انتقادات دولية لحبس المعارض الطنطاوي لا تلقى تفاعلا في مصر

القاهرة - وجهت منظمات حقوقية دولية انتقادات للحكم الصادر بحبس المعارض المصري أحمد الطنطاوي، وأبرزها ما صدر عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان التي طالبت بالإفراج الفوري عنه، من دون أن تلقى هذه المطالبات أصداء في الداخل.
وغابت قضية الطنطاوي السياسية عن اهتمام المصريين مع تصاعد الأخطار على الحدود مع قطاع غزة وتحسبا للمزيد من الإجراءات الاقتصادية الصعبة الفترة المقبلة.
وأُدين الطنطاوي، والذي كان يأمل في خوض الانتخابات الرئاسية قبل نهاية العام الماضي، بارتكاب مخالفات أثناء الحملة الانتخابية، وأحالته النيابة وعددا من أعضاء حملته للمحكمة استنادًا إلى المادة 65 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، على خلفية ما قيل حول تزوير بطاقات التوكيلات الانتخابية.
ويحظر قانون مباشرة الحقوق السياسية المصري “طبع أو تداول بأي وسيلة بطاقة إبداء الرأي أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة”، وحددت المادة عقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تتجاوز خمسة آلاف جنيه، أو إحدى العقوبتين. (الدولار = 47 جنيهًا).
وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مارتا هورتادو إنها “تشعر بقلق بالغ إزاء القرار الذي أصدرته محكمة استئناف القاهرة بتأييد حكم السجن لمدة عام مع الشغل ضد النائب السابق في البرلمان و22 من أنصاره”.
ولقيت الانتقادات الدولية الموجهة لمصر بسبب سجلها الحقوقي القاتم سابقا أصداء سياسية، وكان يجري التعامل معها باعتبارها أدوات ضغط على الأنظمة المتعاقبة، لكن هذه المرة لم يكن للبيان الصادر عن أعلى هيئة حقوقية في العالم تأثيرا واضحا.
وظهر كأن الرأي العام المصري لا يعبأ بالانتقادات الخارجية أو تأثيرها على قرارات الحكومة، خاصة أن جهات دولية عديدة انتقدت النظام المصري ثم عادت تتعاون معه، وهو ما حدث مع الاتحاد الأوروبي مؤخرا وقام بترفيع العلاقات مع القاهرة إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية.
وتركت الحرب في قطاع غزة والانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل تأثيرات على مدى القناعة الشعبية بحيادية المنظمات الحقوقية الدولية، وقدرتها على إحداث تغير في الواقع الإنساني والحقوقي، واختصرت الحرب جهوداً بذلتها القاهرة للتأكيد على تسيس الملف الحقوقي وانتقادات المنظمات الدولية، وإن كانت الحكومة تضعها في الاعتبار، لكنها لا تشكل عنصرا من شأنه زيادة الضغوط الواقعة عليها.
وعلق رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان بجنيف أيمن نصري على البيان الصادر عن مفوضية حقوق الإنسان قائلا إن هناك قناعة بأن أحمد الطنطاوي ارتكب خطأ وجرى التعامل معه وفقًا للقانون، إذ تم عرضه على القضاء ولم يتم إلقاء القبض عليه أو اعتقاله، ما جعل البيان محل انتقادات عدة.
وأضاف نصري في تصريح لـ”العرب” أن الدولة تجاوبت مع الكثير من تعليقات ومطالب مجلس حقوق الإنسان العالمي، وأدخلت تعديلات مهمة على قانون الإجراءات الجنائية وحددت مدة الحبس الاحتياطي وتوسعت في الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي، واستجابت لتوصيات تحسين أوضاع السجون، وتسير في طريق إيجابي.
وأشار إلى أن البيان لم يحظ بالزخم المعهود رجوعا لتراجع حضور المنظمات الحقوقية الدولية بوجه عام، وهناك قناعة بأن كثير من المواقف والبيانات السابقة هدفت إلى تشويه الدولة، بالتالي فهذه المنظمات فقدت مصداقيتها على المستوى الشعبي، مع اعترافات الدول الأعضاء في المجلس الدولي لحقوق الإنسان بتطور الأوضاع الحقوقية في مصر وخفوت الانتقادات الموجهة لنظامها.
وانتقدت مبادرة “إيجيبت وايد” الحقوقية الحكم بحبس الطنطاوي، قائلة عبر حسابها عبر منصة “إكس”، “هذا العمل من الترهيب ضد المعارضين السياسيين يسلط الضوء على الافتقار إلى الحريات الديمقراطية والمجال العام الحر في مصر”، وتكرر الأمر من منظمات حقوقية مصرية أصدرت بيانا مشتركا عقب صدور الحكم بحبسه.
وتراجعت قضية الطنطاوي على مستوى اهتمام المعارضة، وعبرت ردة الفعل الضعيفة من جانب الحركة المدنية الديمقراطية (تضم أحزاب وشخصيات معارضة)، عن ضعف أصابها ومكوناتها مع انفصال الجمهور عن توجهاتها وافتقادها للتعامل مع القضايا الداخلية منذ غيابها عن المشاركة بفعالية في انتخابات الرئاسة الأخيرة.
ويتفق سياسيون على أن غياب الاهتمام الشعبي بالقضايا السياسية والتركيز على كيفية تجاوز المصاعب المعيشية وعدم وجود النموذج الذي يمكنه التأثير في رؤاهم يحد من قدرة أحزاب المعارضة على الحشد في القضايا ذات الارتباط بالحريات العامة.
وأكد رئيس حزب الإصلاح والتنمية (معارض) محمد أنور السادات أن قضية الطنطاوي غابت عن الاهتمام الشعبي، لكنها تحظى بمتابعة المهتمين بالشأن السياسي العام، لأنه كان ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية، مشيراً إلى أن المعارضة لم تعد تنتظر بيانات الخارج لتحديد بوصلتها، وأنها تحركت من خلال القانون الذي يسمح الطنطاوي بالنقض ضد الحكم، وتجهيز طلب لتقديمه للرئيس عبدالفتاح السيسي لإصدار عفو رئاسي عنه.
وذكر أنور السادات في تصريح لـ”العرب” أن المعارضة تهدف للاطمئنان على أن المعارض يحظى بمعاملة كريمة داخلة محبسه، وتقدم كافة أوجه الدعم إليه من منطلق أخلاقي وإنساني وسياسي.
ولفت إلى أن تطورات الأوضاع على الحدود مع غزة والأزمة في السودان وتأثيراتها على الأمن المصري شغلت حيزا كبيرا من اهتمامات المواطنين، كما أن زيادة أسعار الخبز مثل صدمة تحاول قطاعات عديدة تجاوزها وهو أمر ستكون له انعكاسات على مزيد من الابتعاد عن السياسة على فترات مؤقتة.
وسلكت قضية المعارض المصري دروبا عدة منذ إعلان وزارة الداخلية المصرية في أكتوبر الماضي القبض على عدد من الأشخاص في محافظات مختلفة، أثناء قيامهم بتحرير توكيلات “مزورة” لصالح أحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية.
وكانت محكمة جنح مصر قضت في فبراير الماضي بحبس الطنطاوي وأعضاء حملته سنة مع الشغل، ودفع كفالة قوامها 20 ألف جنيه لحين نظر الاستئناف، إضافة إلى حرمان الطنطاوي من الترشح في الانتخابات النيابية لمدة خمس سنوات.
وتحدث الطنطاوي مرارا عن صعوبات حالت دون قيامه بجمع العدد المطلوب من التوكيلات ليتمكن من خوض الاستحقاق، الذي فاز به الرئيس السيسي بنسبة 89.6 في المئة من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة.