مقاعدهم وإعادة انتخابهم مرة أخرى تحتم عليهم معارضة الحكومة، لكنها تبقى معارضة كلامية من خلال إتاحة الفرصة لهم للحديث في الجلسة العامة”.
وشددت على أن تداعيات الأزمة الحالية تعود إلى أسباب خارجية أكثر منها داخلية، وهناك تفسيرات تقود إلى الدفاع عن الحكومة، حيث يشير الواقع إلى أنها لا تتحمل الجزء الأكبر من هذه التداعيات، ودور مجلس النواب في الفترة المقبلة يكمن في تسريع إقرار التشريعات الحكومية التي تصب في صالح تحسين رواتب الموظفين وتقديم حوافز الضمان الاجتماعي.
ووافق مجلس النواب نهائيا بأغلبية الأعضاء الثلاثاء على مشروع قانون مقدم من الحكومة يقضي بتعجيل موعد استحقاق العلاوات الدورية وزيادة الحافز الإضافي للعاملين بالدولة للمخاطبين وغير المخاطبين بقانون الخدمة المدنية وأصحاب المعاشات ومعاشات القوات المسلحة.
وتقدمت الحكومة بطلب إلى مجلس النواب الأربعاء بشأن سحب مشروع قانون الضريبة لإجراء المزيد من الدراسة حول مواده، وكان يقضي بفرض ضريبة مقطوعة على التصرفات العقارية استجابة لطلب نواب أعلنوا رفضهم له من حيث المبدأ.