انتعاشة مصرية مدعومة بزيادة الإيرادات ونمو سوق السينما عربيًا

السوق السعودية تنتشل شركات إنتاج مصرية من خسائرها المادية.
الاثنين 2023/07/31
أفلام تفشل في مصر وتنجح في السعودية

جاء الانفتاح السعودي على عالم السينما والإنتاج السينمائي ليخدم السينما المصرية، حيث أتاح للمنتجين تعويض خسائرهم المحلية بتوزيع أعمالهم في صالات العرض بالمملكة ليقبل عليها الجمهور المتعطش للفن خاصة في مواسم الأعياد ومع حسن استغلال أسماء فنانين قادرين على جذب الجماهير وتحقيق عائدات مالية كبرى.

القاهرة - حققت أربعة أفلام مصرية تم عرضها مؤخرا نجاحا جماهيريا انعكس على القيمة المادية التي حققتها في دور العرض المحلية وانتشارها عربيًا، واستفادت من حركة النمو التي تصاحب أسواق السينما في بعض الدول العربية مع استحداث سوق جديدة ومهمة في السعودية تمكنت فيها الأفلام المصرية من تحقيق إيرادات مرتفعة.

واستطاع فيلم “بيت الروبي” بطولة كريم عبدالعزيز واللبنانية نور أن ينافس أفلاما أعلى إيراداً في تاريخ السينما المصرية، وحقق في دور العرض المحلية عوائد وصلت إلى 3.6 مليون دولار بعد شهر من عرضه، وحقق إيرادات في دور العرض السينمائية السعودية بلغت 4.5 مليون دولار، كما أن الفيلم حقق إجمالي إيرادات في المنطقة، بعيدا عن مصر والسعودية، بلغ 2.5 مليون دولار، حسب أرقام نشرتها مجلة “فارايتي” المتخصصة في أخبار صناعة الترفيه.

وحقق فيلم “البعبع” بطولة أمير كرارة وياسمين صبري إجمالي إيرادات داخل مصر بلغ 1.1 مليون دولار، وإيرادات داخل السعودية قدرت بـ2.8 مليون دولار، وتفوق عليه فيلم “تاج” لتامر حسنى الذي حقق إيرادات في السعودية بنحو 2.9 مليون دولار كما تفوق عليه أيضا في الإيرادات المحلية وحقق 1.3 مليون دولار.

عصام زكريا: سوق السينما السعودية المحلية لم تشهد تطورا لافتا
عصام زكريا: سوق السينما السعودية المحلية لم تشهد تطورا لافتا

ويمكن القول إن الأفلام المصرية الأربعة التي جرى عرضها بالتزامن مع عيد الأضحى وتضم فيلم "مستر إكس" الذي لم تتجاوز إيراداته المحلية حاجز المليون دولار، حققت مكاسب مادية واستطاعت أن تستعيد الجمهور إلى دور العرض السينمائي التي بدأت مؤخرا تشهد زخما تزامنًا مع موسم الصيف. ومن المتوقع أن تشهد إقبالاً أكبر مع بدء عرض مجموعة من الأفلام التي أعلن عن بعضها ومقرر طرحها الأيام المقبلة لتزيد المنافسة قبل طرح أفلام رأس السنة الجديدة.

وتشير معطيات فنية عديدة إلى إمكانية إحداث تطور على مستوى الحالة السينمائية في مصر بعد أن تمكنت شركات الإنتاج من تعويض جزء كبير من خسائرها التي تعرضت لها خلال فترة انتشار فايروس كورونا منذ حوالي ثلاثة أعوام. وكذلك اتجاه نجوم الصف الأول نحو أفلام جماهيرية وتقديمها في مواسم تشهد عروض أفلام شعبية، خاصة في فترات الأعياد، والتراجع عن الحبكة السابقة التي اعتمدت على الراقصات ومشاهد العنف المفرط، وهو ما يعني حدوث تطور.

ويرتبط هذا التطور بعوامل عربية أبرزها وجود سوق صاعدة لديها قوة شرائية قادرة على انتشال شركات الإنتاج من الخسائر المحلية، وأهمها السوق السعودية الواعدة، لأن السينما المصرية لا تواجه منافسة عربية قوية مثلما هو الحال بالنسبة إلى الدراما وتعتمد على تقديم طبخة جماهيرية تعتمد على المزج بين التراجيديا والكوميديا وهي ثيمة تحقق نجاحا على المستويين المحلي والعربي بعيدا عن أفلام المهرجانات التي تفتقر إلى السوق الجماهيرية الواسعة في المنطقة العربية.

وأنشأت السعودية أول دار عرض سينمائي في أبريل 2018، ووصل عدد دور السينما فيها العام الماضي إلى 63 دارا، وبلغ إجمالي الإيرادات 905 ملايين ريال سعودي (نحو 241 مليون دولار) مع نهاية العام الماضي.

وقال الناقد الفني عصام زكريا إن أرقام الإيرادات المرتفعة التي حققتها الأفلام المصرية محليًا وعربيًا جاءت “صدفة دون أن يكون هناك خطط تطوير في التسويق أو التوزيع أو حتى في المحتوى الذي يحقق الجذب الجماهيري الواسع، وإن فتح سوق سينمائية جديدة في السعودية خدم السينما المصرية بشكل مباشر بما لدى نجوم هذه الأعمال من جماهيرية، ووجود أعداد كبيرة من المغتربين المصريين في السعودية".

وذكر في تصريح لـ"العرب" أن سوق السينما المحلية لم تشهد تطورا لافتا وليس هناك زيادة في دور العرض بل على النقيض يوجد تراجع في أعدادها، كما أن الأفلام المصرية لم تستطع تحقيق انتشار في دول المغرب العربي كما كان الوضع سابقا عندما كانت منتشرة، ما يجعل الانتعاشة الحالية رهينة حالة الاهتمام والتطور بالفنون بوجه عام في الدول الخليجية، والسعودية بشكل خاص.

◙ فيلم حقق عائدات مالية كبرى
◙ فيلم حقق عائدات مالية كبرى

ولفت زكريا إلى أن أرقام الإيرادات قد تكون خادعة، والارتفاع الملحوظ في الأرقام يرجع إلى ارتفاع أسعار التذاكر ووجود عدد محدود من الأفلام بدور العرض في أكبر مواسم السينما المصرية رواجا (عيد الأضحى)، وإذا تضاعفت دور العرض وزادت شركات الإنتاج من أعمالها فإن الإيرادات سوف تنمو بشكل كبير.

وأكثر ما ساعد الأفلام المصرية الأربعة على الانتشار هو اتجاه أبطالها إلى تطوير المحتوى الفني، مقارنة بغيرها من الأفلام التي كان يتم عرضها في مواسم الأعياد، بما انعكس على جذب قطاعات كبيرة من الشباب والأسر المصرية التي بدأت في العودة التدريجية بعد سنوات من الغياب، حيث كانت مرغمة على ذلك نتيجة تردي المحتوى المقدم.

ولم يكن التغيير مرتبطًا بالبحث عن الجمهور المحلي لأن شركات الإنتاج أدركت أنها قادرة على تحقيق عوائد مالية عبر دور العرض العربية، ما شجع على الاستعانة بنجوم الصف الأول وتقديم أعمال ذات ميزانيات مرتفعة وخوض مغامرات فنية محسوبة بلا تقيد كبير بحسابات جذب الجمهور المحلي.

أحمد سعدالدين: تطور السينما المصرية لا يزال على مستوى التوزيع الخارجي
أحمد سعدالدين: تطور السينما المصرية لا يزال على مستوى التوزيع الخارجي

وتحقق شركات الإنتاج مكاسب في هذه الحالة، لأنها تقوم بإنتاج الأعمال بميزانيات تعتمد على العملة المحلية التي تراجعت في مواجهة الدولار (الجنيه يساوي 31 دولارا في السوق الرسمية والريال السعودي يساوي حوالي تسعة جنيهات)، ما يخدم الانتعاشة المادية التي لم تنعكس بصورة كبيرة على المضمون، كما أن بعض الأفلام لا يزال يغلب عليها الجانب التجاري وقد لا تحقق نجاحاً في مصر بينما نجحت في دور العرض السعودية.

ويمكن القياس على فيلم "شوجر دادي" بطولة ليلى علوي وبيومي فؤاد الذي لم يحقق في مصر إيرادات سوى 226 ألف دولار لكنه حقق في دور العرض السعودية 8 ملايين دولار وتمكن من إزاحة فيلم الأكشن "فاست إكس" للنجم العالمي فين ديزل، والذي كان متصدراً شباك التذاكر في دور العرض السعودية فترة طويلة.

وأكد عضو مجلس إدارة جمعية نقاد السينما أحمد سعدالدين أن الطفرة التي حققتها بعض الأفلام المصرية ترجع إلى أبعاد ترتبط بتطور الاهتمام بالفنون ودور العرض السينمائية في دول عربية مختلفة، ولأن التوزيع على المستوى المحلي لم يشهد اختلافًا واضحا، وتبقى أرقام الإيرادات المحلية خادعة بسبب ارتفاع نسب التضخم في مصر، علاوة على زيادة أسعار التذاكر الفترة الأخيرة.

وأوضح في تصريح لـ"العرب" أن التطور الملحوظ يبقى على مستوى التوزيع الخارجي من خلال تدشين شراكات مع جهات لديها خبرات توزيع مهمة في الدول العربية، خاصة في السوق السعودية، وهذه الحالة يمكن البناء عليها واستغلالها بشكل إيجابي عبر زيادة ميزانيات الإنتاج ومضاعفة أعداد الأفلام المعروضة سنويًا، وعدم انتظار مواسم بعينها بما يجعل هناك حركة سينمائية مستمرة على مدار العام.

وكانت حقبة التسعينات من القرن الماضي شاهدة على غزارة الإنتاج المصري، والطفرة التي تشهدها السوق العربية الآن بحاجة إلى مواكبتها عبر التعرف على احتياجات الجمهور، ما يساهم في تراجع حدة المخاوف التي تسيطر على شركات الإنتاج جراء تكرار خسائرها السابقة ويمنحها قدرة أكبر على المجازفة التي لا بد أن تكون محسوبة جيدا لتجنب تكبد خسائر غير متوقعة.

ولدى العديد من شركات الإنتاج المصرية قدرات مالية ولوجستية تمكنها من تطوير نشاطها، لأنها أمام مصادر كسب مادي كبيرة، عبر توزيعها على دور العرض في أسواق مختلفة ومتعددة وبيع حقوقها للمنصات الرقمية، وحال أنتجت السينما المصرية 100 فيلم سنويًا بينها 15 فيلمًا تتسم بالمحتوى الجيد فذلك سيشكل نجاحًا مهمًا.

أفلام جديدة

 

15